بقلم: سامي يعقوب

للمزيد من هذه السلسلة:

في مواجهة الافتراءات ١ 

في مواجهة الافتراءات ٢


اللسان هو أحد أشرس أعداء الإنسان، فبه نعبد الله وبه نلعن الناس! وكم من كلمات نطق بها اللسان فحطمت الآخرين وتسببت في شعورهم بالألم أكثر من أي مصدر آخر لأذيتهم. ولا شك أن اتهامًا باطلاً يلقي به إنسان عن جهل أو قصد في وجه الآخرين قد يجرح النفس بعمق أبعد مما يحدثه نصل سكين حاد يغمد في الجسد فيمزقه! لأجل ذلك جاءت الوصية منذ القديم بالتحذير: «لا تشهد على قريبك شهادة زور» (خروج ٢٠ : ١٦).  أكتب هذه الكلمات وأنا أعجب مما ينسبه البعض إلينا كأقباط زورًا بأننا ندعم عمليات العنف والتخريب التي سادت البلاد مؤخرًا، منكرين صدق وطنية كنيستنا ومحبتها التاريخية لمصر بمسلميها ومسيحييها.. فهل نسي شركاء الوطن أن لقب «قبطي» يعود إلى ما كان يُسمى به أهل مصر قبل دخول الإسلام إليها؟

 على أية حال هذا "كوم"، وما صرح به أحد دعاة الدين في حوار تليفزيوني منذ بضعة أيام عمَنْ أطلق عليهن «صليبيات» "كوم" آخر! فقد جاءنا «حارق الإنجيل» بنبأ عن بناتنا اللاتي تعرضن للتحرش الجنسي في التحرير، مؤكدًا أن أغلبهن مسيحيات، وأنهن خرجن إلى الميدان سعيًا وراء التحرش بهن!! ومع أن الرجل لم يتوقف لسانه في أي مناسبة عن التعبير عما يفيض به قلبه من كراهية، لا يعللها أي دين، لكل ما هو مسيحي.. فلست بصدد أن أستنفذ هذه المساحة الثمينة من جريدتي الغراء في الرد على ما قال مؤخرًا؛ فقد سمع على الملأ ما يكفيه، وراح يلهو بمراكب صنعها من الورق، ثم توارى عن المشهد بأسلوب غير لائق عندما لم يستطع أن يحتمل سماع الحق الذي واجهه به بثبات وأدب أحد أبناء هذا الوطن الشرفاء.. ولعلنا نتفق جميعًا مع «أحمد دومه» أن اللاتي خرجن ليشاركن الذين يجاهدون لاسترداد ثورة سُرقت منهم هن من أشرف بنات مصر، مسيحيات أو مسلمات هن موضع فخر لكل مصري أصيل بغض النظر عن ديانته.

لم أشعر بالغضب أثناء متابعتي للحوار الذي أداره الإعلامي القدير «وائل الأبراشي».. على العكس، فأنا أرى مثل هذه الحوارات تكشف لنا كمصريين ما كنا نجهله عما يدور بداخل عقول وقلوب من كنا نتوقع منهم أن يؤكدوا الحب وينشروا بالحسنى السلام بين الناس؛ فمن فضلة القلب يتكلم اللسان. لكن هذا الحديث دفعني لأفكر كيف يمكن أن نعد أنفسنا، وندرب أبناءنا على التعامل مع ما قد يحيط بنا كأقباط من افتراءات في الأيام المقبلة، إذا استمر الحال كما هو عليه الآن.. سواء نالت هذه الاتهامات من سلوكنا الذي لا يقبله البعض، أو طعنت في مبادىء إيماننا المسيحي.
بداية، يحتاج أولادنا لإدراك أن محتوى ما يسمعونه من هجوم وتشكيك ليس مهمًا بقدر أهمية الكيفية التي يتجاوبون بها مع مَنْ يقولونه. نحن لا نستطيع التحكم فيما ينطق به المقاومون، لكن يمكننا أن نتعلم كيف نضبط أنفسنا ليكون أسلوب ردنا متفقًا مع الروح التي يريد مسيحنا أن نحيا بها وسط مَنْ نعيش بينهم. هذا ما أعتقد بقوة أن الله يريدنا أن نهتم كآباء وأمهات بتطويره في أبنائنا، حتى يستطيعوا التعامل بحكمة في حياة يومية لابد أن يواجهوا خلالها مضايقات، أو عندما يحاطون بأسئلة وأفكار تطعن في إيمانهم. والنماذج الكتابية التي يمكن أن نُعلم منها أبناءنا كيف يتمسكون بإيمانهم بالله، بطريقة الله، عندما يواجهون ما يسخر من إيمانهم ويتهمهم بأكاذيب، ليست قليلة. فكم يحلو لي الحديث مع ابنيّ عن يوسف الذي كان مثالاً للنزاهة والاستقامة، لكن في لحظة لم يكن يتوقعها اتُهم باطلاً بالتحرش الجنسي، وانتهى به الحال في السجن قبل أن ينصفه الله ويرفعه ليكون الرجل الثاني في مصر! ولا أنسى الاتهامات المهينة التي كالها العبرانيون لموسى الذي أنقذهم من العبودية في مصر، مدعين عليه بأنه أخرجهم ليموتوا من الجوع والعطش في البرية، وهو الذي قَبِل عند العليقة المشتعلة تكليف الله له بمهمة من أصعب المهام التي قام بها رجال الكتاب المقدس على الإطلاق! وماذا عن داود الذي بعد أن خاطر بحياته من أجل أن ينقذ شعبه من تهديدات المفتري «جليات»، فما كان من المللك شاول، الذي أعوزه الشعور بالاطمئنان الداخلي وملأته الغيرة، إلا أن يطارده لأكثر من اثنتي عشرة سنة، وهو الذي لم يكن يستحق هذه "البهدلة"! أما الرسولان بطرس ويوحنا فقد اتهما زورًا بأنهما يبشران بديانة باطلة، وبغير عدل ضربهما المقاومون بكل قسوة.. وتعوزني مساحة الأسطر المتاحة لي لكي أشارك بأفكاري عما عاناه الرسول بولس منذ بداية إيمانه بالمسيح من اتهامات بأنه يُحدث قلاقل، أو أنه مختل عقليًا، بسبب ما كان يقدمه من تعاليم عظيمة! وفوق الكل هل ننسى كيف عانى الرب يسوع نفسه قساوة الاتهامات الباطلة، والشهادات الزور التي واجهها أثناء أيام حياته وخدمته على الأرض، بالرغم من تعاليمه ومعجزاته المغيرة للحياة! فكم من مرة اتُهم بأنه سكير لمجرد أنه كان يجالس الخطاة والعشارين الذين جاء لينقذهم من الموت الأبدي.. لقد اتهمه الفريسيون بأن به روح شرير، وأنه أداة يحركها بعلزبول.. وفي النهاية حُكم عليه بالصلب ظلمًا، بتهم كاذبة!

