بقلم: جلين ستانتون
عندما يقضي الآباء الوقت في بناء علاقات مع أبنائهم الصبيان، فإنهم بذلك يساعدونهم على اكتساب الهُوية والثقة بالنفس والمثابرة.
ماذا يقدم الآباء لأبنائهم الصبيان:
يساعدونهم على أن يصبحوا رجالاً
كلنا نريد لأبنائنا الصبيان أن يصبحوا أفرادًا صالحين، ومُجدِّين في العمل، وأذكياء، ولطفاء، وسعداء أيضًا. لكننا نريد ما هو أكثر من ذلك، أليس كذلك؟ نحن نريدهم أن يصيروا رجالاً، رجالاً يمتلكون كل السمات السابقة وأكثر. لن تجد أبدًا أبًا يقول ”لا أهتم كثيرًا بأن يصبح ابني رجلاً طالما أنه شخص طيب.“ إن طريق الصبيان يؤدي بهم إلى الرجولة.. ومن الهام للرجال أن يفكروا فيما يمكن أن يقدموه كآباء لأبنائهم الصبيان ليساعدوهم على طول هذا الطريق.
لا بد أن نُقدِّر أن الآباء يلعبون دورًا محوريًا ولا يمكن استبداله في جعل هؤلاء الصبيان رجال المستقبل. اعتاد علماء الأنثروبولوجيا (علم دراسة الإنسان) أن يقولوا إن النساء يخلقن كل الحياة البشرية، لكن الرجال فقط هم من بوسعهم أن يُحولوا صبيان القبيلة إلى رجال تحتاجهم القبيلة في المستقبل.. وهذا ينطبق بنفس الدرجة على صبياننا اليوم. يوضح روبرت بلاي هذا الأمر أكثر بقوله: ”بمقدور النساء أن يحولن الجنين إلى صبي، لكن الرجال فقط هم من بوسعهم أن يحولوا الصبي إلى رجل.“
كيف يفعل الآباء هذا من أجل أبنائهم؟ فيما يلي أربعة أمور هامة للغاية يمكن للأب أن يفعلها لأبنائه:
الأب يبيِّن لأبنائه الصبيان أن الأب ليس أمًا
هذا شيء واضح وضوح الشمس، لكنه على درجة هائلة من الأهمية. د. كايل برويت من جامعة يال، وهو باحث مرموق في مجال أهمية الأب للنضوج السوي للطفل، يشرح أن الأطفال الرضع منذ أيامهم الأولى يتعلمون التمييز بين ماما وبابا.. فصوت الأب أكثر عمقًا، ويداه أعرض وأكثر خشونة، ولعبه أكثر قوة بدنية وإثارة، ورائحته وتصرفاته مختلفة.. الأب باختلافاته المميزة عن الأم يجسد بالفعل للصبي ما يمثل طبيعته وما لا يمثل طبيعته. يبدأ الصبي الصغير أثناء سنوات نموه في أن يدرك أن ”بابا وأنا من الرجال، وأنا سأبدأ في التمثل به تدريجيًا، والقيام بالأشياء التي يفعلها“. فالآباء يُعلمون أبناءهم الصبيان أنهم مختلفون عن الأمهات والأخوات البنات. يصبح الأب بمثابة "القطب الشمالي المغناطيسي" للصبي الذي يجذبه نحو الرجولة.
الآباء يساعدون أبناءهم الصبيان على اكتساب ثقة الرجال
إن اكتساب الصبي للثقة بالنفس يأتي من أبيه في المقام الأولى.. هذا بسبب أن الآباء على الأرجح سيشجعون أبناءهم الصبيان على اقتناص الفرص. لنأخذ خبرتين بسيطتين من الطفولة المبكرة إلى أواخر مرحلة الطفولة.
الآباء على الأرجح سيلقون بأطفالهم في الهواء ويلتقطونهم، خاصة الذكور منهم. هذا طقس هام جدًا لبناء الثقة في نفس الصبيان. في أول الأمر سيشعر الصبي بالخوف الشديد، لكن عندما تعمل الجاذبية سيعود الصبي مرة أخرى على ذراعي أبيه. ماذا يحدث في هذه اللحظة تحديدًا؟ يبدأ الصبي في الضحك بقوة. لماذا؟ لأنه تعلم للتو أن هناك خبرات تُولِّد سعادة غامرة. ما يفعله الآباء لأبنائهم الصبيان هو أنهم يساعدونهم على اكتساب الثقة من خلال اقتناص الفرص والقيام بمغامرات مخيفة.
هذا الأمر يستمر بينما يكبر الصبي. على سبيل المثال، لنأخذ تسلق الأشجار. الأمهات نادرًا ما يشجعن الصبي على التسلق لأعلى، لأن كل ما تهتم به الأم هو الأمان. الآباء على الأرجح يتجاوزون الحدود.. ”يللا يا حبيبي، حاول التسلق لأعلى قليلاً. لا تخف، سأتابع معك.“ عندما يقتنص الصبي الفرصة وينجح، فهو يعلم أنه يملك ما يتطلبه القيام بأمور صعبة. هذا الوصال في غاية الأهمية لكل طفل؛ إذ يكتسب الثقة بالنفس التي يحتاجها فيما بعد في حل المشكلات، والاقتراب من الفتيات، والبحث عن وظيفة، وتولي أدوار قيادية بين أقرانه.
الآباء يعلمون أبناءهم الصبيان المثابرة
إن طريقة تعلُّم الصبيان للمثابرة والتغلب على معوقات الحياة تمثل جزءًا لا غنى عنه للدخول إلى مرحلة الرجولة -بحسب الكتاب المقدس. الأبناء الصبيان الذين يشاهدون آباءهم في عاداتهم اليومية، وأيضًا في الأزمات، يلاحظون استراتيجيات ناجحة في حل المشكلات الحياتية المتنوعة.
