بقلم: دكتوره ميج ميكر
على مدار العقود القليلة الماضية، ارتفعت بشكل ملحوظ أعداد الأطفال الذين تم تشخيصهم بمرض التوحُّد. وربما يعود ذلك إلى التقدم في مجال التشخيص، أو إلى اتساع تعريف مرض التوحد. تناقش دكتوره ميج ميكر ماذا يمكن للوالدين أن يفعلا إذا تم تشخيص طفلهم بالتوحد.
لقد اكتسب اضطراب طيف التوحد (ASD) قدرًا كبيرًا من الاهتمام على مدار العقود الماضية. وسواء كنت أبًا/ أمًا لطفل يعاني من مرض التوحد أو لديك صديق أو قريب مصاب به، فمن الهام جدًا أن تتعرف على بعض الحقائق الأساسية عن التوحد.
ما هو اضطراب طيف التوحد (ASD)؟
التوحد هو اضطراب عصبي وخلل في النمو يظهر بدرجات متفاوتة (طيف) بحسب شدة الأعراض. ما كنا ندعوه في السابق بالتوحد نسميه الآن باضطراب طيف التوحد (ASD)، وذلك بسبب التفاوت الكبير في الأعراض. عادة ما يُظهر الأطفال المصابون بهذا الاضطراب السلوكيات التالية:
مشكلات في التواصل والتفاعل مع الآخرين.
قلة الاهتمام أو النشاط.
ضعف أو تأخر في الكلام.
تكرار الكلمات أو العبارات، وقد يصاحبه أنماط حركية متكلفة وغريبة، مثل رفرفة اليدين أو تدوير الأشياء.
قلة أو غياب التواصل البصري.
غياب الاهتمام في العلاقات مع الأطفال في نفس العمر.
غياب الاهتمام بالتقليد أو اللعب التخيلي.
تركيز مستمر على أجزاء من أشياء.
القائمة السابقة ليست حصرية، وأشجعكم على زيارة بعض المواقع الإلكترونية الواردة في نهاية هذا المقال للمزيد عن الصورة الكاملة لاضطراب طيف التوحد (ASD).
يختلف التوحد من طفل لآخر. فقد تتضمن الأعراض الشديدة التأخر في النمو، والصعوبة في أداء المهام البسيطة، وعدم القدرة على الكلام. ومن الأعراض الأقل حدة: الخجل الاجتماعي، الصعوبة في التعبير عن العاطفة، حالة من الجمود أو عدم الارتياح عند التواصل البصري مع الآخرين.
كل الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد (ASD) قد يظهرون سلوكيات متكررة، أو يبدون منعزلين، أو يجدون صعوبة في إظهار المشاعر.
ما الفرق بين التوحد ومتلازمة آسبرجر (Asperger’s )؟
لم تعد متلازمة آسبرجر تشخيصًا منفصلاً، لكنها تُصنف الآن كجزء من طيف التوحد. كما تتشابه أعراض متلازمة آسبرجر بالأعراض الشديدة في التوحد، لكنها تكون أقل حدة بالمقارنة (ربما سمعت أنه يشار إليها باعتبارها درجة مرتفعة من التوحد النشط). في الواقع هذا يجعل تشخيص متلازمة آسبرجر أمرًا صعبًا.
قد تتضمن الأعراض:
ضعف التواصل البصري.
الحرج الاجتماعي.
عدم التقاط الإشارات الاجتماعية غير اللفظية.
إظهار القليل من المشاعر.
التحدث بنبرة واحدة.
إيجاد صعوبة مع التغيير.
السلوكيات المتكررة.
التركيز على بعض الأمور (الطعام، الملابس، الألعاب).
التركيز على القواعد.
الأطفال المصابون بمتلازمة آسبرجر ربما لا يُشخَّصون بهذا المرض حتى يكبرون، لأن بعض الأشخاص تكون الأعراض لديهم خفيفة للغاية. بعض الأشخاص لا يُكتشف هذا المرض لديهم إلا بعد وصولهم لسن الرشد.
