Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

بقلم: سامي يعقوب

للمزيد من هذه السلسلة:

أبناؤنا والزواج ١              أبناؤنا والزواج ٢             أبناؤنا والزواج ٣

أبناؤنا والزواج ٤              أبناؤنا والزواج ٥             أبناؤنا والزواج ٦

أبناؤنا والزواج ٧              أبناؤنا والزواج ٨             أبناؤنا والزواج ٩

أبناؤنا والزواج ١٠            أبناؤنا والزواج ١١

 


إن مسؤولية تربية الأبناء هي الأعظم من بين كل مسؤوليات الحياة، لكنها ليست الأسهل! وأنا من بين الذين يعتقدون أنها تبدأ منذ أن يكون الطفل في بطن أمه، وتأخذ شكلها العملي مع الرضعات الأولى، وتتطور عمليًا مع تقدم الطفل في العمر.

في هذه السلسلة من الأحاديث نركز على كيفية إعداد الأبناء لصنع أحد أخطر اختيارات حياتهم: اختيار شريك الحياة. ولعله ليس بمفاجأة أن هذا الإعداد لا بد أن يبدأ عند اللحظة التي عندها يستطيع ابنك أو ابنتك أن يختار بين شيئين أو أمرين، ولو بسيطين، دون أن يعتمد على ماما لكي تختار له، أو يختار شيئًا أو سلوكًا لمجرد أن ينال رضا الكبار من حوله، وليس من واقع التفكير في سبب اختياره.. هنا تبرز إحدى أهم الأدوار التربوية للأسرة: وهي تطوير مهارات الاختيار.

 

لكن تطوير مهارات الاختيار لدى الأبناء يعتمد كثيرًا على البيئة الأسرية التي نوفرها لهم.. فجدران البيوت هي معمل تشكيل الشخصية، وقاعدة الانطلاق للمستقبل. فإن ما يراه الابن والابنه في حياة بابا وماما هو الذي يُعطي المصداقية وقوة الدافع لما نجتهد أن نربيهم عليه، ونحاول أن نطوره في شخصياتهم.. على سبيل المثال، من أهم ما يؤثر على نظرة الأبناء للزواج هو قوة وعمق القناعة الشخصية للوالدين تجاه قدسية العلاقة الزوجية، والتي تعني التكريس الكامل لشريك الحياة للدرجة التي تجعل كلاً من الزوج والزوجة يجدان في بعضهما تفردًا لا يتوفر في أي شخص آخر، وتجعل علاقتهما الزوجية تدوم حتى يفرق الموت بينهما. وعندما يكبر الأبناء في إطار هذا الفكر سيدركون بشكل عملي أن الزواج يجعل الرجل والمرأة جسدًا واحدًا، ليس فقط في العلاقة الحميمة بينهما، بل في كل جوانب علاقتهما معًا.

 

تقليد اتفقنا عليه كأسرة، ومارسناه بثبات لسنين: ألا تتطرق أحاديثنا المرحة معًا -وهي كثيرة- إلى تقديسنا كأب وأم لديمومة زواجنا.. لدرجة أن إحدى صديقاتنا فوجئت بما سمعته عندما قالت لابننا ذات مرة -على سبيل المزاح: "بابا بيسافر كتير.. إوعى يكون متجوز واحدة تانية!" فقد جاء رده تلقائيا وحاسمًا: "طنط.. إحنا في البيت متفقين منهزرش في الأمر ده!" قد يرى البعض في هذا التقليد تزمتًا، لكن مع الوقت أدركنا في حواراتنا الأسرية عن الزواج أنه أضاف ثقلاً وبعدًا ناضجًا لنظرة ابنينا إلى الزواج.

 

والسؤال: إذا كانت علاقتنا الزوجية تشوبها من حين لآخر خلافات مثل التي تحدث بين أي زوجين.. تُرى هل لازلت أستطيع أن أتحاور مع أبنائي عن الزواج الناجح، ومقاييس اختيار شريك العمر؟

من الطبيعي أن كل زواج مستقر ومثمر لابد أن يُمتحن من حين لآخر، ربما باختلاف وجهات النظر بين الأبوين، أو بخلافات قد تكون أعمق وتحتاج لإرشاد ومساعدة من آخرين حتى توضع في حجمها الحقيقي. فلا يجب أن يعوقنا هذا من أن نعلِّم أولادنا عن قيم الزواج الأفضل.. فأن نختلف ونتفق، أن نغضب ثم يرانا أولادنا نهدأ ونعتذر، ونتصالح ونغفر، أن يراقب أبناؤنا كيف نقترب من بعضنا البعض مع السنين إلى درجة التوحد معًا.. كل هذا سيزيل الكثير من الغموض لديهم عن طبيعة تطور منحنى نمو العلاقة بين الزوجين، وسيجعل توقعاتهم الرومانسية للعلاقة بين حبيبين قريبة من الواقع العملي.

"الحديد بالحديد يحدد هكذا الإنسان وجه صاحبه".. أو هكذا تفعل العِشرة بين الناس. فلكي يُصقل الحديد ليؤدي الغرض الذي يُصنع من أجله يحتاج إلى ما هو في نفس صلابته أو أقوى لكي يشكله. وأثناء التشكيل ترتفع درجة الحرارة، بل وقد يخرج شرر؛ حتى يتطبع الواحد على الآخر. أن تُثير حب التحدي في الآخر لكي يكون أفضل هو جزء من طبيعة نمو العلاقة الزوجية.. فليس هناك قوة تشكِّل العلاقة بين اثنين فيصبحان وكأنهما واحد مثل إثارة الفكر، والتشجيع على استخدام المواهب، وإتاحة الفرصة لتبادل الآراء في جو من الثقة والأمان.

 

لا تجعل إحباطاتك الشخصية تمنعك من محاولة أن تبدأ من جديد في تحريك الأمور التي لم تتحدث عنها أبدًا مع شريك حياتك، أو في تغيير توجهك الشخصي نحوه؛ فبادر بإزالة غبار سوء الفهم أو التقدير لأي سبب كان؛ حتى تقدم لأبنائك نموذجًا متحولاً وجديدًا، وحتى لا تعاق حواراتك معهم عن زواجهم المستقبلي. وكما يتجاوب الحديد مع الحديد الذي يحاول أن يشكله أو يحدده.. هكذا سيتجاوب شريك العمر معك، ويتشكل فكر الأبناء عن الزواج في كل مرة يجمعكم حوار دافئ حول المستقبل.


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ١٢ يونيو/حزيران ٢٠١١)

Copyright © 2011 Focus on the Family Middle East. All rights reserved

 

 

 

 

 

 

 

 التربية المقدسة بالطول