بقلم: سامي يعقوب

هل تريد أن تحيا مصر بدونك؟ إذن لا تنزل اليوم أو غدًا لتُدلي بصوتك في الانتخابات الرئاسية! 

لا يخفى على أحد أن ما سيترتب على نتيجة هذه الانتخابات -أيًا كان- لا يمكن أن يقارن بكابوس ما أتت به علينا الانتخابات السابقة من بلاء! فمَنْ يستطيع أن يصدق كيف تطورت الأحداث منذ شهر يوليو الماضي وحتى الآن، والذي أتاح لنا كمصريين فرصة أن نشارك من جديد في صنع مستقبل أفضل لبلادنا! إنها المعجزة التي جاءتنا في الهزيع الرابع؛ بعد أن كنا قد فقدنا الأمل.. فهل بعد الخلاص نعود إلى طين حمأة سلبية الماضي، ونكتفي بالجلوس على "الكنبة" لنراقب ما يحدث دون أن نشارك؟! لقد عصر بعضنا على أنفسهم ليمونة في انتخابات الإعادة السابقة، وصوتوا لمرسي بدافع رفض منافسه، في عجز عن قراءة ما قد يأتي به اختيارهم هذا من كارثة. وقد حدثت الكارثة بالفعل، والحمد لله أنها حدثت.. «ليكن اسم الله مباركًا من الأزل وإلى الأبد؛ لأن له الحكمة والجبروت، وهو يُغير الأوقات والأزمنة. يعزل مُلوكًا وينصِّب مُلوكًا. يُعطي الحكماء حكمة، ويهب العارفين فهمًا.. هو يكشف الأعماق والخفايا، ويعرف ما هو في الظلمة، وعنده يُضيء النور» ( دانيال ٢: ٢٠ - ٢٢).
ترى هل هناك جدوى من الذهاب إلى صناديق الانتخاب؛ وقد بدا أن النتيجة محسومة قبل أن تبدأ؟ هل صوت واحد يمكن أن يصنع فرقًا في حياة شعب؟ لم تخل أي من أحاديثي مع الشباب في الفترة الماضية من هذين السؤالين. وبينما استمر النقاش حول ضرورة المشاركة وخطورة الامتناع، لمن نعطي صوتنا وما هي مقاييس الاختيار، أدركت مجددًا خطورة إهمال التعامل مع الفجوة بين أسلوب تفكير جيل الأبناء وجيل الآباء.. فهم يرون أن الحراك الثوري لابد أن يستمر، ونحن بخبرة السنين نرى أن الثورة نقطة انطلاق لمستقبل أفضل ولا يمكن أن تكون أسلوب حياة.. نحن نرى الاحتياج العاجل إلى الاستقرار الذي يأخذنا إلى الأمام، أما هم فيركزون فقط على شكل التغيير الذي يحلمون به.. وعندما يشعرون باليأس يرفضون بغير مبرر المعطيات الحالية التي تبشر بالخير. ومع عدم مقدرتهم على اقتراح البديل الذي يحقق لهم ما يطمحون إليه؛ أصبح الاعتراض على كل شيء، والتشكيك في مصداقية كل ما يدعم كينونة واستمرار الدولة هو ما يغلب على تفكيرهم.. فماذا يمكننا أن نفعل نحن الوالدين؟

الأمر أخطر بكثير من مجرد صراع فكري بين الأجيال.. إنه التحدي الذي لابد أن نواجهه كآباء لنوسع مدارك أبنائنا حتى يستطيعوا أن يروا الأمور بنظرة أشمل، ويطوروا مقدرتهم على تقييم الواقع بموضوعية لا بطريقة "من ليس معنا فهو علينا".. فلا يقعوا في فخ اتخاذ قرار المشاركة أو الامتناع بمعزل عن المُعطيات التي أثبتت تجربة الانتخابات الرئاسية السابقة آثارها المدمرة. لعل ما قاله ألبرت آينشتين يعبر عما نريدهم أن يلتفتوا إليه: «نحن لا نستطيع أن نحل المشاكل باستخدام نفس طريقة التفكير التي اتبعناها عندما أوجدناها!»

 إننا في أشد الاحتياج لأن نخلق فرصًا للحوار مع أبنائنا؛ لنستمع إلى ما يفكرون فيه، ولنتحاور معهم بلا خوف حول كل ما لديهم من أسئلة. وليس هناك مكان أفضل من البيت لمثل هذه الحوارات البناءة! فقط علينا أن نستوعب حماسهم بطول أناة، ولنثق أن مشاعرهم التواقة للتغيير، حتى وإن اختلفنا معهم في أسلوب وتوقيت تحقيقه، هي الوقود المتجدد الذي يضمن دفء وطنيتهم، ويؤكد فيهم وفينا هُوية كادت أن تضيع قبل أن نستردها كأقباط في ثورتي يناير ويونيو، اللتين لا يستطيع أحد أن ينكر تأثيرمشاركتنا بكل قوة فيهما.

قرارك بالمشاركة في انتخابات هذه المرة يعني تمسكك بممارسة امتياز مواطنتك.. الأمر أعمق جدًا من مجرد ورقة تضع عليها علامة أمام اسم مَنْ تختار، وُتلقي بها في الصندوق.. إنه تعبيرنا الصادق والعميق عن تقديرنا ووفائنا لكل الشهداء الذين ضحوا بحياتهم من أجل أن «تحيا مصر». تُرى هل إيجابية المشاركة في انتخابات اليوم لها علاقة بما قاله الرب يسوع في إنجيل متى ١٢ : ٣٦ و٣٧ أن كل كلمة نتكلم بها سنحاسب عليها يوم الدين؟ لنلاحظ أن كلامنا سيقرر براءتنا أو إدانتنا! الكلمة في هذه القرينة تعني القرار.. والقرار يعني أننا مسؤولون أمام إلهنا عن اختياراتنا. فماذا ستختار.. أن «تحيا مصر» بك أو بدونك؟!


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٢٥ مايو / آيار ٢٠١٤)

Copyright © 2014 Focus on the Family Middle East. All rights reserved