Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

 

بقلم: روبرت فيلاردي

للمزيد من هذه السلسلة:

                        ١- الصلاة وما تتركه من تأثير         ٢- إمكانية الصلاة دائمًا     ٣- الصلاة لها أسبابها

                                   ٤- التعلم من صلوات الرب يسوع     ٥- إشكاليات أمام الصلاة

 

نقرأ في بشارة لوقا: «وإذ كان يصلي في موضع، لمّا فرغ، قال واحد من تلاميذه: يارب، علّمنا أن نصلي كما علَّم يوحنا أيضًا تلاميذه» (لو ١١: ١).

هناك الكثير لنتعلمه من هذه الآية، بالإضافة إلى الصلاة الربانيّة التي وردت في الآيات التالية. فنحن نتعلَّم أن ما أثار فضول واحد من تلاميذ المسيح لم يُذكر اسمه ليتعلَّم عن الصلاة هو أنه رأى يسوع يصلي.

كما نتعلَّم أن يوحنا المعمدان علَّم تلاميذه أن يصلوا، ونتيجة لذلك كان تلاميذ يسوع مهتمين بأن يتعلموا الصلاة، أو على الأقل واحد منهم كان مهتمًا بذلك! أليس من اللافت أنه من بين التلاميذ كلهم واحد فقط طلب مِن المسيح أن يعلِّمه الصلاة؟ يبدو أحيانًا أن الكنيسة في موقف مشابه اليوم فيما يتعلّق بالصلاة. نحن نتحدث عن الصلاة، نحن ندرس موضوع الصلاة، نحن نتلو صلواتنا، لكن كم واحد منّا يطلب بغيرة وصدق من الله أن يعلِّمه الصلاة!

 

لماذا كان يسوع يُصلي؟

من الطرق التي تعلمنا أن نصلي تكون من خلال النظر إلى حياة الصلاة الخاصة بيسوع. رغم أن الأناجيل لا تقدِّم سيرة تفصيلية عن حياة المسيح، فهي تقدّم ومضات جذابة وآسرة عن حياة الصلاة الخاصة به. ومع ذلك من المفيد في البداية أن نجيب على سؤال: لماذا كان يسوع يصلي؟ هذا السؤال يبدو مُحيرًا في أحيان كثيرة للمسيحيين. في النهاية، إذا كان المسيح هو الله، فلماذا كان يصلي؟

من الناحية اللاهوتية، هناك على الأقل ثلاثة أسباب تفسّر لماذا كان يسوع يصلي. السبب الأول، كان يسوع يصلي كقدوة لتلاميذه. هذه قدوة لا نزال نتعلَّمها منه، كما يظهر في هذا المقال. السبب الثاني، التجسُّد يشتمل على الجانب الإنساني والجانب الإلهي في شخص يسوع المسيح. من حيث ناسوته، من الطبيعي جدًا للمسيح بصفته مؤمنًا يهوديًا أن يصلي. السبب الثالث، طبيعة الثالوث تسمح بالتواصل بين الأقانيم.. فالمسيح بصفته الله الابن يستطيع أن يصلي إلى الله الآب.

 

الرب يسوع والصلاة

كان يسوع يصلي للآخرين. في متى ١٩: ١٣ نقرأ: «حينئذٍ قُدّم إليه أولاد لكي يضع يديه عليهم ويصلي». بالرغم من حقيقة أن التلاميذ انتهروهم، لكن يسوع رفض منع الأطفال «لأن لمِثل هؤلاء ملكوت السماوات» (ع ١٤). كما نقرأ في بشارة يوحنا: «من أجلهم أنا أسأل. لستُ أسأل من أجل العالم، بل من أجل الذين أعطيتني لأنهم لك» (يو ١٧: ٩). هذا يؤكد على الاحتياج للصلاة التشفعية.

كان يسوع يصلي مع الآخرين. يقول البشير لوقا: «أخذ (يسوع) بطرس ويوحنا ويعقوب وصعد إلى جبل ليصلي» (لو ٩: ٢٨). كان يسوع يصلي أحيانًا منفردًا، كما سيأتي فيما بعد، لكنه كان يعرف قيمة الصلاة مع الآخرين. ويؤكد سفر الأعمال على أهمية صلاة االمؤمنين مع بعضهم البعض: «هؤلاء كلهم كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة» (أع ١: ١٤).

كان يسوع يصلي منفردًا. نقرأ في إنجيل لوقا: «أمَّا هو فكان يعتزل في البراري ويصلي» (لو ٥: ١٦). فبقدر ما أدرك يسوع قيمة الصلاة مع الآخرين ومن أجلهم، كذلك أدرك الاحتياج للصلاة منفردًا. يقول المزمور: «كُفّوا (استكينوا) واعلموا أني أنا الله» (مز ٤٦: ١٠). أحيانًا من المهم لنا أن "نستكين" أمام الله، لكن الطريقة الوحيدة لفعل ذلك، وبالأخص في ثقافتنا المحمومة، هو أن نفعل ذلك منفردين مع الله.

