Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

بقلم: سامي يعقوب

أستسمحكم بمشاركة بعض من آلامي وكثير مما عزاني.. ما أصعب أن تفاجئنا الأيام بغياب حبيب على غير توقع! هذا ما اختبرته خلال الأيام الماضية عندما أخذ الموت بدون مقدمات صديق عمري، وأستاذي الذي ما كان لي أن أكون ما أنا عليه الآن بدون نعمة الله، وتشجيعه لي صغيرًا، ووقوفه بجواري وخلفي في مشوار العمر.. بإنكار نادر للذات، وبمشورة عالم جليل لطالما لم تزعجه أكثر الأفكار جنونًا، أو أجرأ الأحلام التي لم يستوعبها كثيرون مثلما قدرها هو، وتابعها بحكمته حتى رآها تتحقق دون أن ينسب لنفسه أي فضل. كان اللقاء الأخير مع الأستاذ الدكتور عماد رمزي يوم العيد الماضي، عندما التففنا حوله كالنجم الساطع وسطنا، ومضى بنا اليوم كلحظة قصيرة، وعندما افترقنا على وعد اللقاء، لم نكن ندرك أنه لا لقاء بعد إلا هناك حيث لا فراق  ! 

  

مثل ما يمكن أن يحدث مع أي منا عندما يفقد فجأة أحد أقرب الناس إلى قلبه، لقد فجرت المفاجأة داخلي تلك التساؤلات التي يعجز العقل البشري عن إجابتها.. ولقناعتي أن هذا لا يعني عدم وجود إجابات شافية لأسئلتي؛ لم أترك نفسي يمزقها الحزن وتطحنها الحيرة، ولجأت أولاً إلى كلمة الله لأسترد سلامي، وقرأت مجددًا:  »لا أريد أن تجهلوا أيها الإخوة من جهة الراقدين، لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم؛  لأنه إن كنا نؤمن أن يسوع مات وقام، فكذلك الراقدون بيسوع، سيحضرهم الله أيضًا معه» (١ تسالونيكي ٤: ١٣ـ    ١٤). وفكرت مع مشاركة هذه الخبرة المؤلمة في مقال اليوم، أن أشارك معكم بعض الأفكار؛ لعلها تكون مصدر تعزية وتشجيع لكل مَنْ يمر بتجربة مؤلمة مماثلة، فيظن أن الله غير مهتم بما يحدث في حياته. 

  

الله يصف نفسه كأب لنا جميعًا:  »فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة، فكم بالحري الآب الذي من السماء»    (لوقا ١١: ١٣).  الآباء قد يفهمون لمحات ولو بسيطة عن الكيفية التي يشعر بها الله نحونا، خاصة وأن الواحد منا يمكن أن يضحي بحياته من أجل أبنائه بدون تردد إذا لزم الأمر. ولعله واضح من الكلمة المقدسة أن محبة الله للبشر لا يمكن أن تقاس بأى حال بمقدرتنا نحن   "الأشرار"  أن نحب أولادنا.  فلا شك أن الله يشعر بعمق آلامنا وأحزاننا، ويتألم معنا بنفس القدر، بشكل يفوق إدراكنا حتى وإن كنا آباء. كذلك لا يغضبه أن نتساءل في حيرتنا:   "لماذا سمحت لهذا أن يحدث معنا أو لأحبائنا؟"

