Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

 

بقلم: سامي يعقوب

المزيد من هذه السلسلة:

"اصطادوا الثعالب" ١         "اصطادوا الثعالب" ٢        "اصطادوا الثعالب" ٣       "اصطادوا الثعالب" ٤       

"اصطادوا الثعالب" ٥         "اصطاوا الثعالب" ٦          "اصطاوا الثعالب" ٧

 

الزواج علاقة شركة، أو اتحاد، بين شخصين غير كاملين.. هذا يعني أنه لا يوجد ما يُسمى بالزواج الكامل أو المثالي بشكل مطلق، وأعتقد أنه لن يوجد أبدًا. ففي الحياة لا يمكن أن نجني عسلاً بدون نحل نصاب بلسعة لدغته أحيانًا!

في سنوات علاقتي مع شريكة عمري، كان ولايزال لكل واحد منا نصيبه من الأخطاء. في الواقع الكثير مما أشارك به هنا هو بعض مما تعلمناه بالصعب والسهل في رحلة زواجنا، التي تجاوزت الثلاثين عامًا. ومع أخطائنا التي كان أغلبها نتيجة لجهل باختلاف طبيعتنا كرجل وامرأة، أو لتباين خلفية نشأتنا، والتوقعات المتبادلة بيننا، إلا أننا فعلنا أيضًا أشياء كثيرة صحيحة.. ومن بين أهم الصحيح الذي فعلناه، فأتاح لزواجنا أن يكون خبرة ممتعة وناجحة، أمران.. الأول قرار استراتيجي اتخذناه من بداية علاقتنا، وهو أننا لن نتخلى أبدًا عن عهد زواجنا مهما صعبت الأمور بيننا، أو ضاقت الظروف من حولنا. أما الأمر الثاني فكان تقليدًا حرصنا بالتزام متبادل على ممارسته بشكل منتظم، وهو ألا نخفي شيئًا يضايقنا، أو نكتم اختلافًا بيننا لأي سبب، دون أن نجلس وجهًا لوجه لنتحدث عنه. وقد اعتدنا أن یكون توقيت حواراتنا صباحًا.. ولعلي أعتقد أن أفضل ما يعبر عن خبرتنا هذه هو نصيحة بولس الرسول لكل زوجين، أو شريكين في أي مجال من مجالات الحياة، حتى تستمر العلاقة بينهما: «تخلصا من عادة تخزين مشاعر الضيق والغضب، وعبّرا لبعضكما بصدق عما تشعران به الواحد تجاه الآخر؛ فأنتما جسد واحد.. لا تجعلا الغضب يجركما إلى الخصام، ولا تناما-في أي يوم غاضبين؛ حتى لا تعطيا الشيطان مكانًا في زواجكما!» (قراءة اختبارية للنص الكتابي في رسالة أفسس ٤: ٢٥-- ٢٧).

التحديات الكبرى في الحياة توحد عادة بين الزوجين، سواء كانت ترتبط بتحقيق أمنية ما، أو كفاح لإنجاز مشروع، أو العمل باجتهاد من أجل تحقيق رؤية لخدمة ملكوت الله، وتسديد احتياجات الآخرين. كما تختبر أنواع المحن والتجارب حقيقة إيماننا، مثلما تختبر النار الذهب وتنقيه، فإنها تصهر الزوجين معًا في بوتقة الارتباط الوثيق، والتوحد في مواجهة ما يهددهما.. أين الخطر إذن؟ إنه في الأشياء الصغيرة، والمواقف البسيطة العابرة التي قد تزحف مستترة إلى زواجنا فنهملها، أو نؤجل الحديث بصراحة عنها لإحساسنا بعدم خطورتها؛ فنتركها تكبر وتتطور داخلنا حتى يفيض الكيل دون أن ندري، ونكتشف فجأة أن الوقت قد تأخر، وأصبح زواجنا في مهب الريح.

