Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

بقلم: سامي يعقوب

للمزيد من هذه السلسلة:

                              كيف نشجع؟ ١

 

    متى كانت آخر مرة جربت فيها أن تقول لشريك حياتك أو لأحد أبنائك: أنا فخور بك؟ ربما لم يسمع الكثيرون هذه الكلمات حتى من أقرب الناس إليهم، بالرغم من المحبة التي تربطهم معًا! 

المحبة ليست بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق، لكن التشجيع يحتاج لكلمات تخرج من فمك لتعبر بها عما تشعر به نحو الآخر، وبعد ذلك أكد له محبتك بأعمالك. لقد عرفت منذ زمن تأثير هذه الكلمات الثلاث على علاقتي بزوجتي، وبناء الثقة بالنفس في شخصية ابنيّ، فلم أهمل أي فرصة لأن أعبر لهم عن شعوري بالفخر لمجرد انتمائنا لبعض كعائلة، وليس لأي سبب آخر. 

    التشجيع يختلف عن المديح! عندما تقول لابنك أو ابنتك كلمات مثل: أحسنت أو «برافو»، رائع..إنجاز عظيم هذه الكلمات مع أهميتها فإنها ليست تشجيعًا، بل نوعًا من المكافأة التي يتوقع الشخص أن ينالها بعد الأداء الجيد. التشجيع يعني أن يعرف أبناؤك أنك تثق فيهم حتى قبل أن يبدأوا في العمل على إنجاز المطلوب منهم، وأن ثقتك هذه لا تعتمد على قدر أو نوعية إنجازهم.

 

    عندما تسمعك زوجتك تقول: أنا لا أستطيع أن أستغني عنك، أو عندما تقولين لزوجك: أنت أفضل رجل كان يمكن أن أتزوجه.. مثل هذه العبارات، ولو قلناها بصياغة مختلفة، ترفع معنويات شريك الحياة بلا حدود، وتشجعه بأكثر مما نظن. أنا أعرف أن زوجتي تحب أن تسمع مني مرارًا أنني أستمتع بصداقتنا معًا، بقدر تقديري لها كزوجة رائعة وأم فوق العادة! وقد اختبرنا كزوجين كيف أن التشجيع المتبادل بيننا لطالما فجر طاقات من الحب والبهجة والقبول غير المشروط داخل أسرتنا. وجود التشجيع في البيت يساعد على تحقيق الأهداف، ويوحد الآباء مع الأبناء في مواجهة تحديات الحياة.. «اثنان خير من واحد؛ لأن لهما جزاءً (إنجازًا) أفضل على عملهما معًا. إذا وقع أحدهما يقيمه رفيقه، والويل (ما أسوأ حال) لمن هو وحده؛ لأنه إذا وقع فلا أحد يقيمه (يشجعه)» (سفر الجامعة ٤ : ٩ و ١٠ ).

    مع زحمة الحياة بالمشاغل اليومية، والتواجد خارج البيت لفترات طويلة، أو لبعد المسافات الجغرافية بين الأحباء، تظل كلمات التشجيع المكتوبة لها نفس التأثير في مَنْ تكتبها لهم، كما لو أنها قيلت لهم وجهًا لوجه، بل وأكثر أحيانًا. الرائع في تشجيع الآخرين كتابة أنه بإمكانهم الاحتفاظ بما تكتبه لهم إلى الأبد.. فأنا مازلت أحتفظ بخطابات التشجيع التي كتبها لي أبي بخط يده منذ أكثر من أربعين عامًا، ومع أنه سبقنا هو ليكون مع الرب منذ سنين، عندما أعود أنا لقراءتها من وقت لآخر، أجدها تشدد عزيمتي من جديد؛ لأكمل جهادي حتى أتمم المهام الموضوعة على عاتقي بدون تراجع أو كلل!

    أعتقد أنه لا تعوزنا اليوم وسائل التواصل التي يمكن أن تأخذ ما نكتبه من كلمات تشجيع عبر آلاف الأميال، أو حتى إلى الغرفة المجاورة في البيت أو العمل، لتصل بسرعة البرق إلى شخص يحتاج إليها. لم أتوقع رد فعل العاملين معي لتأثير ما كتبته مرة على أظرف مرتباتهم عند نهاية أحد الشهور، تعبيرًا عن تقديري لهم؛ فجعلت من ذلك عادة أمارسها بانتظام لما وجدت أنها تشجعهم وتبنيهم أكثر مما كنت أتخيل! «الكلام الجميل شهد عسل، يحلو للنفس ويشفي العظام» (أمثال  ١٦ : ٢٤ ).

 

    لم يتردد الرب يسوع أن يخبر تلاميذه عن حقيقة ما سيواجهونه في حياتهم على الأرض: «في العالم سيكون لكم ضيق». لكنه لم يتركنا نصارع مع مخاوفنا، وخفف من صعوبة نبوءته بأن ربطها على الفور بوعد مشجع أنار لنا الطريق: «لكن ثقوا أنا قد غلبت العالم».. وكم كان برنابا، والذي يعني اسمه «ابن التشجيع»، مصدر بركة للمؤمنين في الكنيسة الأولى.. فبتشجيعه قبلت كنيسة أورشليم شاول بعد أن آمن (أعمال ٩ : ٢٧ ). كما تبنى برنابا الشاب يوحنا مرقس، بعد أن رفض الرسول بولس أن يأخذه معهما في رحلته التبشيرية الثانية؛ لأنه تركهما ورجع إلى أورشليم أثناء رحلتهما التبشيرية الأولى (أعمال ١٣: ١٣ و ١٥: ٣٩ ). وقد كان لتشجيعه دور في أن يصبح القديس مرقس كاروزًا للديار المصرية. «كلمة تشجيع أثناء الفشل، لا يمكن مقارنة قوة تأثيرها بساعة من المديح بعد نجاح»

(الكاتب غير معروف).  

    بدون تشجيع تصبح الحياة بلا معنى ومملة.. بدون تشجيع يصبح الكفاح بلا هدف، وتتراجع عزيمتنا عن المضي قُدمًا.. بدون تشجيع تغلبنا ظروف الحياة، ونشعر أننا متروكون وغير محبوبين، وعندئذ سنبدأ بالشعور أن اللـه بعيد عنا، ولا يعنيه ما يحدث معنا.. فمَنْ الذي يحتاج لتشجيعك هذه الأيام؟ وكيف ستشجعه؟


نُشر بجريدة وطني بتاريخ ١٩ يونيو/ حزيران ٢٠١٦

Copyright © 2016 Focus on the Family Middle East. All rights reserved