بقلم: دان دوبي
ساعد الأطفال على استيعاب أن الله يعمل من خلال الألم والمعاناة سواء كان في حياتهم أو في حياة الآخرين.
متى شعرتم أنكم في أعلى درجات الإيمان؟
ذات مرة سألت بعض الآباء والأمهات أن يطرحوا هذا السؤال على أبنائهم. وصدمتني إحدى الإجابات بشكل مباغت؛ إذ قال أحد الأبناء: ”عندما كنت في الخامسة عشر وفقدت صديقي المقرب بسبب سرطان الدم“. كيف تترك هذه الخسارة العنيفة لصديق مراهقًا وهو يشعر بأن إيمانه قد تقوى؟
سؤال آخر -ما الذي هيئكم لتكونوا مسيحيين حقيقيين في الجامعة؟- وحصلت على بعض الإجابات المدهشة. فقالت سارة، وهي في آخر سنة في الجامعة: ”عندما فقد أبي وظيفته وانتقلنا إلى ولاية أخرى. كان عالمي محطمًا.“
كأب لا أستطيع أن أتصور أشياء كثيرة أكثر صعوبة من مشاهدة أبنائي يتألمون. لكن كما تبين إجابات هؤلاء المراهقين، الخبرات المؤلمة يمكن أن تشكّل جزءًا هامًا من إعداد الأبناء لامتلاك إيمان شخص حي.
الوالدان والأبناء والألم
لا يمكننا أن نكره الألم في أي وقت في حياتنا مثلما نكرهه عندما نصبح آباء وأمهات. فأيًا كان نفورنا الشخصي من المعاناة، فإن رغبتنا في رؤية أبنائنا بلا معاناة أكبر من هذا النفور بشكل لا يُقارن. أخاف من الارتفاعات، لكنني لم أعرف عمق هذا الخوف إلا بعد أن رأيت ابننا البالغ من العمر ١٥ عامًا يقترب من حافة جبل على ارتفاع ٢٠٠ قدم في رحلة عبر جبال الروكي.
إذا فكرنا موضوعيًا فيما يجعل البشر يكتسبون الشجاعة والصبر والتعاطف أو الفضائل الأخرى، فمن الصعب أن نتغافل عن الشيء الواضح: وهو أن الناس يحققون أكبر نضوج من خلال الضيقات. بالنسبة للمسيحيين، المعاناة تقوي الإيمان، وكثيرًا ما يؤدي إلى معرفة أكثر عمقًا لله (فيلبي ٣: ٨- ١٠).
نحن لا نسرع إلى تقدير قيمة المعاناة في حياة أبنائنا، وتحديدًا بسبب دورنا المنوط بالحفاظ عليهم وحمايتهم. لكن الألم هو طريقة الله في أن يجعل أبناءنا أكثر قربًا منه.
السير في طريق الألم
يختبر كل طفل الألم منذ بدايات حياته. أحببت مشاهدة زوجتي وهي تتعامل مع كل خبطات الرأس وسحجات الأصابع التي كان أطفالنا يتعرضون لها وهم صغار. في البداية كانت تقر بالألم، ثم تصلي مع الطفل، وتطلب من الله أن يجعل الجُرح أقل ألمًا، ثم تضع الضمادات، أو الماء والصابون، أو الثلج حسبما يتطلب الأمر.
لاحظ ما يتعلمه الطفل خلال كل ”الآهات“:
- بابا وماما سيسيران في طريق الألم معك.
- الله يعتني حين تعاني، فهو موجود دائمًا، وقادر دائمًا على مساعدتك في وقت الألم.
- التوجه إلى الله لا يلغي اتخاذ الإجراءات اللازمة (مثل وضع الضمادات، إلخ).
وعندما كبر أطفالنا، وقلت اصطداماتهم في قطع الأثاث بالمنزل، كانوا يواجهون أنواعًا مختلفة من الألم جعلت من المراهقة فترة صعبة. فبالرغم أن جروح المجتمع كثيرًا ما تكون غير مرئية، إلا أنها تكون أكثر عمقًا، مثل هجر صديق، أو الحرمان من فرصة معينة، أو عندما يقول أحد الكبار إن الطفل لا يساوي شيئًا.
فيما يلي بعض الطرق التي تساعدنا أن نرافق أبناءنا في أوقات الألم:
أصغِ وذكِّر
نحن نساعد أبناءنا في تحمُّل الأعباء عندما نصغي إليهم أولاً بدون إدانة. في كثير من الأحيان عندما يبكي أبناؤنا فهم لا يحتاجون إلا لتواجدنا بالجسد فقط. نعم لا بد أن نعزيهم بكلامنا، لكن هذا يأتي لاحقًا، لكن من الهام أن نقاوم ميلنا السريع في تقديم الحلول، حتى إذا بدت أسباب المعاناة واضحة.
