Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

بقلم: سامي يعقوب

الحديث عن العلاقة بين الوالدين وأزواج الأبناء له حساسية خاصة، مع أنه بالنسبة لي مصدر أستمد من ذكرياته الكثير من التشجيع والبهجة؛ فقد حظيت بحماة كانت بالنسبة لي ولأسرتي واحة نلجأ إليها لنشرب مياهًا باردة عندما نعاني العطش من قيظ الظروف. ولأنها قد نالت الآن إكليل المجد الذي لا يبلى، لا أجد حرجًا أو مللاً أن أشارك خبرتي معها؛ فربما يفتح هذا النموذج بابًا للرجاء لكل من يحاول أن يسعى ليصنع سلامًا مع أهل شريك حياته، ولكل من يحاول أن تستقيم علاقته مع أبنائه، فتفيض بالتشجيع المتبادل والبهجة.. وتصبح العلاقة بين كل حماة وكنتها كأم وابنتها، مع الأخذ في الاعتبار أن دور الأب أيضًا في هذه العلاقة لا يُستهان به سلبًا أو إيجابًا.

 

وحساسية الحديث عن هذه العلاقة تنبع من أنها محاولة لأن نضع أيدينا على فريقين قُصد لهما أن يكونا في تآلف واتحاد؛ لكن تباين الخلفيات، وطريقة التعامل مع التوقعات المتبادلة، منطقية كانت أو غير مقبولة، قد تقود الأطراف إلى ما يجعلهم خصومًا وغرماء بدلاً من أهل وأحباء.. وأعترف أن المثل: "ما ينوب المخلِّص إلا تقطيع هدومه" يعبّر عما يمكن أن يعانيه مَنْ يحاول المساعدة في إصلاح علاقة إذا نجحت تبهج بلا حدود، وإذا توترت تصبح مصدر نكد متجددًا في البيت الجديد.. نكد يمتد تأثيره على أبناء يراقبون صراع الوالدين والأجداد وهم يتمزقون في الداخل، ويعجزون عن التعبيرعن إحباطهم، فينزوون بعيدًا في رفض يتزايد مع الأيام لجدوى فكرة الزواج.

 

لا حاجة لي أن أشرح أن الزواج هو أعمق ارتباط بين شخصين، رجل وامرأة.. ولم يقصد الله للزواج أن يكون مجرد مصدر للسعادة والمساندة المتبادلة بين زوجين حبيبين، ولا لمجرد الإنجاب لاستمرار النسل.. بل من أهم المقاصد الإلهية للزواج هو رغبة الله أن يُعد الإنسان للحياة معه في الأبدية، بأن يجعله يعيش مع شخص يختلف عنه؛ فتتغير حياته للأفضل بالمعاملة والاحتكاك الإيجابي مع الآخر الذي اتحد معه بالزواج.. "الحديد بالحديد يُحدد، هكذا الإنسان وجه صاحبه!" فسر البهجة التي لا يعبر عنها بالتوحد مع شريك الحياة ما هو إلا ظل لمتعة وبركة التوحد الأبدي مع الله عندما نذهب لنكون معه كل حين. فالأمر إذن ليس هينًا؛ ولهذا أراد الله للعلاقة بين كل رجل وامرأة ارتبطا بعهد الزواج المقدس أن تستمر حتى يفصل الموت بينهما.. إلا في حالة الخيانة الزوجية التي تقود لزنى لا يتوب عنه مَنْ يمارسه، أو لا يستطيع الطرف الذي جُرح بالخيانة أن يغفره.. ومَنْ يظن أن الكنيسة متشددة لتمسكها بهذا التعليم الكتابي قد خُدع بعقيدة "وما ملكت أيمانكم"!

 

قد يبدو غريبًا للبعض أن الخلاف الناتج عن تباين الشخصيات بسبب النشأة هو أحد الوسائل التي يمكن لله أن يستخدمها من أجل أن يصوغ شخصية رجل أو امرأة تعرف معنى الحب والخضوع.. معنى المشاركة والتنازل.. معنى القبول والغفران.. معنى الاجتهاد لفهم الآخر، وتقدير مشاعره واحتياجاته.. وكل هذه متى كنا على استعداد أن نتعلمها، وننمو فيها كأزواج، فإن سعينا إليها يستمد طاقته من الوعد: "ما جمعه الله لا يفرقه إنسان".. وبالمناسبة هذا الوعد يُذكر خارج قرينته على أنه تحذير من الانفصال، مع أنه على العكس يُعطي الضمان لاستمرار العلاقة.. والضامن هنا هو الله نفسه! وإذا صارحنا أنفسنا بواقع ما نعايشه اليوم، فإن الكثير من حالات الخلاف بين الأزواج، والتي تصل إلى حد الانفصال.. سواء الداخلي بالرغم من العيش تحت سقف واحد، أو بالسعي للطلاق، وتوجيه اللوم بقبح للكنيسة التي لا تقره.. سنجد أنه نابع من تدخل الأبوين أو الأقارب في حياة الزوجين. ولعلي أظن أن أغلب هذه التدخلات يحدث بشكل تلقائي، وبحسن نية، أو برغبة صادقة في المساعدة تعبيرًا عن حب للابن أوالابنة، وامتدادًا لشعور بالمسؤولية عن سعادته، أو محاولة لتسديد احتياجه.. لكن "من الحب ما قتل!"

