بقلم: سامي يعقوب

مشغولون نحن بما يحدث في بلادنا.. قلقون أن تصيبنا أو أحد أبنائنا أحداث الإرهاب غير المتوقعة.. مهتمون نحن بالدروس الخصوصية، الامتحانات وأفضل الدرجات.. هذا كله طبيعي، وكل هذه الأمور والمخاوف تحتاج منا للاهتمام. لكن السؤال الأهم: تُرى هل نلاحظ موجة الإلحاد التي ترتفع الآن في أجواء بلادنا، وهل ندرك أن أبناءنا ليسوا بمنأى عن التأثر بها؟ أدعوكم مع بداية هذا العام أن نقف لحظات أمام هذا السؤال الخطير، لعل هذه الوقفة تكون بداية لموسم من التغيير في بيوتنا.. فتملأها بهجة حضورعمانوئيل"  في وسطها، وتفيض بالمحبة ودفء التواصل مع أبنائنا، بينما نتحاور معهم لنثبتهم في الإيمان، وندربهم على التفكير بتوازن ونضج فيما يتعلق بأحداث الوطن.  

بدون حاجة لنقاش أو براهين، كل واحد منا هو نتاج تربية بيته.. وقد لا يدرك أبناؤنا اليوم أن الأسس الإيمانية والقيم التربوية التي نضعها في حياتهم منذ الصغر هي ما تحدد شكل شخصياتهم وحياتهم عندما يكبرون، تمامًا كما حدث معنا. الفارق بين ما عايشناه نحن وما يواجهونه من تحديات اليوم هو ضراوة الهجوم الشيطاني غير المسبوق على الأسرة.. فالشيطان يحاول منذ البدء أن يحطم ويدمر بقدر ما يستطيع ما قصده الله من منظومة الزواج لبناء المجتمع من خلال تنشئة أبناء صالحين، ونقل ميراث الإيمان عبر الأجيال.. هل ننسى ما فعله مع آدم وحواء، الأسرة الأولى، في جنة عدن، وكيف بعد ذلك خدع قايين فقام وقتل أخاه. في مقاومته لله لم يغير الشيطان استراتيجيته حتي اليوم، فساحة معركته الأولى مع الله هي الأسرة.. وأخطر ما يستخدمه الشرير ليشوه الشكل الذي أراده الله لها هو محاولاته المستميتة لدخول ”فكر ونظام العالم“ إلى عقولنا وسيطرته على قلوبنا، كبارًا كنا أم صغارًا. 

نفهم من كلمة الله أن معركتنا مع أجناد الشر الروحية هي معركة فكر. يقول الروح القدس على فم بولس الرسول: ”فإن مصارعتنا ليست مع دم و لحم، بل مع الرؤساء، مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحية في السماويات.  (أفسس ٦ : ١٢).

مع طغيان ما تلقي به الميديا من فلسفة العالم الحاضر (ظلمة هذا الدهر) في عقول الناس، أصبح من السهل أن يُخدع الجيل الأصغر بما يسمى بفكر "ما بعد عصر الحداثة".. فيظنون أنهم مركز الكون، وأن كل القيم والإيمانيات التي تقوم على الحق الكتابي، أو التي يؤمن بها الكبار، هي جميعًا نسبية. لقد بدأنا نسمع أبناءنا يقولون: ”الحياة بدون الله أكثر منطقية“، أو ”الدين والعبادة وهم، لأنهما فشلا في الإجابة على التساؤلات المصاحبة لما يحدث في عالم اليوم “. ولعلنا نلاحظ أن مثل هذا التوجه الفكري قد بدأ في الانتشار بعد”تسونامي“ ثورة ٢٥ يناير، والتي زال تدريجيًا معها الشعور بالاحترام للسلطة، والتقدير للأكبر، ليس في الشارع فقط، بل في البيوت والكنائس أيضًا!

