بقلم: ﭼوني ديبرتو
أيتها الأم، أنتِ مذهلة حقًا! أنتِ متفردة. يمكنكِ أن تصنعي فرقًا في حياة أولادكِ، والحقيقة الواضحة أنه لم ولن توجد أم مثلكِ في كل شيء.
عندما كانت ابنتي في عمر الحادية عشر تقريبًا، لاحظت في أحد الأيام قدرًا غير معتاد من الضوضاء في غرفتها. وتساءلت ماذا يجري بالداخل. فخرجت من غرفتها وجاءت إليَّ بتعبيرات الغضب على وجهها قائلة: ”حسنًا، أين هي يا أمي؟“
فأجبت وأنا مرتبكة تمامًا من سؤالها: ”ماذا تقصدين؟“
قالت: ”أجهزة التنصت. أعلم أن غرفتي بها أجهزة تنصت. وإلا كيف تقدرين على معرفة كل ما أفكر فيه وأفعله؟ هل أنتِ جاسوسة؟“
كان عليَّ أن أكتم ضحكتي داخلي. نظرت في عينيها وقلت: ”حبيبتي، كثيرًا ما أعرف ما تفكرين فيه لأنني أعرفكِ.. وأعرفكِ بعمق. لفترة طويلة أشاهدكِ وأتعرف عليكِ منذ اللحظة الأولى التي شعرت بأنكِ تتحركين في بطني. أنا ملاحظة جيدة جدًا، وأرجو في يوم ما أن تأتي فرصة لتعرفي كيف تعرف الأم أبناءها.“
مَن شابهت أمها فما ظلمت
وجاءت هذه الفرصة منذ أسابيع حين أتى حفيدي لابنتي وقال لي: ”يا جدة، أخبرت أمي أنني لم أفعل شيئًا وكنت قد فعلته. فأدركت هي أنني لم أكن أخبرها بالحقيقة! ثم أخبرتها الحقيقة وقلت لها أنا أسف.“
فسألته: ”في رأيك كيف عرفت ماما أنك لم تكن تُخبر الصدق؟“
فقال: ”لا أعرف. كل الأمهات هكذا. أعتقد أنهن كلهن جواسيس.“
في هذه المرة لم أكتم ضحكتي. أصدرت ضحكة عالية وقلت: ”لا بد أن نشارك هذا التعليق مع أمك!“
بعض الأطفال يعتقدون أن لدى أمهاتهم قدرة على قراءة ما في أذهانهم. بينما هناك أطفال آخرون مقتنعون بأن أمهاتهم قد ثبتن كاميرات خفية في كل أنحاء المنزل أو استأجرت أشخاصًا لتتبعهم وإفادتهن بكل ما يجري في يومهم. لكننا كأمهات نعرف أن هذه ليست الحقيقة (والحقيقة أن الأمهات مذهلات!)
٥ أشياء تجعل الأمهات مذهلات
دعنا نتعرف بتفصيل أكثر على قدرتنا كأمهات على ملاحظة أبنائنا والتجاوب معهم.
١- القدرة على الملاحظة
أحد أهم الأشياء التي تجعلكِ أمًا مذهلة هو امتلاككِ لقدرة مذهلة على معرفة أبنائكِ معرفة حميمية عميقة. وملاحظتكِ لهم تحدث على المستويين الواعي واللاواعي. أحيانًا نحن ننتبه لما نراه، وأحيانًا لا. كل لحظة مع أبنائنا هي لحظة غنية بالإشارات والخبرات المتعددة تعرفنا رائحة وشعور وملامح وحالة أحد أبنائنا. هذه اللحظات يتم حفظها حين تسجل أذهاننا ملاحظات عما نراه، أو عندما يسجل ذهننا ملاحظات بالنيابة عنا.
السلوكيات والتعبيرات
على سبيل المثال، دعنا ننظر إلى طفل رضيع أو في سن المشي وهو منزعج؛ فهو يميل إلى التجاوب بتعبيرات على الوجه وتعبيرات لفظية وجسدية وردود أفعال قد تخلق روائح أو مذاقات. عندما يبكي، هل تخرج منه رائحة معينة؟ هل يمكنك أن تتذوق دموع ابنتك عندما تطلب منك أن تساندها؟ هل تعرف متى تخرج الدموع لأن الأنف تنكمش قبل نزول الدموع؟ يميل الصغار إلى نفس الاستجابة أمام نفس المواقف، لذا نحن نعلم بمرور الزمن أي السلوكيات تصاحب استجاباتهم.
بعض السلوكيات عادة ما تُجمَّع كاستجابات لسيناريو معين. هذا ما يحدث عندما تختبر إحساسًا غريبًا مثل الرغبة في السير في الثلج في منتصف فصل الصيف. عندما تفتح دولابًا في يوليو، وتشم رائحة سترتك الشتوية، فإن ذهنك يستحضر الأشياء التي تصاحب هذه الرائحة، مثل صورتك خارج البيت بين الثلوج. بالمثل بينما يكبر الأطفال، يبدأون في الاعتياد على أنماط الإشارات الحسية عندما يُوبخون وعندما يتفاخرون أو يكذبون.
