بقلم: سامي يعقوب
لعل أصعب سؤال يتردد في بيوتنا هذه الأيام هو الذي يبدأ بأداة الاستفهام "لماذا"، والتي يعقبها عدة علامات استفهام! لماذا يموت كريم خُزام، ابن الكنيسة الحلو، بمثل هذا الغدر؟ ولماذا يفقد شاب مثل حسين محمد حياته، وهو الذي اشترى تاكسي من البنك ليعمل عليه باجتهاد لكي يساهم في تسديد احتياجات أسرته؟ لماذا تضيع حياة عشرات الشباب في عمر الزهور هدرًا، وعلى غير توقع، مع أنهم لم يفعلوا أي شيء يستحق هذه القسوة؟ لماذا تسرب العنف، وتسللت الكراهية إلى حياة المجتمع المصري على غير عادته أو قيمه؛ فأصابتنا مسيحيين ومسلمين بآلام وأحزان تفوق الوصف؟! لماذا تبدو الأمور غير عادلة، ولماذا يبدو الله بعيدًا، مع أننا نحبه ونعبده بصدق؟ ليس من السهل أن نجد إجابات منطقية على مثل هذه الأسئلة التي لابد أن أحدها أو أكثر قد تردد في بيوتنا، وصارع معه أبناؤنا!
لم أكن أتخيل مقدار الإحباط والحزن الذي أصاب شبابنا بسبب كارثة ما حدث في بورسعيد إلا عندما سألت ابني الأصغر: "الشباب عاوزين إيه بالظبط من استمرار التظاهر والاعتراض على كل شيء؟!" فأجابني على الفور: "لو ابنك اتقتل في أي من الأحداث.. كنت هاتعرف ليه الشباب بيعملوا كده!" وأعترف أنه بإجابته التلقائية هذه قد "ثبتني"- بحسب التعبير الذي يستخدمه الشباب اليوم عندما يواجهون موقفًا لا يستطيعون فيه الكلام لأن المنطق قد حسم الأمر!
لكني لم أتوقف عن الحوار معه؛ فأنا أعرف أن الحوار يُتيح الفرصة للتعبير عن المشاعر الدفينة التي يغلب عليها مزيج من الغضب والحزن.. وأن مثل هذه المشاعر إذا لم تخرج منه في جو من القبول، والتقدير لحساسيته الشديدة تجاه العدل بحسب طبيعة سنه، سيستغرق هو في الحزن والإحباط؛ فتضعف روحه المعنوية، ويتحول غضبه وسخطه في النهاية ليصبح موجهًا ضد الله، لإحساسه بأنه قد تخلى عنا!
البشر كلهم "معزون متعبون".. وعندما نحاول كوالدين أن نجيب على الأسئلة التي تبدأ بكلمة "لماذا" لابد أن ندرك أننا نحتاج نحن أولاً لأن نمتلئ بالتعزية، وأن نطلب العون من الله أن يثبتنا فيه حتى نستطيع أن نعزي ونشجع الآخرين.. فالقاعدة هنا معروفة: "فاقد الشيء لا يستطيع أن يُعطيه".. إذن ماذا نفعل؟
لا يوجد أفضل من الرجوع إلى كلمة الله لتعزينا وتشجعنا، وتثبت إيماننا مع أبنائنا في مواجهة كل "تعب وبلية" نصاب بهما على غير توقع. فنحن كبشر نفتقر إلى القدرة على استيعاب فكر الله غير المحدود، والطريقة التي يختارها هو في حكمته وعدم محدودية محبته ليُدبر بها شئون الحياة. ولأننا لا نستطيع أن نتقابل مع شخص المسيح "الكلمة المتجسد" وجهًا لوجه، لنتقابل معه يوميًا في "الكلمة المكتوبة"، ولنسمح له أن يكلمنا من خلالها لنفهم مقاصده عندما تبدو الأمور متناقضة مع ما كنا نتوقعه منه.. تلك المقاصد التي قد تعني الموت المبكر وغير المبرر لكريم وحسين ومعهما كثيرون من الأبناء الغاليين من أبناء الوطن. إن كلمة الله ومواعيده يؤكدان أنه في أكثر الظروف قسوة تتفق خطة الله لحياتنا مع مشيئته العليا الصالحة.. ولنتذكر أن الله الذي أرسل ابنه الوحيد ليموت عن خطايانا حتى ننجو نحن من الدينونة التي نستحقها هو نفسه الإله الذي وعد بأن تعمل كل الأشياء معًا للخير للذين يحبونه، والذين دعاهم ليكونوا شعبه حسب قصده الأزلي (رومية ٨: ٢٨).
من أكثر نماذج أبطال الإيمان الكتابيين، والذين أعود للحديث معهم مجددًا في كل مرة تحيط بنا الأزمات، هو أيوب البار. لقد كان إنسانًا يخاف الله، ولم يفعل سوءًا، ومع ذلك عانى كثيرًا في حياته.. وأصعب ما عاناه في محنته هو عجزه عن رؤية الله فيما يحدث له. لكن مآسيه بالرغم من قسوتها لم تقوده لأن يفقد إيمانه؛ بل في غمرة آلامه قدم لنا ما يُنير طريق آلام البشر عبر الأيام عندما قال: "عريانًا خرجت من بطن أمي، وعريانًا أعود إلى هناك.. الرب أعطى والرب أخذ فليكن اسم الرب مباركًا" (أيوب ١: ٢٠ و٢١).
لقد قصد الرب أن يسجل اختبار أيوب في الكتاب المقدس ليساعدنا عندما يُمتحن إيماننا في بوتقة النار.. فبدون إيمان لا يمكننا إرضاء الله (عبرانيين ١١: ٦). فلنناقش مع أبنائنا أن التمسك بالإيمان حتى مع عدم وجود أجوبة على ما يحيرهم من أسئلة هو أمر محوري في تعميق علاقتنا مع الله وثقتنا فيه.. في مثل هذه الظروف الصعبة ينصب لنا إبليس فخًا ليوقعنا في شرك أن الله قد تخلى عنا؛ واليوم إنها فرصة لنتعلَّم كآباء وكأبناء ألا نشك فيما أعلنه الله لنا في وقت النور عندما نجتاز في فترة ظلام.
(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ١٢فبراير/ شباط ٢٠١٢)
Copyright © 2012 Focus on the Family Middle East. All rights reserved