Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

 

بقلم: روبرت فيلاردي

للمزيد من هذه السلسلة:

             ١-  الصلاة وما تتركه من تأثير         ٢- إمكانية الصلاة دائمًا         ٣- الصلاة لها أسبابها

                                  ٤- التعلم من صلوات الرب يسوع     ٥- إشكاليات أمام الصلاة

 

«استمع صلاتي يارب، واصغَ إلى صراخي» - مزمور (٣٩ : ١٢)

«يارب، علِّمنا أن نصلي» - لوقا (١١ : ١)

«تكلم يسوع بهذا ورفع عينيه نحو السماء وقال (صلى)» - يوحنا (١٧ : ١)

«هؤلاء كلهم كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة» - أعمال الرسل (١ : ١٤)

«مُصلين بكل صلاة وطلبة كل وقتٍ في الروح» - أفسس (٦ : ١٨)

«صلوا بلا انقطاع» - تسالونيكي الأولى (٥ : ١٧)

الكتاب المقدّس يدعونا مرارًا إلى الصلاة. لكن ما هي الصلاة؟ وما معنى أن نصلي بلا انقطاع؟ وهل الصلاة تؤثر فعلاً؟ قبل أن نتعمق في موضوع الصلاة، سيكون من المفيد أن نبدأ بتعريف كلمة صلاة، وكذلك موضوع صلواتنا كله، ألا وهو الله؟

 

الصلاة وطبيعة الله

دعنا نبدأ بالجزء الثاني. حتى نكتسب فكرة واضحة عن الصلاة، لابد أن يكون لنا فكرة واضحة عن الله. الكتاب المقدّس يقدِّم الله كشخص. وهذا أمر في غاية الأهمية بالنسبة للصلاة؛ لأن هذا يعني أن الله يمكن التواصل معه، وأن له مشيئة، وأننا قادرون على التواصل معه بشكل له معنى وغاية. فلو كان الله قوة مجردة، لن يكون للصلاة أي معنى. ولو كان شخصًا لكنه لا يهتم وبعيد عنا، فلن تجدي الصلاة نفعًا.

الله شخص، وليس هذا فحسب، لكنه أيضًا شخص محب (١يو ٤: ٨، ١٦؛ يو ٣: ١٦). وهذا الأمر أيضًا في غاية الأهمية لموضوع الصلاة. لو كان الله شخصًا لكنه غير مهتم وغير رحيم، في هذه الحالة ستكون الصلاة ضارة لنا وليست مفيدة. لكن الله ليس مُحبًا فقط، لكنه أيضًا كلي المحبة وكلي الإحسان. هذا يعني بالنسبة للصلاة أن الله يرغب دائمًا فيما هو الأفضل لنا لأنه يحبنا.

كذلك الله كلي القدرة، بمعنى أنه لا توجد صلاة خارج قدرته على الاستجابة.«لأنه ليس شيء غير ممكن لدى الله» (لو ١: ٣٧). ولو كان الله أقل من هذا، لن يكون لدينا أي ضمانة بأنه يستطيع أن يجيب أو حتى يسمع صلواتنا.

كذلك حقيقة أن الله كلي المعرفة مهمة جدًا لفكرة الصلاة. لو كان الله محدودًا، فهو لا يعرف كل ما يحدث في خليقته. ولو كان الأمر كذلك، فقد يغفل عن صلواتنا لأنها قد تكون خارج إطار معرفته. الكتاب المقدّس يقول بوضوح إن الله يعرف كل شيء (انظر مثلاً مز ١٣٩: ٢- ٤؛ ١٤٧: ٤ -٥؛ إش ٤٦: ١٠). ويقول يسوع عن علم الله الكلي: «أباكم يعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه» (متى ٦: ٨).

الله كلي الحكمة والقداسة أيضًا. فهو يعرف ما هو الأفضل بالنسبة لنا، وما سيقودنا إلى حياة القداسة، وليس حياة الخطية. الله أيضًا قريب بمعنى أنه عامل في خليقته بشكل شخصي، ولا يقتصر في عمله على توجيه الأحداث الكبرى في التاريخ، لكنه متداخل في حياة كل إنسان. هذا يعني أنه لا توجد صلاة أصغر مِن أن يراها.

وبالرغم من عجزنا عن التحدث عن كل صفات الله هنا، لكن توجد صفة إلهية في غاية الأهمية للصلاة. سيادة الله. الله يسود على كل شيء يحدث في هذا الكون. لا شيء يفاجئه، ولا شيء يحدث في حياتنا بعيدًا عن نطاق معرفته، حتى وإن كنا لا نفهم أعماله في أحيان كثيرة: «لأن أفكاري ليست أفكاركم، ولا طرقكم طرقي، يقول الرب. لأنه كما عَلَت السماوات عن الأرض، هكذا عَلَت طُرقي عن طرقكم وأفكاري عن أفكاركم» (إش ٥٥: ٨ -٩).