هل يتزايد معدل الانتشار؟
في الولايات المتحدة الأمريكية يصيب اضطراب طيف التوحد طفلاً من كل ٥٩ طفلاً. وهو شائع بين الصبيان أكثر من انتشاره بين الفتيات بمقدار أربعة أضعاف. لقد ازداد انتشار التوحد في الولايات المتحدة مؤخرًا، ولا نعرف هل يرجع هذا إلى تطور وسائل التشخيص، أم اتساع مجال التشخيص ليضم الفتيات والصبيان، بدءًا من التوحد العنيف وحتى الإصابة بمتلازمة آسبرجر.
غير أنه في عام ٢٠٠٠م كان يُشخَّص بالتوحد طفلاً واحدًا بين ١٥٠ طفل – وهو ما يعني نسبة أقل بمقدار ثلاثة أضعاف بالمقارنة بما يسجله اليوم مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC).
ماذا تفعل إذا شككت أن طفلك يعاني من اضطراب طيف التوحد؟
أول كل شيء، دوِّن قائمة بالسلوكيات التي تقلقك. ثم حدِّد موعدًا مع طبيب أطفال لتشرح له ما يقلقك. اطلب أن تقضي وقتًا أطول مع طبيبك حتى يتسنى له عمل فحص دقيق والتعرف على تاريخ دقيق لمراحل نضوج طفلك. إذا لم يتأكد الطبيب من إصابة الطفل باضطراب طيف التوحد، اطلب أن تعاود زيارته بعد شهرين لإعادة تقييم الحالة، أو اطلب منه أن يحولك إلى طبيب أكثر تخصصًا وقدرة على تشخيص اضطراب طيف التوحد. كلما تم اكتشاف الحالة مبكرة، كان ذلك أفضل. ثم يمكنك بعد ذلك البدء في العلاج مبكرًا.
خلال السنوات المبكرة من حياة طفلك، وبالأخص أول سنتين، قم بزيارة طبيب الأطفال بشكل منتظم. جزء من كل فحص هو متابعة نمو طفلك ورصد أية تأخيرات غير واضحة تمامًا.
في حالات كثيرة يمكن لأي شخص يلاحظ من خارج أن يرصد مشكلات غير واضحة ولا يستطيع الأب/ الأم رؤيتها، وذلك ببساطة لأن الأب والأم متواجدان مع الطفل طوال الوقت. والعكس صحيح أيضًا. قد يرصد الآباء والأمهات بعض العلامات في وقت مبكر جدًا. أخبرني بعض الآباء والأمهات أنه في عمر أربعة أشهر أدركوا أن هناك شيئًا مختلفًا في سلوكيات طفلهم.
كيف تحصل على تشخيص صحيح؟
أول كل شيء، كما ذكرنا من قبل، توجَّه إلى طبيب الأطفال لتقييم الحالة. في أغلب الأوقات يستطيع طبيب الأطفال المتمرس تشخيص الحالة، وترشيح بعض المختصين في هذا المجال لمساعدة طفلك.
على الأرجح ستحتاج أيضًا لزيارة طبيب أطفال متخصص في مجال الأعصاب لتقييم الجهاز العصبي لطفلك. فضلاً عن ذلك، يجب زيارة طبيب نفسي لتقييم حالة طفلك أيضًا.
إذا كان طفلك صغيرًا في السن جدًا، ناقش توقيت هذه الزيارات مع طبيب الأطفال الخاص بك. ربما تحتاج لمعالج مهني ليساعد طفلك في الأمور المتعلقة بالحواس أو أية احتياجات خاصة أخرى. أخيرًا ربما تحتاج استشارة أخصائي تغذية. كثير من الأطفال المصابين بالتوحد لا يأكلون إلا أشياء بعينها، وربما يجدون صعوبة في الحصول على ما يكفي من السعرات الحرارية. هناك بعض الأدوية التي تُستخدم لعلاج مشكلات الانتباه أو فرط الحركة، وقد تقلل هذه الأدوية من شهية طفلك.
إذا كان لديك جمعية أصدقاء مرضى التوحد أو مجموعة مساندة، يمكنك الانضمام لها. فالآباء والأمهات الذين تعاملوا مع اضطراب طيف التوحد، والأخصائيون الذين استثمروا بعملهم في علاج هذا المرض، سيضيفون قيمة كبيرة لك. يمكنهم توجيهك نحو أفضل المصادر والإمكانيات المتوفرة بالقرب منك.
