Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

بقلم: عادل زكري

قررتُ أن أنتبه لحالي، وأجلس في هدوء الليل. أعيد بعض الهدوء إلى نفسي، وأوقف الضجيج في رأسي. فنحن لم نكتفِ بزحام شوارعنا فزحمنا كل بقعة في عقولنا وأبصارنا بالفيسبوك وغيرها من الأشياء. لذا قررت أن أجلس لوحدي قليلاً وأطفئ كل الأجهزة المحمولة والثابتة محاولاً أن أسمع نفسي فقط.. وأسمع كلمة الله. أتأمل حياتي وظروفي وأسرتي، لعلي أمسك بزمام نفسي.. وأقف على رأس طريق صحيح.

١ نوفمبر

النهاردة ابني يوسف (٨ سنوات)، وابنتي سارة (٤ سنوات) على موعد مع تطعيم الحصبة. الولد بالرغم من قوته وخشونته يخاف من هذه التجربة الأولى بالنسبة له، أمّا الابنة فأخفينا الأمر عنها إلا قليلاً بمواربة. ربما أرجأنا مصارحتها بالأمر حتى نقترب من الموعد المحدد- أو توفيرًا للجهد النفسي من طرفنا.

أقرأ الآن في سفر إرميا. عندما وصلت إلى إر٣٠:١٧ وجدت هذه الآية المشجعة: "لأني أرفدك وأشفيك من جروحك، يقول الرب". يكفي هذا! تسرَّب شعور بالاطمئنان إلى قلبي تدريجيًا. ماذا سيحدث من التطعيم؟ جُرح جسدي بسيط؟ جُرح نفسي هيّن؟ فكرة التطعيم هي كالآتي: أسلوب أقل عدوانية (الحقن) للحماية من ميكروبات أكثر عدوانية وشراسة. فكّرت أن الله ربما يتبع نفس المنهج أحيانًا فيسمح بأمور مؤلمة ليحمينا من ألم أكبر: ألم الانفصال عنه. لكن يد الله هنا لتضمِّد جراح أولادي وتجبِّر كسور نفسي وروحي. أشكرك يا رب!

٢ نوفمبر

أحاول أن أنفِّذ نصيحة قرأتها من قبل تقول: لا تذهب إلى مكان إلا بصحبة أحد أبنائك. فقررتُ أن أنزل وأصطحب ابني لشراء بعض الاحتياجات. حرصتُ على فعل أمرين: الأول أن ألقي التحية على بعض من جيراني أثناء سيرنا معًا، حتى أرسخ في نفسه شعورين: الأمان في محيط سكننا، والانتماء إلى بلدنا وناسها. الأمر الثاني هو أن أفتح معه حوارًا في أي موضوع. جاءت الفكرة على ذهني سريعًا. أريد أن أغرس فضيلة الشكر في قلبه. قلتُ له: "هل تعلم يا يوسف أن الله وهبنا نعم وبركات لا حصر لها. البيت الذي نعيش فيه هو ملكٌ لنا، حتى وإن كان صغيرًا. نحن في صحة جيدة، ومستوى مادي معقول. نشترى معظم ما نريده، وإن كانت رغبات البشر لا تنتهي. لديك أنت وأختك لعب كثيرة، وأهدتنا إحدى قريباتنا جهاز ألعاب فيديو (بلاي ستيشن) بعد أن كبر ابنها. لدينا سيارة، وإن لم تكن الأحدث أو الأغلى. غيرنا ربما لا يملك بيتًا أو سيارة أو صحة جيدة أو جهاز بلاي ستيشن. الحمد لله يا يوسف".

أجابني: "فعلاً يا بابا. هل تعرف أهم بركة في حياتي؟"

على الفور قلت له: "قل لي ماذا؟ ما هي؟"

قال: "أنت وأمي".

 

أوووه.. في نفس الوقت هتف جمعٌ من الجالسين على القهوة فرحةً بإحراز هدف. ولكني شعرت أنا أيضًا أنني قد أحرزتُ هدفًا. جاءت كلمات طفلي الصغير كالندى على صحراء قلبي العطشانة. لكني كتمتُ ضحكة في نفسي، لأنني ظننته سيقول: "الإنترنت"، لأنه كان يشكو انقطاع الإنترنت في بيتنا بسبب أعطال فنية في السنترال.

 

سألته مترددًا: "لماذا قلت ذلك؟"

قال: "لأنه لولاكما.. لما حصلت على كل هذه البركات".

فسألته السؤال الصعب: "وماذا لو لم نكن موجودين؟"

سكتَ وهو يفكّر. فقصرتُ عليه الطريق وقلتُ له: "ربنا موجود".

أفتح الآن سفر إرميا، وتستوقفتني آية إرميا ٣١: ٣٥ "الزاجر البحر حين تعج أمواجه، رب الجنود اسمه". يكفي هذا. تسرَّب الاطمئنان إلى قلبي. هو الله يضع حدًا لبحر هذا العالم، هو ضابط الكل الممسك بيمين قدرته زمام الأمور. واسمه رب الجنود القوي.

٣ نوفمبر

سارة ابنتي هي الوحيدة التي تأخذ قيلولة لما يقرب من 3 ساعات في وسط النهار. لذا تأتي العاشرة مساءً ويغالبنا كلنا النعاس بينما تكون هي في حالة انتعاش. وهي تبتكر حججًا وأعذارًا لا حصر لها لكي تبقينا مستيقظين معها. أمّا يوسف فينام في سريره وفي غرفته، لذا فهو منتظم في نومه. لكنها لا زالت متعلقة بنا وتنام في سريرنا. لم نبدأ مبكرًا في تعليمها هذا الشيء. لذا نحصد الآن نتائج تقصيرنا. أقول لنفسي: لا عليك.. الرب صالح. سامحني يارب إذا فكرت كثيرًا أنك تصلح وراءنا ما نفسده.