اتصال مُجرَّب
من المؤكد أنه ليس الأمهات فقط مَن يختبرن هذه القدرات الخاصة بالملاحظة. غير أن الأمهات عادة ما يقضين وقتًا مع أبنائهن أكثر من الآباء، لذلك كثيرًا ما يكون لديهن ذاكرة أفضل لما يلاحظنه.
من الطبيعي أيضًا للأطفال أن يبحثوا عن أمهاتهم بالولادة قبل أي أحد آخر عندما يبحثون عن التشجيع والمساندة. فقد عرفوا أمهاتهم أكثر من آبائهم. وبينما كانوا في الرحم كانوا يسمعون صوت أمهاتهم، ويسمعون نبضات قلبها ويشمون رائحتها. وفي السنوات الأولى من حياتهم تكون الأم معروفة لأبنائها أكثر من الأب. ولذلك لدى الأمهات فرص أكثر للملاحظة والتعرف على أبنائهن بشكل عميق.
٢- تصميمهن مؤهل للتواصل العاطفي
مع الاعتراف الكامل بأهمية الأب وإسهاماته المتفردة في حياة أبنائه، إلا أن هناك شيئًا فريدًا لدى الأم يجعلها أكثر قدرة على الاتصال العاطفي مع أبنائها مقارنة بالأب. وهذا شيء يذكرنا دائمًا بأننا ”خُلقنا بإعجاز مدهش“ كما ذكر في مزمور ١٣٩. هذا الشيء هو هرمون الأوكسيتوسين. الأمر ببساطة كالتالي:
”النساء لديهن بالمقارنة بالرجال مستويات أعلى من هرمون الأوكسيتوسين، وهو الهرمون المسؤول عن التعلُّق العاطفي، كما لديها عدد أكبر من مستقبلات هذا الهرمون. يعمل الأوكسيتوسين على تهدئة مشاعر القلق، وتقليل النشاط الحركي، ويعزز من حساسية اللمس.“
يُفرز الأوكسيتوسين خلال المخاض والولادة ويشجع الاتصال العاطفي الصحي بين الأم ورضيعها، كما يزداد أيضًا عند التلامس الجسدي بين الأم وأولادها. هل لاحظت من قبل أن معظم الأطفال يركضون نحو أمهاتهم قبل آبائهم عندما يشعرون بالضيق أو عندما يريدون الاحتفال بإنجاز جديد؟ هذا لأنهم يريدون هذا التواصل العاطفي الذي يتولَّد من المستويات المرتفعة من الأوكسيتوسين لدى الأم مقارنة بالأب.
يمكنك مشاهدة هذا الفرق المذهل بين الرجل والمرأة حين يتواجد الأطفال مع مجموعة من الناس. ليس غريبًا على الأطفال أن يتوجهوا إلى النساء -سواء الأم أو العمة أو الخالة أو الجدة أو حتى الجارة- عندما يبحثون على المساندة والتشجيع، قبل أن يتوجهوا نحو الأب أو أي رجل آخر.
٣- الصوت المميز للأم
اختبرنا كلنا على الأرجح صوت الأم الذي يهدئنا ويطمئننا. أتذكر صديقة استدعتني إلى حضانة الكنيسة لأن ابنتي الرضيعة كانت تبكي ولا تريد أن يواسيها العاملات في الحضانة. فجئت من ورائها بينما كانت تبكي بشدة في سريرها، ولمستها برقة على ظهرها، وقلت بصوت منخفض ”أنا أحبكِ حبيبتي“. فتوقفت فورًا عن البكاء. كان صوتي قادرًا على إيقاف دموعها، وبعد دقائق معدودة من المداعبة والتحدث، استغرقت في النوم على الفور.
أيتها الأمهات، لقد جعل الله أصواتكن مؤهلة بشكل متفرد للتأثير بشكل إيجابي على النضوج السوي لأبنائكن. لقد أظهرت الأبحاث أن الأطفال يتجاوبون بشكل كبير مع أصوات أمهاتهم:
”المناطق المخية التي تتجاوب بقوة شديدة مع صوت الأم تمتد إلى أبعد من المناطق السمعية لتضم المناطق التي تختص بالمشاعر والمكافأة، والوظائف الاجتماعية، ومناطق التعرف على ما يخص الشخص، والتعرف على الوجه...“ وكذلك ”القدرة على التواصل الاجتماعي، مما يوحي بأن زيادة الاتصال المخي بين هذه المناطق هو بمثابة بصمة عصبية لمزيد من القدرة على الاتصال الاجتماعي لدى الأطفال.“
٤- اللمسة الحساسة للأم
كانت ابنتي تتحدث معي عن المتعة في رغبة أبنائها الدائمة في احتضانها، وسماحهم لها بأن تحك ظهورهم، ونفس الشيء معي أو مع العمة أو الخالة، وذلك قبل توجههم إلى السرير. وكانت تتساءل لماذا لا يطلبون نفس الشيء من الأب أو الجد أو العم أو الخال، برغم أنهم يحبون احتضانهم لهم والتودد لهم بطرق مختلفة.
