Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

بقلم: سامي يعقوب

للمزيد من هذه اللسلسة:

 كيف ننمي الثقة بالنفس لدى أبنائنا؟ ١                   كيف ننمي الثقة بالنفس لدى أبنائنا؟ ٢

 كيف ننمي الثقة بالنفس لدى أبنائنا؟ ٣                   كيف ننمي الثقة بالنفس لدى أبنائنا؟ ٤


 

تخيل أنك تقود سيارتك بينما تكون «فرامل» اليد مرفوعة؟ هذا الوضع الغريب لا يسبب أضرارًا جسيمة للسيارة فقط، بل ويهدد سلامتك، وبالطبع يعوق تحكمك في سرعة انطلاق السيارة، بالإضافة إلى الوقت الإضافي الذي تستغرقه للوصول إلى حيث تريد أن تذهب. الإحساس بالقلة، وافتقاد الشعور بالثقة في النفس لدى أبنائنا في مرحلة المراهقة يشبه قيادة السيارة في طريق الحياة وفرامل اليد مرفوعة!

 

 السخونة المرتفعة في الحوار، وردود الأفعال الحادة مع كل احتكاك.. البطء غير المعلل في الإنجاز، والإحساس بالعجز عن التغلب على المعوقات.. استنفاذ الطاقة في الصراع مع الشكوك والمخاوف بدلاً من استغلالها في إحراز التقدم نحو هدف يسعون لتحقيقه.. مقاييس غير واضحة للاختيارات.. توتر في العلاقات مع الأهل، ومشاكل مع الأصدقاء؛ وغير ذلك من المظاهر والسلوكيات التي برغم اختلافها من شخص لآخر، إلا أنها منفردة أو مجتمعة تُعبر عن شيء واحد هو نظرتهم لما هم عليه، ومدى تقديرهم لأنفسهم، وشعورهم بالاستحقاق كأشخاص. فكيف لنا كوالدين أن نمد يد العون لنقيمهم من عثرتهم، ونحررهم مما يقاوم انطلاقهم ليعبروا إلى مرحلة الشباب وهم ممتلئون بالثقة بالنفس، تحركهم عزيمة لا تخور مع التحديات، ويشجعهم طموح لحياة ناجحة في الدراسة والعمل والزواج.

    ربما من أكثر ما يؤثر على نظرة المراهق لنفسه، صبيًا كان أو صبية، هو التغير الفسيولوجي الناتج عن البلوغ وتدفق الهرمونات في أجسامهم.. ضغط الأقران وما يصاحبه من منافسات ومقارنات غير عادلة عادة، الأفكار المغلوطة عن الجنس، ما تعنيه الرجولة وما يجب أن تكون عليه الأنوثة.. ناهيك عن ضغوط الدراسة والامتحانات، وتحصيل الدرجات التي أصبحت بالنسبة للكثير من الوالدين الهدف الأول الذي يتوقعون من أبنائهم أن ينجزوه، والمقياس الأساسي لتقدير قيمتهم في الحياة! لعلنا كآباء وأمهات في حاجة لتغيير فكرنا وأسلوب تقييمنا لاستحقاق أبنائنا بقدر ما نريد أن نرى تغييرًا وتقدمًا في حياتهم. إن تنشئة أبناء يتمتعون بقدر صحي من الثقة بالنفس ليست أمرًا صعبًا أو مستحيلاً، والتغيير الذي أقصده هنا يرتبط بأمرين: أولهما كيفية التعامل معهم بتوازن؛ فلا نتساهل في أمور تحتاج لحزم، أو نقسو في مواقف يمكن تجاهلها. وعلى نفس القدر من الأهمية نحتاج كوالدين أن نحذر من الخلط بين التميز والكمال؛ فخليط التميز والقصور في حياة الإنسان شيء طبيعي، أما الكمال فهو لله وحده.

    أبناؤنا المراهقون يتصرفون من واقع ثقة بالنفس عندما تكون الحدود والقواعد المتوقع منهم اتباعها واضحة. لا تظن أنهم يفهمون المتوقع منهم ضمنيًا.. فما درسناه أيام زمان في الشعر الفصيح: ”لا تَشرحيْ.. إِنّ اللّبيبَ مِنَ الإشارةِ يَفهمُ، وَلتُقصِرِي.. فالصمتُ فِي بَعْضِ المَواقِفِ بَلسَمُ“ لم يعد مناسبًا كأسلوب في التعامل مع أجيال اليوم. إنهم يفضلون الحديث المباشر في الأمور، والبلسم الذي يريحهم هو الحوار وليس الصمت! القواعد الواضحة للسلوك في البيت أو خارجه تؤكد للمراهق قيمته الشخصية لدى والديه، وهذه أول خطوة لتدريبه على بناء ثقته بنفسه وتقديره لذاته. 