لقد انشغلنا بالتغيير الثوري لفترة، ثم كيفية الخلاص من حكم الإرهابيين؛ فلم نلتفت للمواقف الفكرية والقناعات التي بدأ الأبناء يتبنونها.. فتحول إحساسهم بزهو نجاحهم في خلع وعزل من كانوا على الكراسي إلى حالة من رفض حكمة الكبار بمنطق أو بدون منطق، مع العجز عن تقديم البديل لما يرفضونه.. وكأن الكبار لم يبيتوا معهم في ميدان التحرير، أو لم يملأوا الشوارع والميادين في ٣٠ يونيو!  

لا أستطيع أن أفصل بين روح التمرد التي تحرك شبابنا، والتي بدت واضحة في عزوف الكثيرين منهم عن الخروج في الاستفتاء على الدستور، وبين تسلل الفكر الإلحادي إلى حياتهم. ولعل المكان الأمثل للتعامل مع هذا الخطر الفكري والتوجه السلوكي قبل أن يستفحلا، هو داخل البيت وليس خارجه. أبناؤنا اليوم في أشد الحاجة أكثر من أي وقت مضى للحوار الهادىء، وتبادل الفكر ووجهات النظر؛ حتى ندربهم على التفكير بموضوعية، وننمي فيهم فضيلة الصبر؛ ليعرفوا حقيقة أن التغيير الذي يحلمون به على مستوى الوطن والكنيسة لا يمكن أن يتحقق بين صباح ومساء، أو بالانسياق وراء ”موضة الرفض من أجل الرفض“. 

إن سطحية الارتباط بكلمة الله الحية هي التي تصنع الفجوة الفاصلة بين أبنائنا وفهمهم لعلاقة الحق الكتابي بتحديات حياتنا اليومية! المنطق قد يُقنع أو يجيب على التساؤلات، لكنه لا يغير الدوافع والقلوب.. ولا يحصن ضد دوامات الإلحاد، أو ينزع روح التمرد. الذي يبني الفكر، ويقوي العزيمة، فيثبت الأبناء في الإيمان هو سكنى كلمة الله بغنى في بيوتنا. الفعل ”يبني“ يأخذني إلى أحد أحب المزامير إلى قلبي، والتي لها مكانة خاصة في غرفة معيشتنا حيث اعتدنا أن نجتمع حول الكلمة المقدسة كل يوم: "إن لم يبن الرب البيت، فباطلاً يتعب البناؤون. إن لم يحفظ الرب المدينة، فباطلاً يسهر الحارس." (مزمور ١٢٧: ١)..

الأصل العبري للفعل   "يبني" (Banah) يُشتق منه ثلاث كلمات: "Ben" وتترجم" ابن"، "Beth" وتترجم "ابنة "، "Beith" وتترجم  "بيت ".. 

  • ما لم يبنِ الرب البيت.. فتعبنا لنوفر أفضل معيشة لأبنائنا باطل. 
  • ما لم يبنِ الرب البيت.. فالتربية خبرة متعبة، ومحزنة أحيانًا، ومحبطة كثيرًا. 
  • ما لم يبنِ الرب البيت.. فكل المقاصد والخطط الرائعة للمستقبل باطلة.

لا سبيل أن يبني الرب "الكلمة المتجسد" بيتنا، ويحمي فكر أبنائنا فيكبرون في معرفته، ويثبتون في محبة كنيسته إلا من خلال علاقتنا اليومية كأسرة مع "الكلمة المكتوبة".. الكتاب المقدس الذي أعطاه لنا لنتقابل معه على سطوره، وإن كنا لا نراه وجهًا لوجه. فهل نقبل تحدي أن نعطي الأولوية المطلقة وسط مشاغلنا اليومية للالتفاف حول كلمة الله لتبنينا، وتثبت أبناءنا في الإيمان؟


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ 19 يناير/كانون الثاني 2014)

Copyright © 2014 Focus on the Family Middle East. All rights reserved.