كيف تكونين أمًا بحسب مشيئة الله
بقلم: كارول كوبي
قد يخبرنا العالم بأننا يجب أن نرقى لبعض التوقعات والمعايير عن الكمال، لكن توقعات الله منكِ مختلفة تمامًا. من الهام لنا كأمهات أن نركز على معايير الله للكمال في حياتنا ولا نركز على معايير العالم. التركيز على الله يمنحنا سلامًا وتوجيهًا بينما نقوم بدورنا الأمومي تجاه أبنائنا.
الأم المثالية
كانت سارة تربي ثلاثة أطفال تحت سن السادسة. كان الصَبيَّان والفتاة في حركة مستمرة، وكانوا يضعون أياديهم على كل شيء. كانت سارة تحب أطفالها أكثر من أي شيء آخر، لكنها كانت منهكة دائمًا. كان كل ما تستطيع أن تفعله أنها تتسلل في بعض الأيام لتأخذ حمامًا تحت الدُّش لمدة خمس دقائق. هل كان لديها وقت لتصفف شعرها أو تضع المكياﭺ؟ هذا مستحيل! إذ فضلاً عن ذلك، كانت تحتاج إلى هذا الوقت لغسل الملابس، أو ترتيب الدُمى في غرفة المعيشة، أو إدخال شيء في الفرن لمعرض المأكولات المقام في الكنيسة. لم تكن تعرف كيف تتمكن جارتها ﭼسيكا من إنجاز كل شيء وكيف تبدو أمًا مثالية.
كان لـﭼسيكا ثلاثة أطفال لكنها لم يظهر عليها أبدًا نفاذ طاقتها.. دائمًا ما كان شعرها ومكياﭼها في صورة مثالية، وكانت دائمًا ترتدي ملابس أنيقة جدًا، وليس البنطلونات والتيشرتات الرياضية الواسعة مثلما اعتادت سارة. كانت ﭼسيكا تضع العشاء على المائدة في تمام الساعة السادسة مساءً، وهذا يكون بعد عملها لدوام كامل، وممارسة الرياضة. وماذا عن كل الصور التي تضعها ﭼسيكا على إنستجرام؟ ما كانت لتجسِّد حياة أكثر مثالية لو قام الرسام الأمريكي نورمان روكويل برسم لوحة عنها.
كيف تحقق ﭼسيكا كل هذا؟ كانت تبدو كأم مثالية. على الجانب الآخر، كانت سارة تعاني من أجل أن تغسل أسنانها في الصباح بينما يتعلق أطفالها بذراعيها ورجليها، طالبين الاهتمام بهم. في كل يوم كانت سارة تقارن نفسها بالأمهات الأخريات اللواتي اعتبرتهن نساء فوق العادة. وكل يوم كانت تشعر بالإحباط أكثر فأكثر.
الضغط من أجل المثالية
في استطلاع رأي أُجري مؤخرًا وجِد أنه من بين ٣ آلاف شخص تمت مقابلتهم كانت ٦٠% من الأمهات يشعرن بالفشل، خاصة خلال العام الأول من الأمومة. أمهات كثيرات يشعرن بالذنب، لأنهن عاجزات عن الارتقاء إلى معايير الكمال التي يروِّج لها المجتمع باستمرار. الرؤى عن «الأم المثالية» تُعرض في الأفلام والمجلات والسوشيال ميديا، وهي تمنحنا قائمة طويلة من كل الأشياء التي نحتاج للقيام بها والتحول إليها من أجل أن نصير أمهات مثاليات. ونحن نخسر أنفسنا في النضال من أجل تحقيق كل بند من هذه القائمة التي تتغيَّر باستمرار.
الحقيقة هي الآتي: لا يوجد شيء يُسمى الأم المثالية.. هذه خرافة، ووهم.
حتى هؤلاء الأمهات اللواتي ربما ننظر إليهن كأمهات مثاليات -مثلما كانت سارة ترى ﭼسيكا- هن غير مثاليات مثلكِ ومثلي. هؤلاء النسوة لديهن صراعاتهن الخاصة. فقط نحن لا نرى الصورة الكاملة.
الأمر يتعلق بوجهة النظر
السوشيال ميديا بشكل خاص جعلت من السهل علينا أن نتحكم في الجوانب التي نريد أن نظهرها للعالم من حياتنا. على سبيل المثال، تخيَّلي أن لديك تفاحة في يديك، وكان أحد جوانبها مثاليًا تمامًا بقشرتها الحمراء اللامعة، وتبدو لذيذة الطعم. بينما على الجانب الآخر، بعد قضم هذه الثمرة، انكشف الجزء الداخلي منها. فإذا تم تصوير التفاحة من الجانب السليم، لن يستطيع أحد أن يخمن غياب قطعة من التفاحة على الجانب الخلفي؛ لأنه من ذلك الاتجاه فقط تبدو التفاحة مثالية.