 

    نحن عادة نركز على الأخطاء والتقصير في الأداء أكثر مما نمدح الصحيح ونقدر الإنجاز.. امدح ابنك وابنتك لكن بدون تملق أو عمومية؛ لأن المديح السطحي لا يؤثر. كن كريمًا، لكن لا تبالغ! راقب الفرص التي يمكن أن تستغلها لتعبر عن إعجابك بالقدرة الشخصية له أو لها، خاصة تلك التي يصعب على الآخرين في الأسرة ممارستها.. هذا يجعل الجو العام في البيت إيجابيًا. شجع على الاجتهاد، وإعادة المحاولة إذا لم تنجح المرة الأولى. ناقش النتائج بدلا من التصريح المباشر برأيك فيها.. فهذا أيضًا يدعم ثقتهم بأنفسهم.
 

    شجعهم على اتخاذ القرارات، ولا تأخذها نيابة عنهم.. الأب الشاطر هو الذي يُتيح لأبنائه أكبر فرصة ليُعبروا عن آرائهم بدون خوف أو محاذير، والأم الشاطرة هي التي تتفنن في كيفية إشراكهم في اتخاذ بعض القرارات العائلية من أبسطها مثل «ماذا نأكل اليوم؟»، إلى ما هو أكثر من ذلك مثل ماذا نُهدي في المناسبات، أي ترتيب نختار للبيت، أو أي ألوان نستخدمها في طلاء الجدران، أو أين نقضي الأجازة، إلى غير ذلك من الاختيارات التي تجعل أبناءنا يشعرون بأننا نعاملهم ككبار، ولا نفرض عليهم الأمور. المراهقون بطبيعتهم لديهم غزارة في الأفكار الخلاقة، وقد تُفاجأ بروعة ما يقترحونه إذا أتيحت لهم الفرصة.. وهذا أيضًا ينمي ثقتهم بأنفسهم.

    المراهقون يميلون بصفة عامة للشعور أن أمورهم تحت السيطرة دون الحاجة لمساعدة الآخرين.. وعندما يُضاف إلى ذلك الإحساس بالدونية وعدم الاستحقاق، فإن الانسحاب والانعزال، وعدم الرغبة في الحديث، خاصة مع الأهل، هو ما يُتوقع منهم؛ لذلك اجتهد أن تجعل قنوات التواصل معهم مفتوحة بالحوار وتبادل المشاعر. أحد أهم الأسرار التي تُبقي على قنوات التواصل مع المراهق مفتوحة هو مهارة صياغة الأسئلة التي لا تكون الإجابة عليها «نعم» أو «لا».. الأسئلة التي تبدأ بأداتي الاستفهام «كيف» و«لماذا» هي التي تبدأ الحوار. أعتقد أن وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة سهلت الأمر علينا كآباء للاحتفاظ بقنوات التواصل مفتوحة مع أبنائنا؛ فلا تدع يومًا يمر دون أن ترسل «مسج» لابنك أو ابنتك، لا لتعطيه تعليمات بل لتسأله عن أدائه في المباراة التي سيلعبها، أو الامتحان الذي ستؤديه.. لتسأله إذا كان لايزال يشعر بالتعب الذي كان يعاني منه قبل أن يخرج من البيت، أو لتفاجئها بخبر مفرح.. لتقول له أنك لاحظت عدم انبساطه.. وأبسط من كل هذا لتقول له ولها: كم أنت تحبه، وتفخر به، وتثق في قدراته. والأمثله لا تنتهي؛ فبقدر ما يمكن أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي سببًا في عزلة الأبناء عنا، مع أن الهدف منها التواصل، إلا أنها يمكن أن تكون من أكثر الوسائل فاع لية إذا استطاع الوالدان استخدامها بحرفية لدعم ثقة الأبناء بأنفسهم، خاصة وأنها أصبحت في متناول الجميع.

والحديث لم ينته بعد؛ فأبناؤنا يحتاجون لدعمنا عند اجتيازهم للصعوبات، وينضجون أسرع إذا عرفنا كيف ننتقدهم بإيجابية ونقيم أداءهم بمقاييس منطقية، وسيسعدون بحياتهم وينجحون في مستقبلهم إذا رأينا أن مواهبهم المتفردة لم تُعط لهم على سبيل «زيادة الخير خيرين» بل لتصنع منهم الأشخاص الذين يمكنهم أن يحققوا مقاصد الله العليا بحياتهم.. وهذا ما سنتحدث عنه في المرات القادمة.


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٢١ يونيو/ حزيران ٢٠١٥)

Copyright © 2015 Focus on the Family Middle East. All rights reserved

 

 

 

 

 

 

 

 التربية المقدسة بالطول