الأب يعلم ابنه فضيلة المثابرة بالقدوة والتشجيع. بالنسبة للصبيان الصغار، هذه الأمثلة كثيرًا ما تتضمن تفاعلات مع العمل اليدوي، وحل المشكلات، أو الصعوبات العلاقاتية. والابن الذي يشاهد يتعلم أن بعض المهام صعبة للغاية، ومحبطة أيضًا، لكن المهمات تحتاج إلى إتمامها. عندما يعمل الابن على شيء، مثل مسألة رياضية صعبة، و إصلاح دراجته، ويُحبط ويريد أن يتخلى عن الأمر برمته، فالأب على الأرجح سيشجع ابنه على الاستمرار والمواصلة. عندما تفكر للحظات، وتجمع تركيزك لتكتشف أساس المشكلة، وكيف يمكن حلها وتجاوزها، في أثناء ذلك يتعلم الصبي مهارات الصبر والإصرار.
الآباء يقدمون أبناءهم الصبيان لعالم الرجال
تمامًا مثل عالم النساء، عالم الرجال هو مكان خاص جدًا له طرقه الغريبة في التعامل مع الأمور. ما يفعله الآباء لأبنائهم الصبيان هو أن يوفر لهم ”مدخلاً“ إلى هذا العالم. تشرح إليانور ماكوبي من جامعة ستانفورد هذا الأمر في كتابها «The Two Sexes» (أو الجنسان) بأنه في كل الثقافات يحتاج الصبي الصغير إلى أبيه -أو شخصية ذكورية أكبر سنًا لها مكانة خاصة، مثل العم والخال، أو الجد، أو المعلم- ليكون وسيلة لتقديمه إلى عالم الرجال المهم. الآباء يُعلمون أبناءهم الصبيان كيف يقوم الرجال بتصرفاتهم ولماذا، وكيف يفعلون هم هذه الأمور بأنفسهم. كما أن الأب سيعلم ابنه بعض التصرفات الخاصة بالرجال التي لا ينبغي أن يفعلها الرجال الصالحون. بمرور السنوات، سيقدم وسيرشح الأب ابنه لرجال آخرين يصبحون قدوة له، ومصدر تشجيع، وربما معلمين أو مدربين له.
الأب هو الشخص الأول الذي يساعد رجله الصغير من خلال شبكة العلاقات في المجتمع في بحثه عن أول وظيفة له. الأب سيقدم ابنه إلى الأستاذ وائل الذي يملك متجر أدوات الصيانة بالقرب من المسكن، والسيد أحمد الذي يدير مغسلة السيارات، والسيد أشرف الذي يؤجر الدراجات، أو السيد ماهر صاحب محل البيتزا. الأب هو الضامن لشخصية ابنه وأخلاقياته في العمل.. هؤلاء الرجال يعرفون أن الصبي سيكون موظفًا جيدًا لأن أباه رجل ذو شخصية جيدة؛ وهذا الصغير يستحق أن يأخذ فرصته.
عندما يحتاج الصبي إلى مساعدة في بناء أو إصلاح العلاقات مع رجال آخرين في المجتمع، فالأب هو مَن يستطيع مساعدته. في مرات كثيرة، سمعة الأب بين الرجال والنساء الآخرين في المجتمع ستكون السمعة التي سينطلق منها الابن.. وهذا يحدث في الحالتين: سواء كانت سمعة الأب جيدة أو سيئة. وبمرور الوقت ستصبح مهمة الصبي هي أن يبرهن على جدارته بسمعة أبيه الطيبة.
الآباء مهمون
إن دور الأب في حياة ابنه هو دور هام للغاية.. رجال قليلون يتحدثون عن ”جُرح الأم“ الذي عانوا منه على مدار عشرات السنوات، بينما كثيرون جدًا يعانون من ”جُرح الأب“، وهذا ينبع في المعتاد من نقص واحد: لم يحصل الصبي على التأييد من أبيه على أنه صبي صالح وسيصبح رجلاً صالحًا. لا بد أن يخبره أبوه بانتظام ويؤكد له على أنه مسرور به ويحترمه في مراحل نضوجه. الأب هو الوحيد الذي لا بد أن يضع شارة الرجولة على صدر ابنه، وأن يفعل هذا بمئات الطرق المختلفة إلى أن يصل إلى سن الرشد. إذا لم يتواجد الأب، فإن رجلاً هامًا آخر لا بد أن يتواجد في حياة الصبي!
ما يفعله الآباء لأبنائهم الصبيان يتلخص في تجهيزهم من أجل الانطلاق إلى العالم. عالِم النفس المرموق إيريك فروم في كتابه «فن الحب» يشرح هذا، ويقول إنه بعكس الأم ”فإن الأب... يمثل القطب الآخر للوجود الإنساني.. أي عالم الذكورة، عالم الأشياء التي يصنعها الرجال، عالم القانون والنظام، عالم الانضباط، عالم السفر والمغامرة. الأب... هو الذي يبين لصبيه الطريق المؤدي إلى العالم الخارجي.“
أيها الأب، عليك دور كبير لتلعبه في حياة ابنك، ولا يوجد أحد آخر يمكنه القيام بذلك وبنجاح وبقلب مثلما تقدر أنت.. فلا تترك هذه المهمة لشخص آخر!
© 2024 Focus on the Family. All rights reserved. Used with permission. Originally published at focusonthefamily.com.