وحين يأتي وقت الكلام، صليا معًا، وذكّر ابنك/ ابنتك بما يعرفه بالفعل: الله وأنت تحبانه. ثم شجعه أن يعبّر عن أي شيء يشعر به لله مباشرة، حتى إذا كان شيئًا قبيحًا. أنا أخبر أبنائي أنه ليس هناك مشكلة إذا شعرت أنك غاضب من الله. انظر إلى المزامير التي تحتوي أحيانًا على مشاعر عنيفة تبدو أنها متجاوزة لحدود القديسين الذين يخافون الله. على سبيل المثال، يسأل كاتب المزمور قائلاً: «لِمَاذَا تَحْجُبُ وَجْهَكَ وَتَنْسَى مَذَلَّتَنَا وَضِيقَنَا؟» (مزمور ٤٤: ٢٤).
من الواضح أن استمرار الغضب تجاه الله ليس صحيًا. لكن الاعتراف اللائق بمشاعرنا يقطع الطريق فعليًا أمام ميلنا لتخزين الشعور بالمرارة.
إن تجاهل الألم أو تبني طريقة خالية من المشاعر قد يبدو ملائمًا على المدى القريب، لكن الألم دائمًا ما يجد طريقًا للتعبير عن نفسه بطرق مدهشة وغير مرحب بها. لندع أبناءنا يرون عائلتهم كمكان يستطيعون فيه اجتياز الأوقات الصعبة بأمان.
واجه التجارب من منظور كتابي للمعاناة
بعض الأطفال المسيحيين قد يتبنون نظرة للآخرين في معاناتهم فحواها أن هؤلاء الآخرين لا بد أن يتكبدوا هذه المعاناة لأنهم يستحقونها بالفعل. وبالتالي عندما يواجهون التجارب، فهم يتساءلون لماذا سمح الله بهذه الأمور السيئة أن تحدث لهم طالما أنهم لم يفعلوا شيئًا ليستحقوها. لا يُفترض أن يكون الأمر هكذا!
وفي خضم ألمهم قد يخرج الأبناء باستنتاجات مدمرة عن الله: إنه لا يعتني بنا. هو ليس صالحًا. لا يمكن الوثوق به. ذكّر أطفالك بأن الله لا يخطط ويدبر لك أحداثًا مؤلمة. هذه المواقف كلها ترجع بجذورها إلى الحالة البشرية الساقطة. أحيانًا يكون الألم نتيجة مترتبة على خطيتنا. وأحيانًا يكون نتيجة خطايا الآخرين. وأحيانًا تحدث المعاناة ببساطة بسبب العيش في عالم ساقط.
لقد تكبد يسوع المعاناة على الصليب أكثر مما تألم أي إنسان. ومن هاوية الهجر صرخ يسوع بكلمات المرنم: ”إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟“ (متى ٢٧: ٤٦). بفضل هذا التخلي تم استرداد علاقتنا مع أبينا السماوي. يحتاج أبناؤنا أن يعرفوا أن الله يتفهم ألمهم، ليس فقط نظريًا، بل بالتجربة. وفي يوم من الأيام سيفتدي الله هذا العالم الساقط وسيشفي كل جُرح. وحتى يحدث هذا فإن الله يستخدم المعاناة لينمي بداخلنا رجاءً ثابتًا (انظر رومية ٥: ٣- ٥).
انظر للمعاناة كوقت للنضوج والتنقية
بعض آلام أبنائنا هو نتيجة اختيارات خاطئة. ووظيفتنا أن نساعدهم على التمييز بين ما لا يقع في نطاق مسؤوليتهم (مثل وفاة صديق، أو الإخفاق بالرغم من العمل بجدية)، وما هو نتيجة طبيعية لاختياراتهم الخاطئة.
عندما كان أبناؤنا صغارًا، كنا نحاول أن نبني لديهم وعيًا بالتصرفات والتبعات المترتبة عليها. ”إذا ضربت أخوك، ربما يرد لك الضربة“. شجِّع طفلك على التفكير في التصرفات واكتشاف التبعات التي يمكن أن تنتج عنها.
عندما تكون اختيارات ابنك سيئة، رافقه في طريق التوبة، وساعده على إدراك أن الله يحب ويغفر حتى ونحن نختبر التبعات القبيحة لأفعالنا. الله يستخدم هذه الظروف ليساعدنا على النمو (انظر رومية ٨: ٢٨).
كآباء وأمهات، سنشعر دائمًا بالألم حين يتألم أبناؤنا. ومع ذلك من المذهل أن نرى كيف يستخدم الله هذا الألم. وبدلاً من أن أصلي ليعفي الله أولادي من أي ألم، وهذا أمر غير واقعي بالمرة، فأنا أصلي الآن لله أن يقوم بعمله الكامل في كل الظروف.
ربما لم نعتد بشكل كامل على فكرة أن الله في تدبير محبته جعل المعاناة فرصة للنضوج. لكن بوسعنا أن نتشبث بالرجاء في أن هذه الخبرات لن تفصلنا عن محبته (انظر رومية ٨: ٣٨- ٣٩).
دان دوبي، رئيس مجلس إدارة (The Coalition for Christian Outreach).
© 2023 Dan Dupee. All rights reserved. Adapted from It's Not Too Late by Dan Dupee, published by Baker Books, a division of Baker Publishing Group, © 2017 Dan Dupee. Used by permission.