بقلم: سامي يعقوب

أحداث الخصوص أحزنتنا جميعًا بلا استثناء، وعدوان الكراهية على الكاتدرائية جرح مشاعرنا كأقباط، وأثار استياء كل مصري وطني أصيل.. بأي ذنب يُقتل أبناؤنا الأبرياء؟ ولماذا يُستباح دمنا ومقدساتنا بمثل هذه الهمجية غير المبررة من الذين أوصاهم دينهم بالأقباط خيرًا؟!

أشعر أحيانًا بأن العقل البشري يعجز عن إجابة مثل هذه الأسئلة، لكني أحاول جاهدًا ألا أتركها تطحنني بقسوتها. وعجزي المؤقت هذا لا يعني أنه لا يوجد إجابة مقنعة لها.. فلابد أن يعود الله ويشفي بلادي مما صنعته بنا فوضى الأيام، ويضمد جراحات أصابتنا بسبب كراهية التعصب الأعمى. كيف لهذا أن يحدث؟ ومتى يمكن أن يتحقق؟ سؤالان ترددا في حوار من نوع خاص جمعني مع أسرتي، وقد اتفقنا ألا نعتمد على قدرتنا البشرية لتحليل الأحداث، خاصة والمشاعر مجروحة، والأعين تملأها الدموع .

"إن كان العالم يُبغضكم فتذكروا أنه أبغضني قبلكم... ليس خادم أفضل من سيده... إن كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم أنتم أيضًا... اعلموا أنهم يفعلون هذا بكم لا لشيء سوى أن اسمي قد دُعي عليكم!" (قراءة شخصية من إنجيل يوحنا ١٥: ١٨ـ ٢١). لقد حفظت منذ سنين النص الأصلي لهذه الكلمات التي قالها السيد المسيح لتلاميذه، مخاطبًا بها أيضًا أتباعه عبر العصور. لكني وجدت فيها من جديد تشجيعًا بينما كنت أتابع أخبار الأيام الماضية: "الانتماء للمسيح وضيق الاضطهاد لا يمكن فصلهما في حياة جهادنا مادمنا نتمسك بمسيحيتنا!" وحقيقة أننا كمؤمنين بالمسيح لابد أن نعاني ضيقًا في هذا العالم قد تبدو متناقضة مع ما نعرفه عن محبة الله غير المحدودة لنا، وثقتنا بأنه المتحكم في كل ما يحدث في السماء وعلى الأرض.. لكن هذا التناقض الظاهري المحير ناتج عن محدودية الإنسان أن يدرك حكمة الله في اختيار الضيق ليحقق به مقاصده في حياتنا.. من أجل ذلك كتب الرسول يعقوب: «افرحوا كل الفرح يا إخوتي حينما تجتازون ضيقًا من أي نوع، أو تعانون اضطهادًا بأي أسلوب، واعلموا أن الضيق هو لامتحان إيمانكم، وأن الاضطهاد سيُولد فيكم صبرًا يحفزكم على الثبات، حتى تصيروا كاملين غير ناقصين في شىء.. وعندما لا تفهمون ما يحدث معكم اطلبوا من الله بغير ارتياب فيُعطيكم بسخاء حكمة توحد أفكار قلوبكم، لتثبتوا في مواجهة مواقف الحياة!» (قراءة شخصية لما ورد في رسالة يعقوب ١ : ٢ ـ ٧). أما تأثير الاضطهاد على الكنيسة فيحكي عنه الرسول بولس لمؤمني كنيسة فيلبي بما يُثير الدهشة.. فما يهدف إليه ضيق المقاومين يأتي عادة بعكس ما يتوقعون! فيقول: «أريد أن تعلموا أيها الإخوة أن أموري (يقصد سجنه ظلمًا) قد آلت أكثر إلى تقدم الكرازة بالإنجيل!» ثم يُكمل حديثه مؤكدًا أن الضيق الذي يجتازه بسبب إيمانه قد أعطى دفعة ثقة للإخوة فنادوا بإيمانهم بالمسيح بأكثر جرأة، وبلا خوف من المقاومين!

بالمناسبة، الرسول بولس له حكاية أجد متعة أن ألتقي بكاتبها على سطور الأصحاح التاسع من سفر أعمال الرسل، فأستمع إلى القديس لوقا الطبيب يحكيها من جديد بأسلوبه المؤثر: «لم يهدأ للحظة غضب شاول الطرسوسي، اليهودي الغيور على ديانته، من أتباع الدين الجديد.. وقد ظن أنه يخدم الله إذا استطاع أن يُهلكهم أو يشتتهم بالهجرة إلى خارج البلاد. كان شاول يكره أهل الطريق الذين دُعوا مسيحيين، على اسم مخلصهم، لأول مرة في أنطاكية! ولم يترك أي فرصة استطاع فيه أن يفتري كذبًا عليهم، فيؤذيهم معنويًا سواء بالتكفير أو بالتهديد.. وإذ امتلأ قلبه بحقد التطرف الديني، أصبح هدف حياته أن يتحرش بهم في الشوارع، ويهاجم مع بلطجية من رفاقه بيوتهم وأماكن عبادتهم؛ فيقتل الكبار، ويروع الصغار، ويخطف القاصرات! أخيرًا تفتق ذهنه عن خطة شريرة ذهب بها إلى السلطات ليسمحوا له بالذهاب إلى دمشق ليعتقل الأبرياء الذين يؤمنون بيسوع، ويُحضرهم إلى أورشليم لينكلوا بهم.. وتواطأ الحكام معه بلا خجل لينفذ ما خطط له! لم يكن شاول وجماعته يعرفون أن الذي يقاومونه سيقابلهم في الطريق؛ فبالقرب من دمشق ناداه صوت: "شاول، شاول.. لماذا تضطهدني؟" ومن هول المفاجأة سقط شاول على الأرض، وقد أعماه النور الذي أبرق من حوله، وسأل محدثه وهو مرتعب: "من أنت يا سيد؟" فجاءته الإجابة الصادمة: "أنا يسوع الذي أنت تضطهده!" ساد الصمت قليلاً، ثم سُمع صوت الرب مرة أخرى: "صعب عليك يا شاول أن تقاومني!" وفي الحال صرخ شاول بكل ما تبقى فيه من قوة: "يا رب.. ماذا تريد مني أن أفعل؟" ولعل بقية القصة معروفة لنا .

 

سرحت بفكري فيما حدث مع شاول، ووجدت نفسي أردد: "إن الاعتداء على الكنيسة وقتل المسيحيين لم يكن اعتداءً على شخص الرئيس مرسي كما قال، بل في حقيقته هو اعتداء على شخص المسيح!" كانت هذه محاولة لقراءة أحداث الأسبوع الماضي من بين سطور كلمة الله. وبينما كنت غارقًا في أفكاري "ثبتني" ابني باسل بالسؤال: "ما الذي كان يطلبه يوسف الصديق من الله في صلاته وهو في قاع البئر، ينظر لأعلى فيرى الكراهية والحقد في وجوه إخوته الذين أرادوا أن يتخلصوا منه؟" وقبل أن أفكر في الإجابة أطلق في وجهي سؤاله الثاني: "لو كانت صلاة البئر قد استجيبت في الوقت وبالشكل الذي ترجاه يوسف آنذاك، كيف كان لخطة خلاص العالم أن تسير في الطريق الذي سبق الله وأعده لها؟" هل من يساعدني لأجيب على ابني الفيلسوف؟ شكرًا مقدمًا!

 


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ١٤ ابريل/ نيسان ٢٠١٣) 

Copyright © 2013 Focus on the Family Middle East. All rights reserved  .