هذه التفاحة تمثل الحياة التي نعيشها كأمهات.. كثيرًا ما نختار ما الذي سنُظهره لهذا العالم، وكذلك لأصدقائنا وجيراننا. عندما ننظر إلى أمهات أخريات ونرى المثالية، من الهام أن نتذكر أننا في نفس المركب معهن. إنهن يرغبن فيما هو أفضل لأطفالهن، وكذلك نحن نجاهد من أجل أن نكون الأمهات المثاليات لأطفالنا. كل أم تواجه صراعات وتحديات في كل يوم، وجميعنا لم نصل إلى الهدف الذي وضعه العالم أمامنا.
الكمال أمر نسبي
تذكري القائمة الطويلة من الأشياء التي نحتاج أن نقوم بها لكي ما نبلغ هذه الحالة من ”المثالية“؟ هذه القائمة تتغير باستمرار، وهي قائمة نسبية بشكل مذهل. ضعي خمسة أشخاص في غرفة معًا، وستجدين أن لكل واحد منهم رأيًا مختلفًا عن تفاصيل هذه المثالية. على سبيل المثال، تخيَّلي اثنين من صانعي الفخار يجلسان بجوار أحدهما الآخر ويصنعان مزهريتين من الطمي. الصانع الأول ربما يعتقد أن إناء الفخار الذي يتصف بالتناسق المطلق في الأبعاد هو العمل المثالي، لذا سيناضل من أجل أن يجعل المزهرية في أعلى درجة من التناسق. الصانع الثاني ربما يعتقد أن التجريد يُعبر عن المثالية، لذا سيعمل على ابتكار مزهرية تبدو كما لو أنها خرجت من يدي بيكاسو.
عندما يراجع كل منهما عمل الآخر، سيرصدان عيوبًا، لأنهما لم يجدا ما يتطابق مع فكرتهما عن الكمال. نفس الشيء يسري على الأمومة.. كل أحد سيكون له أفكاره وآراؤه الخاصة عن كيف يجب أن تبدو الأم المثالية. الكثير من هذه الآراء تتعارض فيما بينها؛ وإذا حاولنا أن نرضي الجميع، سنفشل في كل المرات.
أمهات مثاليات، أطفال مثاليون
لا نشعر فقط بضغط هائل لنكون أمهات مثاليات، لكننا نشعر بالضغط أيضًا ليكون أطفالنا مثاليين. العالم يقودنا إلى تصديق أنه إذا نجحنا في أن نكون أمهات مثاليات، فإن أطفالنا سيصبحون مثاليين، وسيكبرون ليصبحوا أفرادًا مهمين ومساهمين في المجتمع.
إن قيمة أطفالك لا تتحدد بمقدار مثالية أمهم، أو بجوانب هذه المثالية. لقد وضع الله قيمة هائلة على كل حياة بصرف النظر عن مثل هذه المعايير. كأم يمكنك أن تعلمي أبناءكِ أن يساهموا في حياة الآخرين. يمكنهم أن يكبروا ليصيروا رجالاً ونساءً مذهلين وقادرين على تغيير العالم، بدون الضغط نحو المثالية والكمال.
إذا كنا منشغلات جدًا في نضالنا نحو تحقيق صورة الأم المثالية، فنحن نخسر فرصًا للتواصل مع أطفالنا. سيكون اهتمامنا مركزًا على كل شيء آخر، وليس عليهم. وسيلاحظ أطفالك هذا، وسيدركون على الفور أنهم لا بد أن يرتقوا إلى بعض التوقعات والمعايير بعينها. وبالسعي المستمر نحو الكمال، نحن نعلمهم أن كل شيء أقل من المثالية يمثل فشلاً، وأن الفشل غير مقبول. يمكن للأطفال أن يصدقوا أنه إذا لم تتحقق هذه التوقعات وهذا المستوى من الكمال، فلن يستحقوا محبتنا. ولأن الكمال لا يمكن تحقيقه، فإنهم سيشعرون دائمًا كما لو كانوا فاشلين.
إن ربط أطفالنا بهذا المعيار من الكمال قد يدفعهم إلى التمرد، وبالتالي تتوتر علاقتنا بهم. كذلك قد يؤثر هذا على علاقتهم بالله. لا بد أن نحرص كأمهات على أن يكون تركيزنا على محبة أطفالنا وتعليمهم، ولا يكون تركيزنا على السعي نحو الكمال.
خلقنا الله كاملين بنقائصنا
وبالتالي ما هو الخبر السار في كل هذا؟ الله هو مَنْ خلقكِ كاملة بكل ما فيكِ من نقائص.