لقد وصف سليمان الحكيم خطورة هذا السيناريو على العلاقة بين أي حبيبين، سواء كان يُشير في ذلك إلى علاقة المسيح والكنيسة أو عريس مع عروسه، بما ذكره في سفر نشيد الأنشاد ٢ : ١٥ «خذوا لنا الثعالب الصغار المفسدة للكروم؛ لأن كرومنا قد أقلعت (أزهرت)».. وكلمة ”خذوا“ هنا جاءت في صيغة نداء وبنبرة تحذير بمعنى «اقتنصوا أو اصطادوا». المعروف أن الثعلب من أمكر حيوانات البرية، وعضلات جسمه المرنة تُمكن صغاره من التسلل عبر أية فجوة صغيرة في أسوار الكرم.. وما يحذر منه الحكيم هنا هو ظن بعض الكرامين أنه لا خطر من الثعلب مادام صغيرًا! لكن هذا الصغير يستطيع أن يقفز إلى عناقيد الكروم ويفسدها، وعندما يكبر سيحفر جحوره تحت الأرض، فيفسد الكرم كله! يقول القديس العلامة أوريجانوس عن هذه الثعالب الصغيرة: ”إنها قوى الشياطين المضادة والشريرة التي تحطم زهور الفضائل في النفس.

في الماضي كانت الخلافات الزوجية تنشأ وتتطور أساسًا بسبب المال، أو غياب التوافق والشبع الجنسي بين الزوجين، ثم -وأنتم خير مَنْ يعرف- بسبب تدخل الأهل، خاصة الحماوات. أما اليوم، فقد أضيف إلى هذه الثعالب الكبيرة مجموعة أخرى ليست قليلة من صغار الثعالب لا تقل خطورة عن أمهاتها، مثل: المشغولية والظن بأن الزواج يمكن أن ينجح بدون استثمار للوقت والجهد فيه؛ غياب المديح والتقدير الصادقين.. كلمة ”شكرًا“ لم تسمعها زوجتي منذ زمن! أين ذهبت مفاجآت ما قبل الزواج؟ الأمر والنهي عند طلب الأشياء.. التجهم عند عدم تحقيق ما أريد، والصمت المطبق تعبيرًا عن الغضب.. خفة الدم والاستظراف مع الغرباء خاصة من الجنس الآخر.. توقع التغيير دائمًا من الآخر، وعدم الاستعداد لبذل أي جهد لتحسين نفسي.. الظن بأن استمرار العلاقة أمر مفروغ منه؛ فلم نعد نهتم بالمظهر، ولياقة التعبير، أو بالآداب العامة التي نحرص على الالتزام بها خارج البيت.. لقد أصبح «البساط أحمدي» كما يقول قدماء العرب عن الشخص الذي يتصرف على راحته دون مراعاة لمشاعر أو راحة الآخر، أو قبوله لسلوك ما ولو كان شخصيًا.. ناهيك عن الفيسبوك، والتشات، والتويتر الذين عزلوا الأزواج عن بعضهم، بقدر ما زادوا الفجوة بين الآباء والأبناء. والسؤال الآن: أي ثعلب من هذه تسلل إلى زواجك، وتحتاج اليوم أن تمسك به وتطرده من بيتك وحياتك؟ لقد تعلمت أن أنصب باستمرار «مصيدة المكاشفة» لمثل هذه الثعالب بالحوار مع زوجتي.. فاعتدنا أن نتصارح، فتعرف هي ما يمكن أن يضايقني، وأسمع أنا منها ما تتوقعه مني فلا أضايقها. الخميرة تظل نشطة ما دامت في الظلام، لكن متى أُخرجت للنور فإنها تفقد فعاليتها.. هكذا يمكننا التعامل مع مشاعر الضيق والتذمر المدفونة حتى تعود البهجة إلى علاقتنا الزوجية.. «قلب الحكيم يُرشد فمه، ويزيد كلامه علمًا (أي يُعطيه قوة إقناع). الكلام الجميل شهد عسل، يحلو للنفس ويشفي العظام» (أمثال ١٦: ٢٣ - ٢٤).


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٣ يونيو/ حزيران ٢٠١٨)

Copyright © 2018 Focus on the Family Middle East. All rights reserved