في القديم، جرب أيوب أن يوجه هذا السؤال إلى الله. والمذهل أن الله لم يُجبه بأن شرح له أسباب ما أصابه من ألم، وفي نفس الوقت لم يوبخه على حماقة سؤاله، بل تعاطف مع آلامه، ووزن كلماته وأحاسيسه بميزان الشفقة!  في الواقع جاءت إجابة الله على السؤال في سلسلة من الأسئلة التي لا يستطيع أيوب أن يجيب عليها، والتي سجلها الوحي المقدس في ثلاثة أصحاحات كاملة قرب نهاية السفر المعروف باسمه (أيوب ٣٨- ٤١). وأظهرت الأسئلة الإلهية عجز أيوب عن معرفة مدى عظمة وقدرة الله؛ فاتضع وسكت، والأهم من ذلك أنه أدرك في النهاية أن الله حاضر في حياته بشكل مباشر، وأنه لم يتخل عنه للحظة؛ فأجاب على الرب:   »عرفتك قادرًا على كل شيء فلا يعسر عليك أمر. أخفيت مشورتك ولم تُبح   بها. فتكلمت أنا بكلام باطل على معجزات لا أدرك مغزاها، وعجائب فوق متناول فهمي. اسمع.. فلي بعد ما أقوله، وما أسألك عنه فأخبرني: سمعت عنك سمع الأذن، والآن رأتك عيني... » (أيوب ٤٢: ٢- ٥ الترجمة العربية المشتركة).

   

من الطبيعي في مسيرتنا مع الرب أن لا تنتهي دائمًا إحباطاتنا الروحية باستنارة تجعلنا نفهم مقاصده، ولا دقة وكمال توقيتات ما يعمله، مثلما حدث مع أيوب!  هناك إحباطات وأسئلة يجب أن نضعها تحت عنوان   "أمور لا نفهمها"، ونتركها هناك. وفي مثل هذه الحالات يجب أن نكون شاكرين وواثقين؛ أن الله يفعل لنا الأفضل، سواء كان ما يفعله يتفق أو يتعارض مع ما نريده أو نتمناه. إننا بحاجة للاعتراف بأن رؤيتنا لله ضيقة للغاية؛ فنحن البشر نعجز عن تخيل أو فهم قدرته وحكمته اللذين لا يُستقصيان، وكيف أنه لا يفاجأ أبدًا بما يحدث معنا أو حولنا.. فمكتوب عنه:   »لك يارب الملك، وقد ارتفعت رأسًا على الجميع.. الغنى والكرامة من لدُنك (من عندك)، وأنت تتسلط على الجميع، وبيدك القوة والجبروت، وبيدك تعظيم وتشديد (عزيمة) الجميع  «   (١ أخبار الأيام ٢٩ : ١١- ١٢). إن كنا نفهم بحق عظمة إلهنا، وعمق محبته لنا، فسنستطيع أن نقبل بالإيمان الأوقات التي يتعارض فيها ما يحدث لنا مع ما نتوقعه منه، والذي لا يتفق بالضرورة مع المنطق والإدراك البشريين.. وإنني أتطلع معكم إلى حوار طويل مع الرب عندما نصل إلى الجانب الآخر من الحياة، في اللقاء السماوي معه، الذي سيستمر إلى الأبد؛ عندئذ سنفهم.

بينما كنت أتأمل حوار أيوب مع الرب، فكرت كثيرًا فيما كان يقصده وهو في أشد أيام أزمته عندما قال:   »هوذا يقتلني.. لا أنتظر شيئًا. فقط أزكي طريقي قدامه» (أيوب ١٣ : ١٥).. ووجدت المعنى العبري لهذه الكلمات يعبر عن إيمان عميق بصلاح الله:   »أنه حتى إذا كان لا أمل لي في الحياة، فإني سأظل أثق فيه وأتحدث معه!»

لكل مَنْ يقرأ هذه الكلمات اليوم، وقد صدمه موت عزيز عليه.. ولكل مَنْ أصيب بمرض مزمن أو خطير.. لكل أرملة تواجه الحياة بمفردها مع أبناء لا يفهمون لماذا فقدوا أباهم، إليكم كلمة تشجيع أخيرة:«صلوا بلا انقطاع.. اشكروا في كل شيء، لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم.» (١تسالونيكي ٥ : ١٧ـ ١٨).



 
(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ١٧ يناير/ كانون الثاني ٢٠١٦)

Copyright © 2016 Focus on the Family Middle East. All rights reserved