كمؤمنين نحن نتكمَّل في المسيح. لقد غُفرت خطايانا وصرنا كاملين فيه. أنتِ كاملة في عينيه. لقد خلقكِ كما أنتِ هكذا بكل ما لديكِ من نقاط قوة وضعف وسمات غريبة ونقائص. لقد خلقكِ عن قصد لتكوني تلك الأم التي يحتاجها أبناؤكِ. فكِّري في الأمر: كان بإمكان الله أن يمنح ابنك أو ابنتك أمًا أخرى. لكنه لم يفعل! لقد أعطاكِ لأبنائكِ. وكان يعرف أن أبناءكِ سيحتاجون إلى التوجُّه والحياة والحب الذي لا يمكن لأحد أن يقدمه سواكِ. أنتِ هي الأم الكاملة لأبنائكِ!
قد يخبرنا العالم بأننا يجب أن نرقى لبعض التوقعات والمعايير عن الكمال، لكن توقعات الله منكِ مختلفة تمامًا. من الهام لنا كأمهات أن نركز على معايير الله للكمال في حياتنا ولا نركز على معايير العالم. التركيز على الله يمنحنا سلامًا وتوجيهًا بينما نقوم بدورنا الأمومي تجاه أبنائنا.
لا أقول إن هذا سيكون سهلاً. حتى مع وجود الله بجانبكِ، سنواجه التوترات والتحديات بينما نربي أبناءنا. وسنتشكك أحيانًا في قيمتنا كأمهات. لكن تذكري لقد خلقكِ الله لوقت مثل هذا. لقد خلقكِ لتربي أطفالكِ بحب وبثقة. وبالتالي كيف نتكئ على صدر الله ونخلق توقعات معقولة في سعينا لنكون أمهات مذهلات؟ فيما يلي بعض الأفكار التي تساعدكِ على ضبط التوقعات وعلى أن تُظهري لأطفالكِ أنكِ تركزين بالأكثر عليهم وليس على معايير الكمال.
ينبغي ولا ينبغي – ضبط التوقعات المنطقية
إذا جلستِ لتدوني قائمة بكل الأشياء التي تشعرين أنه ينبغي عليكِ القيام بها لتكوني أمًا مثالية، كيف ستبدو هذه القائمة؟ وما هو طولها؟ وأي التوقعات كتبتِ فيها؟
اقضي نصف دقيقة لتكتبي أكبر عدد ممكن من الأشياء التي ينبغي أن تفعليها لتكوني أمًا مثالية. هل انتهت نصف الدقيقة؟ توقفي!
الآن ألقي نظرة على هذه الأشياء التي ينبغي أن تفعليها. على سبيل المثال، ربما كتبتِ ”الملابس والأطباق ينبغي دائمًا أن أغسلها“ أو ربما كتبتِ ”ينبغي أن يظهر أولادي دائمًا مهندمين ومنظمين“.
عنما تقولين كلمتي ”ينبغي“ و”لا ينبغي“، فنحن نغرس توقعات غير منطقية عن كيف يجب أن تسير الأمور في أذهاننا. فعندما لا تُغسل الملابس، أو تتسخ ملابس أطفالنا بالتراب بسبب لعبهم، نشعر أننا فشلنا. هذا الفشل يبدو كضربة موجهة ضد الكمال والمثالية الذي نبحث عنه كأمهات.
وبالتالي، بدلاً من استخدام كلمات مثل ”ينبغي“ و”لا ينبغي“، و”دائمًا“ و”أبدًا“، حاولي استخدام كلمات مثل ”يمكن أن“. هذا يساعدنا أن نتحلى بالنعمة والصبر حين لا تسير الأمور كما هو مخطط لها. على سبيل المثال: ”يمكن لأطفالي أن يساعدوني في أداء المتطلبات المنزلية“. وعندما يظهر شيء يغير الخطة، لا نقسو على أنفسنا. كلمة ”يمكن“ تسمح بمساحة من المرونة في خططنا وتساعدنا على وضع توقعات منطقية.
الأم المثالية
تذكري أن الله خلقكِ متفردة.. لقد خُلقتِ بإعجاز الله المدهش (انظري مزمور ١٣٩: ١٤). لقد صمم كل التفاصيل الدقيقة في كيانكِ وشخصيتكِ.. أنتِ كاملة أمامه. اتكلي على الله بينما تسيرين هذه الرحلة الرائعة التي تُسمى الأمومة. ثقي به ليرشدكِ إلى ما هو الأفضل لأبنائكِ.
تذكري أنكِ الأم التي يحتاجها أطفالكِ.
أنتِ تقومين بدورك كأم بشكل رائع. الشيء الهام أنكِ تستيقظين كل يوم وتواصلين دوركِ، وتستمرين في تقديم الحب لأطفالكِ، وتؤكدين على حضوركِ في حياتهم. كما تجسدين حب المسيح الثابت بينما تفعلين ذلك. أنتِ هي الأم التي خلقكِ الله لتكونيها.. وهذا ما يجعلكِ أمًا كاملة.
© 2022 Focus on the Family. All rights reserved. Used with permission. Originally published at focusonthefamily.com.
مقالات ذات صلة:
|
التعامل مع ما يثير الإحباط في الأمومة | مراحل الأمومة |