يصلي إرميا متأملاً في أعمال الله وذراعه الممدوة، فهو لا يعسر عليه أمر. ويصفه قائلاً: "عظيمٌ في المشورة، وقادرٌ في العمل" (إرميا ٣٢: ١٩). يكفي هذا! تسرّب السلام مرة أخرى إلى قلبي؛ فإلهي كلي الحكمة، يقودنا بمشورته، ولا يكتفي بالكلام فقط، لكنه يعمل باقتدار.

٤ نوفمبر

النهاردة استطعت أن أهزم ابني في لعبة الفيفا (٣- ٢). فوجدته غاضبًا، وصرَّح بأنه لن يلعب مرة أخرى معي هذه اللعبة. فسألته: "لماذا؟ لقد هزمتني في السابق (٦-صفر). ماذا حدث؟"

قال: "لا أحب أن أُهزم أبدًا. أنا أفوز دائمًا."

 

"يا حبيبي، الرياضة غالب ومغلوب. ولازم نتعلِّم إننا عندما نخسر، نحاول أن نعرف أسباب الخسارة ونتعلَّم منها ونحسّن مستوانا في المرة القادمة (أنا ألمح لشيء أكبر من مجرد مبارة فيفا- تفهمونني أكيد؟!). ونقول حظ سعيد للفائز وحظ أوفر للخاسر. هذه هي الحياة؛ لا أحد يفوز دائمًا ولا أحد يخسر دائمًا. وأهم شيء نتعلم من أخطائنا".

حفزته لنلعب مباراة أخرى، وللمصادفة هزمته (2-صفر). لم أتعمّد ذلك. في نفس الوقت حاولت ألا أتصنع ضعف مستواي حتى يهزمني. هو أذكى من ذلك، ولن يتركها لي. (بيني وبينكم.. أنا من جوايا كنت بلعب علشان أفوز- من فضلك متفهمنيش صح!)

فقام وترك اللعب معي، ولم يرد إكمال المباراة.

 

"يا حبيبي، ليس جيدًا أن ننسحب عندما نشعر أننا سنخسر. لابد أن نحترم خصمنا. لو فعلت هكذا، لن يحترمك خصومك ومن بعدهم أصدقائك." اتقمص طبعًا، ولم يُكمل المباراة. قلتُ ما عندي، ولم أستطع إقناعه.

في اليوم التالي فاجأني عند عودتي من العمل، وقابلني عند الباب يريد أن يتحداني في مباراة أخرى. أرجو أن يتشبع عقله بالرسالة التي حاولت توصيلها له.

 

أفتح الآن سفر إرميا وأقرأ في أصحاح 35 عن عائلة الركابيين الذين حاول إرميا- بأمر من الله- استدراجهم ليشربوا خمرًا في الهيكل، لكنهم امتنعوا تنفيذًا لوصية جدهم الأكبر. فيستخدمهم الرب كوسيلة إيضاح حيّة على عصيان شعب إسرائيل. أصلي أن يطيع أبنائي كلام الله أكثر من كلامي. وتتعمق لديهم قناعة بهذا، فلا يحيدون عن طريق الرب حتى لو بأمر نبي. ولا ينقطع من عائلتي مَن يقف أمام الله كل الأيام (انظر إرميا ٣٥: ١٩).

٥ نوفمبر

طلبت زوجتي مني أن أراجع لابني المفردات الإنجليزية الجديدة التي سيمتحن فيها غدًا. ألقيت نظرة على الكلمات (12 كلمة)، ثم قرأتها فوجدته يعرف 3 منها. بدأت معه في تقسيم الكلمات بالترتيب من الأسهل إلى الأصعب. ثم اختبرته في كتابة هذه الكلمات، ثم كتبنا الكلمات التي أخطأ في كتابتها مرة أخرى. ثم كتبناها مرة أخيرة على سبورة بيضاء، وطلبت منه أن يضع خطًا أحمر تحت الحروف التي أخطأ فيها. ثم نصحته أن يلقي نظرة في الصباح على السبورة قبل ذهابه إلى المدرسة. يا مُسهِّل! ربنا يوفقك يا يوسف في اختبار الإملاء اليوم!

وصلتُ في قرائتي إلى سفر مراثي إرميا. وفي خضم الحزن الشديد ينير لنا إرميا نافذة من النور بهذه الكلمات: "إنه من إحسانات الرب أننا لم نفنَ، لأن مراحمه لا تزول. هي جديدة في كل صباح. كثيرة أمانتك" (مراثي ٣: ٢٢ و٢٣). أقول هذا يكفي. هذه الوعود جميلة تريح القلب المتعب والحزين. ليتك يارب أن تمدد إحساناتك ومراحمك إلى زوجتي وأبنائي. نثق في أمانتك.  

ملحوظة أخيرة: هذا الهدوء، وهذا التركيز، والجلوس للكتابة، وقراءة كلمة الله بصوت مسموع، كان تجربة تستحق التكرار.. أنصح كل أب وأم بها، على الأقل من حين لآخر لنخرج قليلاً من زحمة هذه الحياة.  


Copyright © 2015 Focus on the  Family Middle East. All rights reserve

 

 

 

 

 

 

 

 التربية المقدسة بالطول