 عندما نفكر كيف تعامل الرب يسوع مع مَنْ اتهموه زورًا، وكيف واجهت هذه الشخصيات الكتابية العظيمة مواقف نواجهها نحن اليوم بصورة أو أخرى، يمكننا أن نلخص حكمتهم في التعامل مع المقاومين في أربعة أساليب نحتاج أن نناقش أبناءنا في كيفية تطبيقها عمليًا في حياتهم:

  • احتفظ بهدوئك: علم أبناءك أن يستمعوا جيدًا لما يقال لهم في ضوء إدراكهم لشخصية وخلفية الذي يتحدث إليهم. عندما يُجرب الواحد منا برد فعل انفعالي سريع، دفاعًا عما يؤمن به، سينطق بما سيندم عليه فيما بعد. الاستيعاب الهادىء للهجوم اللفظي من الآخر يُتيح الفرصة للرد الحكيم، وإن لم يكن في الحال، إلا أنه يعطي فرصة للابن أوالابنة أن يعد نفسه للتجاوب فيما بعد، لأنه يترك الباب مفتوحًا لاستمرار الحوار.
  • تكلم بالحق فقط: علم  أبناءك ألا يستخدموا في مواجهة الاتهامات الباطلة سوى الحقائق والمعلومات التي يعرفونها جيدًا، ويستطيعون تعليلها. الرد بسخرية من معتقدات الآخر لا يفيد بشيء بل يزيد العداوة، ويحول التجاوب من إعلان إيمان إلى رد فعل انتقامي.. عندما نخبر الآخرين عن الحق الذي نؤمن به نحتاج أن نفعل هذا بحب، وبدون مبالغة أوتردد.
  • اجتهد لتتعلم: المعرفة قوة، وما أصدق قول الكتاب المقدس: «هللك شعبي من عدم المعرفة» (هوشع ٤ : ٦). ما لم يكن لدى أبنائنا المقدرة على التفكير فيما يؤمنون به لن يستطيعوا التحلي بالصبر والتوازن، والتأثير بصدق في أصدقائهم عندما يتحاورون عن إيمانهم. المعرفة تزيد من ثقتنا في الرب بينما نشارك بالحق.. الحق الذي نفهمه هو الذي يكسب الحوار في النهاية، وبه نعلن عن حب الله للآخرين.
  • كن رجلاً في الإيمان: الدعوة لأن نشجع أبناءنا لكي يتقووا في الإيمان غير قاصرة على الصبيان، فهي للصبايا أيضًا. والمقصود هنا أن ندعم الأبناء من خلال الحوار اليومي معهم عما سمعوه من أفكار مقاومة.. فبالحوار الأبوي المتواصل معهم لن نسمح للاتهامات الباطلة أن تحبطهم؛ لأن التعامل معها أولاً بأول سيحد من تأثيرها، ولن يسمح لها بأن تعيق تقدمهم في الدراسة أو العمل، كما ستنمي علاقتهم مع أصدقائهم وزملائهم، حتى وإن اختلفوا في الفكر.. بينما ندرب أولادنا على أساليب التجاوب، لا أشك أنهم في حاجة أن نأتي بهم كل يوم أمام عرش نعمته، مصلين من أجلهم بلا كلل أو ملل حتى يختبروا يد الله تعمل فيهم ومعهم لتسندهم في كل ما يواجهونه من ظروف.. وعندما نلتقى في المرة القادمة  سنكمل حديثنا.

    (نُشر بجريدة وطني بتاريخ ١٧ فبراير/ شباط ٢٠١٣) 

Copyright © 2013 Focus on the Family Middle East. All rights reserved