أمّا بشأن سماع صلواتنا والتجاوب معها، نحن مطمئنون أن الله سيفعل هذا على أساس صفاته الإلهية الكثيرة- طبيعته كشخص، محبته، قدرته، معرفته، حكمته، قداسته، عمله في خليقته وسيادته. كل هذه الصفات تلعب دورًا في كيفية تواصلنا مع الله في الصلاة وكيف هو يتواصل معنا.

 

أمور لا تعبِّر عن الصلاة

بعد أن أصبح لدينا صورة واضحة عن طبيعة الله، ربما من الجيد أن نتطرق مباشرة إلى تعريف الصلاة. لكن دعنا أولاً نلقي نظرة سريعة عن أمور لا تعبّر عن الصلاة (وهي أمور على سبيل المثال وليس الحصر).

الصلاة ليست سحرًا. ليس بمقدورنا أن نستدعي الله كما لو كان جنيًا، وننتظر منه أن يحقق لنا رغباتنا دون مراعاة لظروفنا أو التبعات.

الصلاة ليس فيها إجبار. رغم أنه يمكننا أن نقدِّم طلبات لله في الصلاة، لكننا لا نجرؤ أن نجبر الله على شيء. الله هو خالق الكون ولا يتلقى أوامر منّا.

الصلاة لفائدتنا نحن، وليس هو. نحن مَنْ نحتاج لعلاقة مع الله، وهي متاحة لنا من خلال يسوع المسيح، وندخل فيها من خلال الصلاة، لأننا نحقق هدف وجودنا عندما نكون في علاقة صحيحة مع خالقنا.

الصلاة ليست تحصينًا ضد المعاناة. «في العالم سيكون لكم ضيق» (يو ١٦: ٣٣). «أيها الأحباء، لا تستغربوا البلوى المحرقة التي بينكم حادثة، لأجل امتحانكم، كأنه أصابكم أمر غريب، بل كما اشتركتم في آلام المسيح، افرحوا لكي تفرحوا في استعلان مجده أيضًا مبتهجين» (بطرس الأولى ٤: ١٢ و١٣).

الصلاة ليس فرصة للتفاخر. «متى صليت فلا تكن كالمرائين، فإنهم يحبون أن يصلوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع، لكي يظهروا للناس» (متى ٦: ٥).

 

إذًا، ما هي الصلاة؟

نأتي الآن إلى تعريف الصلاة.. الصلاة هي علاقة نتواصل فيها باتضاع ونتعبد ونطلب بإخلاص وجه الرب، عالمين أنه يسمعنا ويحبنا وسوف يتجاوب معنا، حتى وإن لم يكن بالطريقة التي نتوقعها أو نرغب فيها دائمًا. قد تتضمن الصلاة اعترافًا، أو تسبيحًا، أو تمجيدًا، أو تضرعًا، أو تشفعًا، أو أشياء أخرى.

فضلاً عن ذلك، توجهنا القلبي في الصلاة له أهمية كبيرة. لابد أن نبتعد عن الكبرياء، وأن نتحلى بالتواضع (أف ٤: ٢؛ يع ٤: ١٠؛ ١بط ٥: ٦، إلخ). في ضوء هذه الفكرة نعرف أن آية «صلوا بلا انقطاع» (١تس ٥: ١٧) تعني من ناحية أننا لابد أن نجتهد دائمًا أن يكون لنا قلب مُصلٍّ. يجب أن نصلي كثيرًا وبانتظام، ليس بدافع من الواجب، بل من قلب متضع، مدركين اعتمادنا الكلي على الله في كل جوانب حياتنا.

خلال بقية المقالات، سنتطرق أكثر لموضوع الصلاة كالآتي:

-              مقال "الصلاة لها أسبابها"، وهو يتعرض لمسألة لماذا نصلي.

-              مقال "إمكانية الصلاة دائمًا"، ويشرح كيف أن الصلاة متاحة لنا باستمرار، وبالتالي فهي نبع روحي رائع يجب أن نذهب إليه باستمرار، وليس في أوقات الأزمات فقط.

-              مقال "التعلُّم من حياة الصلاة الخاصة بالرب يسوع"، وفيه نتعرض لصلوات كثيرة قالها يسوع، ونؤكد على الصلاة الربانيّة، وكذلك بعض عادات يسوع الخاصة بالصلاة، وكيف نتعلَّم من قدوته.

-              مقال "إشكاليات أمام الصلاة"، وفيه نتطرق لبعض التحديات والصعوبات الخاصة بالصلاة، ونجيب على أسئلة مثل "هل يصح أن نصلي لأعدائنا؟"، و"إذا كان الله ضابط الكل، فما الحاجة إلى الصلاة؟"

بينما نبحر سويًا في هذه الرحلة نحو فهم طبيعة وأهداف الصلاة، صلاتي أن يبارك الله في هذه الكلمات، وتساعدك على إثراء حياتك وحياتي بالصلوات المثمرة والمُبهجة. الصلاة يمكن أن تُحدث أثرًا عميقًا في عالمنا، لكن دورنا أن نقدِّم صلواتنا باتضاع وبانتظام.


 

[1] Unless otherwise noted, all Scripture quotations are from the New International Version of the Bible.

 

© 2019 Focus on the Family. All rights reserved. Used with permission. Originally published in English at focusonthefamily.com.