كيف يُعالج اضطراب طيف التوحد؟
بالرغم من أننا لا نعرف مسببات مرض التوحد، فأفضل شيء هو تشخيص المرض مبكرًا حتى يتمكن الطفل من الحصول على مساعدة. يتفاوت البرنامج العلاجي للتوحد وفقًا للخدمات المتاحة في مجتمعك، لكنه يتركز حول التدخل النفسي، خاصة ما يُسمى بعلاج التحليل السلوكي التطبيقي (ABA) (Applied Behavioral Analysis). أطباء كثيرون يضيفون بعض العقاقير في خطة العلاج، لكن الأطباء النفسيين والمتخصصين في السلوك والنمو يجب أن يكونوا هم فقط مَنْ يكتبون وصفات طبية تحتوي على عقاقير.
بعض الآباء والأمهات والمتخصصين ينادون بتغيير النظام الغذائي للطفل. البعض يتجنب منتجات الألبان، والبعض الآخر يتجنب الجلوتين، والخضراوات أو بعض البروتينات. سمعت قصصًا عن أطفال مصابين باضطراب طيف التوحد غير قادرين على تحمُّل بعض الأطعمة. آباء وأمهات كثيرون يجربون أشياء كثيرة في النظام الغذائي للطفل ليروا أي طعام نافع لأبنائهم. كما وجدت آباء وأمهات يخبرونني بأن تجنُّب الذرة، أو منتجات الألبان، أو الجلوتين، أو إضافة مكملات طبيعية، قد أدى إلى تحسن الأعراض لدى أطفالهم.
هذه القصص قد تكون صحيحة. لكن المشكلة تتلخص في أنه ليس لدينا أبحاث علمية موثقة لدعم هذه المزاعم. إذا قرأت أن إضافة شيء أو تجنب شيء في النظام الغذائي كان له أثر جيد على طفل ما، تذكر أن القصة هي مجرد خبرة شخصية. والتغيير الذي صار نافعًا لطفل ما، ربما لا يفيد طفلك أيضًا. قد يصر أحد الوالدين معاندًا بأن شيئًا ما كان السبب في معاناة طفله بالتوحد، أو كان السبب في تحسنه، لكن عادة ما يكون هذا ليس أكثر من الصدفة.
السبب في مناقشتي هذه الأمور ليس إحباطكم أو تشويه صورة الآباء والأمهات الذي يفعلون ذلك، ولكن لأشرح أنه بينما ساعد هذا التغيير أحد الأطفال، فقد لا يساعد الأطفال الآخرين. عندما يجرِّب الآباء والأمهات كل وسيلة يقترحها الآخرون، قد ينتهي بهم الأمر إلى السير في مسارات كثيرة لا طائل منها. قد يصدق الآباء والأمهات أنهم يستطيعون التحكم في مرض أبنائهم، ويلومون أنفسهم لفشلهم في إيجاد العلاج الصحيح، وهذا لا يؤدي إلى شيء سوى الإحباط والذنب.
يجب أن تحصل على دعم ومساندة لنفسك وعائلتك، بحيث يمكنك التحدث عن الإمكانيات المتاحة، وما يشغلك، وكذلك مناقشة الإحباطات. بعض الآباء والأمهات يفضلون الاعتماد على دعم الأصدقاء والعائلة، وهذا رائع. لكن كثيرين منهم يجدون من النافع أن ينضموا إلى مجموعة مساندة خاصة بمرضى التوحد. من الهام للغاية لكل الآباء والأمهات الذين لديهم أبناء مصابون بالتوحد أن ينشئوا منظومة دعم قوية.
إن تربية أبناء مصابين بالتوحد، بصرف النظر عن شدة الحالة، تفرض تحديات صعبة على أي والدين. أحد أسوأ الأشياء التي يمكنك فعلها هو أن تفصل نفسك عن طفلك، وترفض الحصول على دعم جيد، لذلك اسعَ للاستفادة من جمعيات أصدقاء مرضى التوحد الموجودة بالقرب من سكنك، وقم بزيارة مقرات بعض المنظمات الأهلية الجيدة لتحصل على الإجابات التي تحتاجها لأسئلتك.
بعض المواقع المفيدة عن مرض التوحد:
www.autismspeaks.org/what-autism
www.webmd.com/brian/autism/symptoms-of-autism
© 2019 Dr. Meg Meeker. All rights reserved. Used with permission. Originally published at focusonthefamily.com.