أتصور أن هذا يرجع بشكل عام إلى أن لمسة المرأة مختلفة جدًا من الناحية البيولوﭼية عن لمسة الرجل. الأم في المعتاد أصابعها أقل حجمًا من الأب. وكلما صغر حجم الأصابع، ازداد تقارب المستقبلات الحسية. ولذلك فالنساء أكثر قدرة على الشعور بالتغيرات الحادثة في البشرة وحركة الجلد بالمقارنة بالرجل. عندما يلمسن أبناءهن فهن مؤهلات أكثر للشعور بالمناطق التي تبدو ناعمة أو خشنة، دافئة أو باردة، أو إذا كان الطفل يرتعش أو يخاف. وهذا يخبرهم بكيفية التجاوب باللمس.
ولذلك على سبيل المثال إذا شعرت الأم أن جزءًا من بشرة طفلها أصبحت متشنجة أو متوترة، ربما تركز على تدليك خفيف لهذه المنطقة لتنبسط. أو إذا شعرت أن طفلها يرتعش، يمكنها أن تبدأ في تدليكه بقوة لتدفئة الجلد، أو تحتضن طفلها إذا كان يرتعش من الخوف. بمرور الوقت يشعر طفلها بالاطمئنان ويتعلم أن لمسة أمه أكثر حساسية، وأنها تهدئه وتطمئنه أكثر من لمسة الأب. أيتها الأم، حتى في أصغر الأماكن في جسدك، أطراف أصابعك، لديك قوة مذهلة لتقديم الصحة النفسية لأبنائك.
٥- حب عميق
في النهاية برغم أنه لا شيء أكثر أهمية ويهب الحياة أكثر من محبة الأب، إلا أن محبة الأم مختلفة بشكل متفرد. الاختلاف الأوضح هو أنه في حالة الأم بالولادة فإن محبتها لطفلها يكون متجذرًا في اتصال بيولوﭼﻲ قوي بدأ من لحظة الحمل. خلال الحمل يعتمد الجنين على أمه في غذائه، وتوفر له نبضات قلبها إيقاعًا لحياته. وهذا يضع أساسًا للرابطة الجسدية والنفسية العميقة بينهما. فهي لا تستطيع الانفصال عن طفلها في حياته المبكرة، والطفل يتعرف على أمه عن قرب، في حركتها وصوتها ودفئها. هذا شيء آخر يجعل الأمهات مذهلات جدًا.
هذه الرابطة مختلفة تمامًا عن الرابطة التي تنشأ بمجرد أن يتقابل الأب مع طفله أول مرة خارج الرحم. كذلك فحركة الجنين، وتقلباته، والزغطة التي تصيبه، ولكماته في بطن الأم، كلها تمنح الأم فرصة لتبدأ في التعرف على طفلها قبل وقت طويل من ولادته. وبالتالي برغم أن الجنين لا يتكون بدون مساهمة كل من الأب والأم، إلا أن تأثير الاتصال البيولوﭼﻲ للجنين بالأم هو أمر في غاية الأهمية والتأثير. وبمجرد أن يولد الجنين، إذا أرضعته الأم رضاعة طبيعية من ثدييها، فهذا يمنحها فرصة أخرى للتعلق به من خلال التلاصق الجسمي بينهما، وهو الشيء غير المتاح للأب أن يختبره.
اصنعي الفرق كأم مذهلة
هل أدركتِ الفكرة؟ ماما، أنتِ مذهلة. أنتِ متفردة. بوسعكِ أن تصنعي فرقًا في حياة أبنائك من خلال قدرتكِ على الملاحظة، وقدرتكِ الممنوحة من الله على التواصل العاطفي، وتأثير صوتكِ، ولمساتكِ الحساسة. فيما يلي بعض الطرق التي يمكن للأمهات أن تؤثر بها إيجابيًا على أبنائهن:
- التشديد والتشجيع على أهمية التعليم.
- إدراك مواهب الأبناء ومساعدتهم على تطويرها.
- الإصغاء لأبنائها والتجاوب بالتعاطف والمشاركة الوجدانية.
- البحث عن فرص لتعليم أطفالك عن محبة الله.
- السماح لهم بالإخفاق ومساعدتهم على التعلُّم من الفشل.
- تمرير قيمة العائلة والمعلومات عن الأجداد وإرث العائلة.
- تذكير كل واحد من الأبناء بأنه لم يوجد ولن يوجد مثله بشكل متطابق أبدًا. لأنه متفرد.
ماما، ليس لكِ مثيل!
والحقيقة هي، لم يوجد أبدًا أمٌ مثلكِ. اقبلي هذه الحقيقة، واحتفي بها. شاركي مواهبكِ المتفردة مع أبنائكِ. واشكري الله على السمات المميزة التي منحها إياكِ لتكوني أمًا مذهلة.
© 2023 Focus on the Family. All rights reserved. Used with permission. Originally published at focusonthefamily.com.
مقالات ذات صلة:
|
|
|