Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

بقلم: سامي يعقوب

للمزيد من هذه السلسلة:

عندما يختار الأبناء ١           عندما يختار الأبناء ٢

عندما يختار الأبناء ٣           عندما يختار الأبناء ٤


لا يستطيع أي والدين الادعاء بأنهما استثناء عن كل البشر قد استطاعا أن يُربيا أبناءً كاملين.. صبيانًا وصبايا لا يخطئون، ولا يعانون مما يواجهه أقرانهم من مشاكل سلوك، وتحديات الاختيار التي تتنوع مع تقدمهم في العمر، وتتعارض أحيانًا مع ما نريده نحن لهم مقابل ما يريدونه هم لأنفسهم ولمستقبلهم.

لابد أن كلاً منا اختبر مرة أو مرات، في فترة ما من العلاقة مع أبنائه أنهم أساءوا فهمنا، ولم يُقدروا اهتمامنا ومحبتنا كما توقعنا منهم.. وفي لحظة انفعال خرجت منهم كلمة جرحت مشاعرنا بعمق.. أو اتهمونا بآخر ما كنا نتوقع أن نسمعه منهم نحن الذين ربيناهم في جو من الاحترام، والمحبة المتبادلة!

 

أعتقد أن البعض يختلط عليهم المعنى المقصود في (أمثال ٢٢: ٦): "ربِّ الولد (الطفل) في طريقه (من أول حياته)، فمتى شاخ (نضج) لا يحيد عنه." والنص هنا لا يذكر أن الأبناء لن يتمردوا على القيم التي ربيناهم عليها، بل يُوضح أنهم متى نضجوا لن يبتعدوا عنها! وعلينا ألا ننسى أننا كوالدين قد تمردنا في صغرنا على أشياء معينة، في بعض الأوقات.. وأن كل واحد منا نضج بطريقة تختلف في أسلوبها وسرعتها عن الآخرين. الكتاب المقدس ليس بالسذاجة التي تفترض أن البشر يتجاوبون كالإنسان الآلي بنفس نوع رد الفعل مع المؤثرات الخارجية، بل على العكس فإن كلمة الله تؤكد تفرد كل إنسان في طريقة تجاوبه بحسب الإرادة الحرة التي أعطاها الله لنا لنختار، ونتحمل مسؤولية ما نقرره لأنفسنا. لكن النص في أمثال ٢٢ يعطي أملاً في أن الابن أو الابنة الذي قد يبتعد عن الطريق الذي تربى عليه سيعود إليه في أغلب الحالات عاجلاً أو آجلاً.

 

عندما يصل الأبناء إلى مفترق طرق، ويحاولون أن يحسموا اختيارات لمستقبلهم، قد نُفاجأ برفضهم لمشورتنا، وتمردهم على ما ننصحهم به.. ونحن كثيرًا لا ندرك أن هذا الرفض لا يكون بالضرورة موجهًا إلينا بصفة شخصية، لكن تحركه ضغوط عاطفية، أو عهد قطعه الأبناء على أنفسهم في عُجالة منهم، أو بدون تفكير؛ فيصدر منهم رد فعل حاد وغير متوقع.. وبالرغم من أنهم في كثير من الحالات يكونون مقتنعين في أعماقهم بصحة رأي والديهم، إلا أن خوفهم من أن يبدوا في نظر الآخرين أنهم ليسوا على مستوى مسؤولية ما وعدوا به فإنهم يتمردون.. ولا شك أن رأي الآخرين فيهم يمثل أهمية كبرى لهم، وهذا يعلل مقاومتهم لتوجيهنا في عناد غير مبرر، والذي قد يأخذ شكلاً قبيحًا أحيانًا. ولأن الأبناء عادة لا يتوقعون رد فعل عنيفًا من والديهم، قد يجرؤون في حدة انفعالاتهم على التفوه بكلمات قاسية وجارحة لا يمكن أبدًا أن يستخدموها في حوارهم مع غرباء عنهم، حتى وإن اختلفوا معهم.

 

على أية حال، لا يوجد جُرح أعمق، ولا إهانة أشد إيلامًا من تلك التي تأتينا من أحبائنا.. فمواجهة هجوم وشكاية عدو الخير علينا شيء، والحجارة التي قد يرمينا بها أبناؤنا عندما نختلف معهم في الرأي شيء آخر.. إن جراح الأحباء أشد في قسوتها عشرات المرات من تلك التي نُصاب بها أثناء مسيرتنا اليومية في العالم الخارجي. فإذا كنت أبًا أو أمًا ممَنْ اختبروا، أو لازالوا يقاسون هذا النوع من الألم، فإنني أدعوك اليوم لتفتكر معي اختبار مَنْ اجتاز آلامًا لا تُحتمل، لكنه غفر لأحبائه الذين أصابوه في مقتل عندما رفضوه، وظل يُحبهم إلى المنتهى! لقد سمح الآب السماوي لابنه يسوع المسيح أن يتألم من أجل خلاصنا.. وكانت إحدى أقسى آلامه أن أحباءه الذين جاء إليهم تمردوا عليه، وخانوه، وأسلموه ليُصلب.. وقد تحققت بأفعالهم الشريرة هذه نبوة النبي زكريا عنه: "... ما هذه الجروح في يديك؟ ... هي التي جُرحت بها في بيت أحبائي!" (زكريا ١٣: ٦).

