Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

بقلم: سامي يعقوب

 المزيد من هذه السلسلة:

كيف تعاملها؟ ماذا تتوقعين منه؟ ١                   كيف تعاملها؟ ماذا تتوقعين منه؟ ٢

كيف تعاملها؟ ماذا تتوقعين منه؟ ٣                    كيف تعاملها؟ ماذا تتوقعين منه؟ ٤

كيف تعاملها؟ ماذا تتوقعين منه؟ ٥                    كيف تعاملها؟ ماذا تتوقعين منه؟ ٦


لا أستطيع أن أتخيل أين كنت سأكون اليوم بدون تأثير مجموعة قليلة من الأصدقاء على حياتي.. أولئك الذين لم تكن صداقتهم مجرد كلمات لكن معاني أضافت إلى أيامي القيمة التي مكنتني من أن أستكشف الإنسان الكامن في داخلي، وأنطلق إلى مغامرة الحياة والإيمان التي قادتني في مراحل متتالية من العمر لأختبر ما يضيفه الفشل من خصوبة للشخصية، وما يفيض به القلب من فرح وبهجة مع كل نجاح؛ لأكون ما أنا عليه الآن. من بين أصدقائي اخترت شريكة عمري، ولما اختارت هي أن تقبلني زوجًا، قررنا أن نكمل مسيرة حياتنا معًا ليس فقط كرجل وامرأة يرتبطان بعهد الزواج، بل كصديقين بكل ما تحمله الصداقة من معاني تُصيغ شكل علاقتنا، وأسلوب التعامل بيننا.

كنا قد كبرنا في كنيسة واحدة، ودرسنا في نفس الجامعة.. في إطار أسرة الشباب تشاركنا الأفكار وتبادلنا الكتب.. فنحن من الجيل الذي كان يقرأ. بعد التخرج جمعتنا الخدمة مرة أخرى، فنظمنا معًا مخيمات صيفية غير تقليدية للأطفال. من الليلة الأولى في برنامج المخيمات، وحتى آخر لحظة فيها، كانت هي بمهارة عجيبة تنجح في أن تخلق بالألعاب جوًا من الألفة والمرح؛ لتُسكن الطمأنينة في قلوب الصغار الذين لم يعتادوا النوم على مرتبة في خيمة بسيطة منصوبة في الخلاء. صديقنا شادي كان يقود معنا الأنشطة الرياضية والتعليمية، وصديقتنا نادية كانت تُوقد خشبًا لتطبخ لنا على «الكانون». في كل تلك المواسم من الصداقة، التي لم تنقصها بساطة القلب، لم يفكر أي منا في اختيار الآخر ليكون شريك حياته لبقية العمر! لكن الذي يؤلف بين قلوب العباد، ويوفق بين عقول المجانين، حوٌل صداقتنا هذه على غير توقع إلى زواج!

     من البداية كان اختيارنا أن تستمر صداقتنا حتى في الأوقات التي كنا فيها، مثل أي زوجين، نصارع مع تحديات التوقعات المتبادلة. لعل الحُلم أن نعيش من أجل هدف ارتفع فوق تطلعاتنا الفردية هو الذي وحد جهودنا لتحقيق الذي بدا مستحيلا آنذاك؛ فلم يكن مهمًا أن تتطابق أفكارنا بقدر ما كنا نسعى أن نفكر معًا.. فعشنا نضحك ونبكي كصديقين.. نعمل ونخدم الله كشريكين. نختلف أحيانًا، ولا نزال، عندما نناقش مسؤوليات ومشاكل الحياة.. وفي كل مرة تتأرجح قراراتنا بين مؤيد لها أو معارض، لا يفسد الاختلاف في الرأي للود قضية بيننا، لاجتهادنا أن نتعامل معه بموضوعية كصديقين لا كزوجين.

