بقلم: سامي يعقوب

أخبار العنف والإرهاب سواء على المستوى المحلي أو الدولي ليست من تلك التي يمكن أن نتابعها على سبيل معرفة ما يجري من أحداث، ثم ننشغل عنها بمسؤولياتنا، أو نذهب لننام في سلام بعد سماعها بدون أن نشعر أنها تهدد حياتنا ومستقبل أبنائنا وبلادنا. فلا يستطيع أحد أن ينكر تأثير حادث اختطاف جنودنا السبعة في سيناء علينا.. فقد زاد من شعورنا بفقدان الطمأنينة بعد أن فرضت الفوضى نفسها؛ وأصبح تهديد حياة الأبرياء، والخروج عن الشرعية من الأمور التي يمارسها المتشددون باسم الدين، دون أن يجدوا مَنْ يردعهم. ويبدو أنه لم يعد مُستهجنًا أن يخرج البعض ليعبّروا عما يطلبونه أو يعانون منه بالبلطجة؛ ظنًا منهم أن هذا ما يجعل صوتهم مسموعًا، وطلباتهم مجابة!

ولعل الإرهاب الأشد قسوة الذى أصبحنا نعاني منه كمصريين في مجملنا، وكأقباط بشكل متعمد في الكثير من المواقف، هو إرهاب الفكر الذي يهدد ويضغط بكل السبل لفرض توجه عقيدي أو سياسي معين على المجتمع دون تمييز لعقائدنا أو أسلوب معيشتنا وقيمنا التي تربينا عليها كمصريين.. وهذا يُحطم المعنويات، خاصة إذا اقترن بخطف قاصر أو فتاة مغرر بها، أو حرق بيوت وممتلكات الجيران، أوالاعتداء على المقدسات. أما الجديد في عالم الإرهاب الفكري المعاصر ببلادنا فهو التهديد بتهمة "ازدراء الأديان"! وما أدراك عن الوقوع في براثن الادعاء عليك ظلمًا بهذه التهمة، مثلما حدث مؤخرًا مع معلمة الأقصرالقبطية!

 

لم نستطع كأسرة خلال الأسبوع الماضي أن نتوقف عن التفكير والصلاة من أجل إطلاق سراح الجنود المختطفين من أبناء مصر.. وأعترف أن لهفتي أن أسمع خبر إطلاق سراحهم أيقظتني من نومي مرات للسعي وراء سماع خبر مفرح عن سلامتهم! لقد توحدت مشاعرنا بتلقائية مع أسرهم؛ فبكينا مع دموعهم، وملأتنا البهجة من فيض فرحهم عند رجوع أبنائهم.. لم نشعر للحظة أن سلامة ابنينا أغلى بأي حال من سلامة السبعة شباب في قلوب والديهم. المفاجأة أن التوحد مع أزمة الوطن، بالرغم من شر الحدث، جدّد في داخلنا عزمًا كدنا أن نفقده بسبب ما أصابنا كأقباط في الفترة الماضية؛ فاتفقنا كأسرة أن يكون شعار الأيام القادمة من العمر: ”حتى ولو هاجر أبو الهول من مصر، فنحن باقون هنا إلى آخر يوم في حياتنا!“  بحسب ما صرح به أحد الآباء الأجلاء مؤخرًا.

 

