بقلم: سامي يعقوب
ماذا أناقش مع أولادي عن حادثة كنيسة الأسكندرية؟
في مثل هذه الظروف التي تمر بها بلادنا، والكنيسة على وجه الخصوص، لا شك أن عقول وقلوب أولادنا قد ازدحمت بأسئلة مفاجئة ومشاعر صادمة نحتاج كآباء وأمهات ألا نتركها تنفرد بهم فتيئسهم من الحياة، بل نبادر بمناقشتها معهم. فعندما نستيقظ على أخبار مفزعة من الطبيعي أن تتولد مشاعر من الخوف والحزن الممتزجين بالغضب، والتي تحتاج أن نتعامل معها قبل أن تتطور إلى مشاعر من الكراهية، وتفقدنا الشعور بالانتماء لوطن يعيش فينا- كما علَّمنا قداسة البابا.
في مثل هذه المواقف قد يسهل التعامل مع مشاعر الغضب التلقائية أكثر من تعاملنا مع مشاعر الحزن والخوف والإحباط. فالغضب قد يكون أحيانًا قناعًا يُخفي وراءه شعورًا بالإحباط يدفع مع استمراره إلى الانسحاب من المجتمع، وفقدان الأمل في المستقبل.. فكيف يمكننا كوالدين أن نساعد أبناءنا على استيعاب ما حدث، وإعدادهم للتعامل مع مثل هذه الأحداث المفجعة؟
بصفة عامة الأطفال الأصغر سنًا قد لا يسألون كثيرًا عما يحدث، وقد لا يحتاجون إلى حديث طويل ليفهموا حقائق الأمور. على النقيض من ذلك، فالأبناء الأكبر- خاصة الشباب يطلبون فهمًا أعمق لمعنى ما يحدث، وتأثيره عليهم وعلى مستقبلهم وعلى الآخرين أيضًا. فعند حديثك مع أبنائك عن أحداث العنف والإرهاب يمكنك أن تأخذ الأفكار التالية بعين الاعتبار، وتبقى معرفتك بهم أفضل ما يُرشدك عبر هذا الحوار الهام:
- راقب ما يسمعه أبناؤك من أخبار وما يشاهدونه من صور عن آثار الجريمة.. فالتأثير العاطفي للصور التي تُنشر عن الضحايا أعمق جدًا مما قد نتخيل. فاجلس بجوارهم بينما يتابعون تلك الأخبار والصور سواء عبر شبكة الإنترنت أو من خلال قنوات التليفزيون. من حين لآخر اسألهم عما يفكرون فيه أو يشعرون به، ودعهم يعبِّرون بالكلمات والانفعالات عما بداخلهم. اقبل دموعهم تأثرًا بالموقف، وضمهم إليك، ولا تستهن بهذه المشاعر الصادقة.
- شجع أولادك أن يشاركوا معك كل ما يسمعونه خارج البيت عن الأمر. فأخطر مما يشاهدون أو يسمعون هو المعلومات غير الصحيحة التي قد تصلهم من أقرانهم، والتي عادة ما يكون فيها الكثير من المبالغة أو الهواجس غير الحقيقية. هذا سيتيح لك مساعدتهم ليتغلبوا على مخاوفهم غير الواقعية.
- استعد لمناقشة الأسئلة الصعبة، مثل: "هل يمكن أن يحدث معنا نفس الشيء؟" أو "ماذا كان يمكن أن يحدث لنا لو كنا هناك في تلك الليلة؟" اشرح لأولادك أن هذه التساؤلات طبيعية في ظروف مثل هذه، وأنه من المؤلم أن نفكر في إجاباتها ما دامت لم تحدث معنا بالفعل.. ثم انتقل بهم لمناقشة ما يمكن أن تفعلوه معًا كأسرة للمشاركة الإيجابية في تعزية ومساعدة ضحايا الحادث. ربما يساعدكم أن تجتمعوا مع أسرة أخرى من الأصدقاء أو الجيران لمناقشة هذه الأمور؛ حتى يعرف الأولاد أنهم ليسوا وحدهم الذين يزعجهم هذا الحدث.
- سؤال صعب آخر لابد أن يتطرق إليه الحوار مع أبنائنا.. "ترى لماذا ينتحر أحدهم بتفجير نفسه ليقتل الأبرياء؟" إن المعتقدات عندما تضيق وتنظر للحياة من جانب واحد تعمي أصحابها، فتجعل من عقولهم صيدًا سهلاً لأشرار يسيطرون عليها بفكر لا يتفق مع الدين الصحيح.. عندئذ يجد أولئك المضللون تبريرًا للقيام بما يُطلب منهم، وهم يظنون أن هناك ما يبرر قتل الآخرين.. هنا لابد أن تشجع أولادك على البعد عن تعميم موقفهم تجاه الآخرين؛ فالإرهاب لا دين له!
- ما قد يسمعه الأبناء من خلال وسائل الإعلام في الأيام التالية لوقوع حادث إرهابي قد يكون محيرًا أو غير مفهوم.. فلابد أن نترجم لهم تصريحات المسئولين التي تعد بالتصدي للإرهاب، وملاحقة مرتكبي الحادث إلى لغة يفهمونها، مع تعزيز ثقتهم بأن ما يحدث في أي مكان في العالم ليس بمفاجأة عند الله، وهو كلي السلطان والحكمة.
- أخيرًا، وبحسب عمر أولادنا ومستوى نضجهم الفكري، نحتاج أن نشارك معهم قيمنا الإيمانية التي تؤكد معية الله ووعود حمايته.. فلا خوف ولا إحباط يعفيان الإنسان من مواجهة مصير غير معروف. فالأمان الحقيقي هو شعور داخلي ولا يستمد من البشر، كما أن الحياة بها سلام وخير أكثر جدًا مما بها من عنف وإرهاب بغض النظر عما نشعر به الآن.. مَنْ يراقب الريح لا يزرع، ومن يراقب المطر لا يحصد.. ومَنْ يراقب الإرهاب لن يترك بيته؛ فلنخرج للحياة بأمل جديد، ولنضئ شمعة من المحبة ونموذج الحياة الصالحة في كل ركن مظلم نوجد فيه.. أما الحياة والموت فلنتركهما لمَنْ بيده أمرنا.
Copyright © 2011 Focus on the Family Middle East. All rights reserved