     أرجو ألا يُفهم من هذا الحديث أنني أقصد أن الزواج الناجح هو الذي يخلو من الأيام الصعبة. فلابد من الجدال أحيانًا، وربما الغضب والنوم بدون عشاء في أحيان أخرى.. قد يكون هناك صعوبة في الحمل، والعلاج ماجبش نتيجة.. قد يُجرب البعض مثلي بمرارة فقدان جنين بالسقط كان متوقعًا أن يملأ قدومه الحياة بالمزيد من البهجة.. قد يفقد أحدهم وظيفته بدون مقدمات، وتمر أيام ثقيلة قبل أن يجد البديل.. مَنْ منا لا يواجهه مشاكل في العمل، ويزيد عليها أن يرجع إلى البيت بعد يوم طويل ليجد الغسالة والثلاجة تعطلتا بدون مناسبة في نفس الوقت، أو أن أرضية البيت غرقت من ماسورة اتكسرت.. الجيران مزعجين، مضطر أركن العربية على بعد كيلو وأمشي للبيت وأنا تعبان، قائمة الغرامات في المرور غير منطقية، العربية اتخبطت وأنا واقف في مكاني، وكل إللي أخدته «عوضك على الله».. الموت المفاجىء لقريب عزيز.. الخوف من شر الأيام.. من المرض.. من الحوادث… إلخ. لا يوجد بيننا مَنْ لم يختبر كل هذه أو بعضًا منها. والسؤال الآن كيف لنا أن نواجه مثل هذه الظروف ونخرج منها أفضل وأقوى مما كنا عليه قبلها؟ ما أروع ما قالته الأديبة العمياء الصماء «هيلين كيلر»: "المشي مع صديق في الظلام خير من أن يمشي الشخص وحده في الضوء." أما الرسول بولس فعندما سجل في الرسالة إلى رومية ٨ : ٢٨- ٣٩ أنشودته الخالدة «أعظم من منتصرين»، فقد استخدم صيغة الجمع في النص كله، وفي روعة هتف: «ولكننا في هذه الشدائد ننتصر كل الانتصاربالذي أحبنا» (عدد ٢٧ من الترجمة العربية المشتركة).. رحلة الحياة تحتاج لصديقين يمشيان معًا في الطريق يدًا بيد، إذا تعثر أحدهما يسنده الآخر فلا ينطرح أرضًا فتدوسه الشدائد.. «الصديق يُحب ويدعم في كل وقت، والزوج والزوجة يوجدان ليوم الضيق» (قراءة شخصية لكلمات أمثال ١٧ : ١٧).

     المشكلة ليست في عدم وجود الحب في كل علاقة زواج تعبر بأزمة، لكني أعتقد أنها في غياب الصداقة بين الزوجين. كثيرون يبدأون المشوار بالصداقة قبل الزواج، لكنهم مع زحمة الحياة وضغوط المسؤوليات يتخلون عنها، فتفرغ علاقتهما من حيوية ودفء الحوار معًا.. أما الاشتياق لقضاء الوقت مع الحبيب فلم يعد موجودًا مثل أيام زمان.. وتدريجيًا تصبح العلاقة روتينية، فنتعامل ميكانيكيًا دون أن يتفاعل الواحد منا مع ما يعايشه الآخر من مشاعر أو يواجهه من صراعات. الصداقة هي أفضل مصدر للطاقة المتجددة التي تضمن بقاء المعنى، واستمرار تدفق الحب بين أي زوجين.. الصداقة تطور الحميمية، وليس الجنس كما يظن «عناتيل» المجتمع الذكوري.. الجنس بحسب الفكر الإلهي هو الاحتفال بالحميمية، وليس البديل لها.

     أن أكون أفضل صديق لشريك حياتي في الزواج يعني أن ألتصق به.. »المكثر الأصحاب يُخْرب نفسه، ولكن يُوجد مُحب ألزق من الأخ« (أمثال ١٨ : ٢٤).. كلمة ”ألزق“ هي نفس الفعل ”يلتصق“ المستخدم في تكوين ٢ : ٢٤ «لذلك يُترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسدًا واحدًا».. والكلمتان في اللغة الأصلية تترجمان "ديمومة التوحد مع الآخر، لدرجة أن الانفصال يعني الموت".. هذا ما يعنيه امتزاج الصداقة بالزواج.

وإلى بقية الحديث في المرة القادمة..


نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٩ نوفمبر/ تشرين ثان ٢٠١٤

Copyright © 2014 Focus on the Family Middle East. All rights reserved