كنت قد تابعت عن قرب ردود الأفعال التي صاحبت التفجير الإرهابي عند خط نهاية «ماراثون بوسطن» الشهير منذ عدة أسابيع.. ولعل أكثر ما اخترق قلبي هو الكلمات المؤثرة التي تحدث بها والدا الطفل «مارتن ريتشارد» ذي الثمانية أعوام، وأصغر الضحايا الثلاث لتلك الجريمة الدموية. كان «مارتن» يقف في انتظار أن يرى والده المشترك في السباق يعبر خط النهاية، عندما انفجرت قنابل الكراهية لتمزق جسده الصغير.. والغريب أن الصورة التي وضعت مع كل ما كُتب عن هذا الطفل البريء على صفحات الإنترنت هي له وهو يحمل لافتة كتب عليها بخط طفولي بين قلبين رسمهما بنفسه: «لا لمزيد من الإيذاء! السلام!» وما قاله الأبوان الملكومان، بنوع من الإيمان المنسحق من وطأة فقدانه بغير سابق إنذار، وهما يودعانه للمرة الأخيرة وسط المئات الذين تجمعوا من حولهم في كنيستهم: "ابننا الآن يتمتع بالسلام الذي كان يدعو إليه.. الكراهية قتلت، لكن الحب لا يموت. فالحب أقوى من الموت، ولا تستطيع الكراهية أن تغمره! فلنتحد معًا في الصلاة ليقهر الحب الإرهاب!" وقد كانت شهادتهما هذه ترديدًا لصدى كلمات الروح القدس على فم الحكيم سليمان: «الحب لا تطفئه المياه الغزيرة، ولا تغمره الأنهار.. لو أعطى الإنسان ثروة بيته ثمنًا للحب لناله الاحتقار.» (نشيد الأنشاد ٨: ٧ـ الترجمة العربية المشتركة).

هل اهتز شعورك بالأمان بسبب الخوف، أو في مواجهة التخويف؟ نحن لسنا بحاجة أن نواجه العنف بالعنف، فقد علّمنا إلهنا أن من يأخذ بالسيف بالسيف يهلك (متى ٢٦: ٥٢).. إذن بأي سيف يمكن أن نقاوم كمسيحيين خطر إرهاب اليوم في أشكاله المتعددة؟ ليس هناك سلاح يؤكد الطمأنينة لنا، ويحيطنا بالأمان الإلهي، أقوى من سلاح الصلاة.. لقد تعلمت منذ سنين من كتاب قرأته كيف أننا لابد أن نصلي «لأجل» وأن نصلي أيضًا «ضد»! وبهذه الطريقة تتخطى صلاتنا حدود طلبنا لسلامتنا الشحصية، وحماية أبنائنا في خروجهم ودخولهم.. نصلي من أجل كل ضحية للإرهاب، ومن أجل كل مخطوف ممن نعرفهم، أو الذين فقط نسمع عنهم؛ وفي نفس الوقت نصلي ضد كل خطة يحيكها الأشرار ليفضحها الله، ويفشّلها كما فعل مع مشورة أخيتوفل. نصلي من أجل كل القوى والسلطات المحلية والعالمية التي تعمل في مقاومة كل ما يخلق الخوف ويهدد بالإرهاب حياة الأبرياء؛ ونصلي ضد شر الخطف، والتهجير القسري، والتطهير العرقي أينما وجد في أنحاء المسكونة.

 

ليصلِّ كل واحد منا في مخدعه، لنصلِّ معًا كأسرة في بيوتنا، وكجسد واحد في كنيسة المسيح.. لنتمسك بمواعيد الله بينما نصرخ إليه من أجل بلادنا، ومن أجل شعبه في سوريا، والعراق، وباقي بلاد الشرق العربي الذين يعانون الاضطهاد والتهميش، والطرد من بيوتهم، واغتصاب بناتهم.. لنصلِّ بجرأة في السر والعلن، ولنتشجع بالكلمة المقدسة، ولنتمسك بالوعود الإلهية.. لنحاجج الرب بكلمات المزمور العاشر، ولنسأله عندما ندخل إلى محضره: «يارب، لماذا تقف بعيدًا؟ لماذا تتوارى في وقت الضيق؟ لماذا تترك الشرير يتباهى بشره، ويستهين بالرب، ويقول في قلبه لا أتزعزع ولا أصاب بالسوء؟ يا الله لا تنس المساكين، فعليك يُعول كل ضعيف... حطم ذراع الفاجر الشرير، وامح شره كأن لم يكن... اسمع آهات المساكين، وقوِّ قلوبهم.» يا رب.. أصغ بأذنك لصلاة شعبك.. آمين.

المسيح قام.. حقًا قام!


 (نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٢٦ مايو/ أيار ٢٠١٣) 

Copyright © 2013 Focus on the Family Middle East. All rights reserved .