 

عندما تُسحب السجادة من تحت أرجلنا بدون مقدمات، فنصدم بإنكار الجميل، ونشعر بألم الرفض، وتحبطنا قساوة الاتهام فلنذكر أن الرب يسوع قد شرب من هذا الكأس نفسه. والآن هو وحده الذي يستطيع أن يقف بجوار كل أب وأم تحوّل أبناؤهم عنهم: "لقد كان ينبغي أن يُشبه إخوته في كل شيء لكي يكون رحيمًا... ... لأنه في ما هو قد تألم مُجرَّبًا يقدر أن يُعين المجربين" (عبرانيين ٢: ١٧ و١٨). هذا النص يحمل في معناه تشجيعًا وتعزية أبعد من مجرد أن المسيح يتأثر بمشاعر خيبة الأمل التي تحيط بنا أحيانًا؛ فيؤكد أنه هو الصديق المحب الذي يلازمنا في كل ظروف حياتنا كأخ قريب منا (أمثال ١٨: ٢).. إنه وحده الذي لا يخون أبدًا، الذي يحفظ وعده بألا يُهملنا أو يتركنا.. وهو يفعل هذا بنعمة بغض النظر عن أمانتنا نحن معه!

 

لست أستثني نفسي كأب من اختبار ألم رفض الأبناء لمشورة الآباء في إصرار وعناد.. فإن كنت تشعر بخيبة الأمل أن أحد أبنائك قد أدار ظهره لنصيحة حكيمة كنت تظن أنه سيفرح بها، ويقبلها لتدعمه وتحميه، فأنت لست وحدك! لكني كأب يُحب بعمق، لا يمكنني أن أستسلم بسهولة أو أفرط في مسؤوليتي.. فقد تعلمت بالصعب وبالسهل مع الأيام أن أتحول عن غضبي من أولادي عند تمردهم بالصلاة مع أمهما لأجلهما، عالمًا أن الغضب لا يصنع بر الله. ولم نجد كوالدين أروع من كلمات الصلاة الشفاعية للرب يسوع في إنجيل يوحنا أصحاح ١٧ والأعداد ١ إلى ١٩ لنرفعها بكلماتنا الشخصية إلى الآب السماوي متضرعين لأجل ابنينا:

 

"يارب.. نحن نعرف أن ولدينا هما عطية منك، وقد حاولنا أن نعرِّفهما منذ صغرهما أنهما ينتميان إليك أنت أولاً.. فمن فضلك ساعدهما أن يتذكرا الكلام الذي علَّمناه لهما، وذكرهما دائمًا أن كل ما أعطيتنا هو منك أنت وليس منا نحن. أيها الآب السماوي.. من فضلك ثبتهما في الحق الذي نؤمن به كأسرة، وفي الإيمان الذي أخذناه عن آبائنا: أن يسوع المسيح هو ابنك الذي قد أرسلته إلينا من عندك لكي يفدينا."

 

"يارب.. إننا ندرك أن كل ما هو لنا فهو لك، بما في ذلك ولدانا؛ فنطلب منك أن تحفظهما بقوة اسمك حتى يكون لنا فكر واحد معهما، ومعك أنت أيضًا.. حتى تتمجد في حياتهما الحاضرة والمستقبلة." "يارب.. لقد حاولنا أن نعلِّمهما طرقك، فاغفر لنا كل مرة فشلنا فيها، وساعدنا أن نقبل الغفران الذي لنا في ابنك يسوع، فنتحرر من عبء الشعور بالذنب. يارب.. نصلي أن يختبر ابنانا الفرح النابع من معرفتهما الشخصية بك.. نحن لا نطلب لهما حياة سهلة، بل نصلي أن تحميهما من الشرير الذي في العالم.. فقدسهما بقوة حقك فيسلكا بالحق، ويلتزما به كل أيام عمرهما. فأنت قد نسجتهما في بطن أمهما، وباركتهما في المسيح يسوع قبل تأسيس العالم، وأرسلتهما إلى هذه الحياة بقصد أن يكونا رسالة حية تعلن حقك حيثما يُوجدان.. آمين."

 

يا كل أب وكل أم تربيان أبناء مهما كان عمرهم.. لتكن معاني هذه الكلمات هو ما تطلبانه لأبنائكم في الصلاة كل يوم بينما يكبرون بينكما، ثم انتظرا عمل الله وخلاصه في حياتهم.. وإلى بقية الحديث في المرة القادمة.


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٢ سبتمبر/ إيلول ٢٠١٢)

Copyright © 2012 Focus on the Family Middle East. All rights reserved

 

 

 

 

 

 

 

 التربية المقدسة بالطول