ولنعترف أن الاهتمام الأبوي بالأبناء بعد زواجهم يكون مصدره أحيانًا شخصية متسلطة بطبيعتها تشعر أن الأبناء ملكية خاصة، ويصعب عليها قبول واقع أن يترك الابن أباه وأمه ليتحد بزوجته.. مشاعر التملك هذه تجعل أم الزوج خاصة في معزل عن حقيقة أن شكل العلاقة مع ابنها قد تغير، وأن طبيعة العلاقات الأسرية وأسلوب التعبير عنها قد تغير أيضًا بفعل تغير الزمن. إن حداثة المعطيات الاجتماعية قد أثرت بلا شك على الكثير من مفاهيم الترابط القَبلي للأسرة، التي كانت مقبولة وفعالة في الماضي، وأصبح التعبيرالعملي عنها مختلفًا الآن مع أن مضمونها ظل كما هو. والأمثلة لتغير أنماط الحياة في إطار العلاقات بين الوالدين وأزواج الأبناء كثيرة، على سبيل المثال: زوجة الابن لا تطبخ بنفس الطريقة التي تعوّدها الابن مع أكلات أمه الشهية، كما أنها تختار لبيتها جهازًا ومفروشات بذوق خاص قد يبدو غريبًا بمقاييس حماتها. والأدهى من ذلك، أنها تفضل الاستقلال ماديًا عن أهل زوجها، وتريد أن تعيش طبقًا لميزانية معدة مسبقًا، وبحسب أولويات في الصرف وليس "بالبركة"! أما متى تحبل، والتوقيت الأفضل لولادة الأطفال، فزوجة الابن ترى أنه موضوع شخصي؛ والسؤال: "لماذا تأخرتِ؟" يسبب عادة كارثة، خاصة إذا صاحبته مقارنة مع أخريات حملن بعد الزواج مباشرة.. ناهيك عن الاهتمام بالمولود الأول وتربية الأبناء، أو الخروج للعمل وتركهم في حضانة أو روضة أطفال.. وغير ذلك من التوقعات غير المنطقية، والتي تتخطى الحدود، وتدخل في المحظور. عندئذ تبدأ المشاكل.. فتشعر الأم أن ابنها قد خاب في زواجه، بينما تشعر الزوجة أن حماتها "حشرية" أكثر من اللازم؛ مع أن الافتراضين قد لا يكونان بالضرورة حقيقيين!

 

والخلاصة أنه لا يخفى على أحد أن كل زواج يأتي إلى البيت الجديد بخلفيتين ثقافيتين ليستا بالضرورة متطابقتين، أو في أحسن الأحوال متشابهتين. وعادة لا يظهر هذا الاختلاف في فترة رومانس وأحلام ما قبل الزواج، خاصة وأن تركيز العروسين يكون منصبًا على الإعداد لبيت الزوجية أكثر من محاولة فهمهما كل واحد لطبيعة الآخر. وتباين الخلفيات لا ينتظر كثيرًا قبل أن يُترجم إلى أفعال وسلوكيات يومية، ونوع من التمسك بقيم اجتماعية يظن صاحبها أنها الأفضل للحياة الزوجية.. فمن صباح اليوم التالي للزفاف يبدأ الحديد في تشكيل الحديد، فترتفع حرارة الاحتكاك تدريجيًا، وقد يصدر عنها شرر أحيانًا. هنا لابد لكل أب وأم أن يدركا أن الزوجين الجديدين في حاجة لمساحة من حرية الحركة، وبعض من الوقت بدون تدخل منهما بأي شكل، أو حتى اقتراب بغرض المساعدة.. فهذا يتيح لتفاعل الحبيبين معًا أن يأخذ دورته الطبيعية، التي تحتاج عادة لوقت حتى تهدأ حدة التطبع، ويأخذ التوحد بين الزوجين طريقه للاكتمال؛ وعندئذ تصبح العلاقة مع والدي الطرفين أسهل وأمتع. وبصراحة أظن أن أكثر من يحتاج لأن يبتعد قليلاً عن الزواج الحديث هي أم الزوج.. فمع أن أمثالنا الشعبية تقول: "جوز البنية أغلى من عينيّ!" إلا أن الصراع على الرجل يكون عادة بين امرأتين: أمه وزوجته.. وفي النهاية تكون الضحية هي الزواج نفسه! فهل نجد من يقول: "زوجة ابني غالية عليّ"؟

والآن ما الحل؟؟ الحل في تحقيق التوازن بين الوصيتين أن يترك الرجل أباه وأمه، وأن يكرم الأبناء والديهم.. ولهذا حديث آخر في المرة القادمة.


 (نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٢٨ أكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٢)

Copyright © 2012 Focus on the Family Middle East. All rights reserved.