كان يسوع يصلي في الطبيعة. يقول المزمور: «السماوات تحدِّث بمجد الله، والفَلك يُخبر بعمل يديه» (مز ١٩: ١). أي مكان أفضل نتهامس فيه مع خالقنا أكثر من عجائب الطبيعة؟ يقول لوقا: «في تلك الأيام خرج إلى الجبل ليصلي..» (لو ٦: ١٢). كان بإمكانه الذهاب إلى أحد البيوت، أو إلى المجمع، أو لو كان بالقرب من أورشليم كان يمكنه الذهاب إلى الهيكل ليصلي. لكن في أوقات قرر يسوع بأن يصلي حيث هو، وحدث هذا في أماكن طبيعية. تحيط بنا أشياء كثيرة من صُنع البشر بحيث يكون من الصعب أحيانًا أن نتذكر أن هذا ليس عالمنا، لكنه عالم الله (تك ١: ١؛ مز ٢٤: ١) المملوء بعجائب لنتمتّع بها.

كان بإمكان يسوع أن يصلي صلوات قصيرة سريعة وصلوات طويلة أيضًا. الصلاة الربانية مليئة بالحكمة، لكنها قصيرة نسبيًا ليسهل حفظها، وهي نموذج للصلوات القصيرة السريعة. لكن يسوع كان يعرف أيضًا كيف يكرس أوقاتًا طويلة للصلاة. عندما نقرأ لو ٦: ،١٢ ونعرف أن يسوع "قضى الليل كله في الصلاة لله"، نفهم أنه يجب علينا ألا نكتفي بالصلوات القصيرة، بل يجب أن نكرس أوقاتًا طويلة مِن حياتنا في الصلاة.

كان يسوع يصلي بانتظام. هذه الفكرة نستنتجها من نص ذكرناه سابقًا هو لوقا ٥: ١٦ «أمّا هو (يسوع) فكان يعتزل في البراري ويصلي». يبدو من الآية أنه كان دائم الانتظام على الصلاة. وكلما نقرأ في الأناجيل الأربعة عن يسوع والصلاة، نشعر بأن هذا الشيء كان معتادًا ومنتظمًا بالنسبة له. كانت الصلاة ببساطة جزءًا من نظرته للعالم، وجزءًا مكملاً لكل جانب من جوانب حياته. هل نقدر أن نقول نفس الشيء عن صلواتنا؟

كانت صلوات يسوع حارة. لم يكن يسوع يصلي بطريقة باردة أو فاترة، ولكن في تضرع قلبي، مُظهرًا عواطف وحبًا صادقًا لله. هذا ما نراه بوضوح في يوحنا ١٧، حيث كان يسوع يصلي من أجل ذاته، ومن أجل تلاميذه، وكذلك من أجل كل المؤمنين.

كان يسوع يصلي بناءً على معرفته بالله والحق الإلهي. كانت صلوات يسوع مبنية على الحقائق الإلهية المُعلنة، وتتماشى مع الرؤية الكتابية الراسخة. في يوحنا ٤: ٢٤ يقول يسوع: «الله روح. والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا». وكذلك قال: «تعرفون الحقّ، والحق يحرركم» (يو ٨: ٣٢)، مؤكدًا على أهمية الحق في حياة المسيح، ومِن ثَم في حياتنا. الصلاة الصحيحة تحتاج منا فهمًا صادقًا لله، وفهمًا لما أعلنه لنا من خلال كلمته.

علّم يسوع المثابرة في الصلاة. «وقال لهم أيضًا مثلاً في أنه ينبغي أن يُصلى كل حين ولا يُمل» (لو ١٨: ١). ليس المقصود من هذا المَثل أن يصوِّر تلميذًا مزعجًا يواصل إزعاجه لله لدرجة تجعله يستجيب في النهاية، ولكن المقصود هو المثابرة في الصلاة وانتظار الله وتوقيتاته.

كان يسوع يعرف أنه لا تُستجاب كل الصلوات كما يُتوقع. وهذا درس صعب يجب تعلُّمه في حياة الصلاة. الواقع يقول إنه لا تُستجاب كل صلواتنا بالطريقة التي ننتظرها. أكّد يسوع على هذا الدرس الصعب عندما كان يصرخ إلى الله الآب في بستان جثسيماني (مت ٢٦: ٣٦- ٤٤). في ثلاث مرات صلى يسوع لله ليوفر طريقًا أسهل، لكن يسوع قال: «ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت» (٢٦: ٣٩). الصلاة غير المستجابة تمثّل تحديًا للحياة المسيحية، وهو ما سنناقشه بمزيد من التفصيل في مقال آخر من هذه السلسلة.

 

كما تريد أنت

عندما صلى يسوع في جثسيماني: «ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت»، عبّر عن فكرة تبدو بسيطة ولكنها في منتهى العمق عن الصلاة: الله يملك زمام الأمور. بينما نتعلَّم عن حياة الصلاة الخاصة بالرب يسوع، وهناك الكثير لنتعلَّمه، نحتاج أن نتذكر دائمًا المبدأ الأشمل. سأل أحد التلاميذ يسوع: «علِّمنا أن نصلي» (لو ١١: ١)، فأجابه يسوع وعلَّمهم الصلاة الربانيّة. لكن عندما ندرس حياة الصلاة الخاصة بالرب يسوع، سنتعلَّم حقائق هامة جدًا عن الصلاة الربانيّة، وليس هذا فحسب، بل والكثير من الأمور الأخرى.


[1] Unless otherwise noted, all Scripture quotations are from the New International Version of the Bible.

 

© 2019 Focus on the Family. All rights reserved. Used with permission. Originally published in English at focusonthefamily.com.