بقلم: سامي يعقوب
للمزيد من هذه السلسلة:
هل يمكن أن تفهم احتياجاتها؟ ١
في مقتبل العمر، وبينما كنت أستكشف كصبي عالم الجنس الاخر، كان إعجابي ينتقل من فتاة لأخرى لعوامل مختلفة ترتبط بطبيعة العمر، أو بما كانت تتيحه الظروف من الاقتراب في صداقة بريئة تجمعني بإحداهن من خلال المجتمع المختلط الذي كان لي امتياز أن أوجد فيه.
وعندما أراجع ذكريات تلك المرحلة أضحك للكثير منها، وأتذكر كيف كنت لا أجرؤ على المصارحة بمشاعري، مع أنني كنت مثل غيري من الأصحاب مفضوحًا؛ فأضحك أكثر. لم يكن هناك ما يثير غيظ الواحد منا أكثر من شعار المرحلة: "الحب مثل الزكام لا يمكن إخفاؤه!" لكني أتذكر أيضًا تلك الأوقات التي كنت أشعر فيها بالخوف لعجزي عن فهم طريقة تفكير ذلك المخلوق العجيب الذي يملأ أوقاتنا بالمرح والبهجة أحيانًا، وينكد علينا كثيرًا بردود أفعال غير متوقعة كانت تملأني بالخوف؛ فأقرر أن العزوبية ربما تكون أفضل اختيار للمستقبل.. فهي في كل الأحوال ستكون أسهل من محاولة فهم المرأة! لكن الاشتياق الطبيعي لآدم أن يتوحد مع حواء لم يتركني طويلاً أصارع مع مخاوفي هذه؛ فتزوجت بامرأة فاقت حلاوة العشرة معها كل أحلام الصبا عن الزواج، ولايزال زواجنا من بدايته وحتى اليوم من أروع خبرات العمر لكلينا.
لكني مقتنع أن المرأة، مع أنها أجمل الكائنات على وجه الأرض، فهي بلا منافس أكثرهم عجبًا! المرأة بطبيعتها لها احتياجات لا يدركها الرجل بطبيعته، وما لم يلتفت إليها ويبادر بتلبيتها، لن تفصح هي عنها من تلقاء نفسها. وعندما يصبح الحال "هو لا يلاحظ، وهي لا تتكلم" يعرف الانفصال المعنوي طريقه إلى علاقتهما، وتمضي سنوات العمر خالية مما قصد الله أن يباركنا به من خلال الزواج. وبالرغم من مضي سنين طويلة على زواجي، أنا لا أحسب نفسي قادرًا بعد على الفهم الكامل للمشاعر المركبة للمرأة. لكني أكتب كرجل يُحب زوجته، ويحترم إنسانيتها كشريك للحياة أسعى باستمرار لتكون علاقتي معها أفضل كل يوم عن سابقه. وأتمنى أن يكون ما سأشارك به من أفكار من خبرة حياتي نقطة انطلاق للأزواج للتعامل مع احتياجات لزوجاتهم لم يظنوا من قبل أن المبادرة بتلبيتها ستقودهم للتمتع بسعادة تملأ حياتهم وبيوتهم، بالإضافة إلى اختبار روعة التجاوب الإلهي مع كل صلاة نرفعها له خارج حدود ترديد الكلمات المحفوظة.. »وأنتم أيها الرجال، عيشوا مع نسائكم عارفين أن المرأة مخلوق أضعف منكم )فاهمين طبيعة احتياجاتها (، وأكرموهن لأنهن شريكات لكم في ميراث نعمة الحياة، فلا يُعيق صلواتكم شيء « .(١بطرس ٣: ٧ الترجمة العربية المشتركة) .
زوجتك تحتاج للشعور بالأمان في علاقتها معك، وتتوقع منك أن تحميها، حتى وإن لم تُعبر عن ذلك بالكلام. فالمرأة بطبيعتها تحب الاستقرار، وتحتاج أن تجد في العلاقة مع زوجها مكانًا للراحة واختبار السلام وسط عالم اليوم الذي يزداد جنونًا. كذلك تريدك أن تدافع عن زواجكما ضد أي هجوم خارجي يهدده.. وأنا لا أتكلم هنا عن الاعتداء البدني الذي تواجهه النساء في المجتمع، بالتحرش بها بطرق عديدة، لأن هذا جزء أصيل من مسؤولية الرجل؛ لكن زوجتك تريدك أن تدافع عن زواجكما ضد الهجوم الشيطاني للميديا الإباحية، التي لا يوجد ما يهدد استقرار ونمو علاقتكما معًا أكثر من متابعتك لها. ولا سبيل للنصرة في هذه المعركة الشرسة إلا بعلاقة اختبارية لك مع المسيح، وبالتمتع اليومي باللقاء معه من خلال الكلمة المقدسة، القادرة أن تميز أفكار قلبك ونياته، وتعطيك القوة لتسلك بطهارة أمام الله، وبالتزام أخلاقي أمام زوجتك وأبنائك.
زوجتك تحتاج أن تعطيها انتباهًا لا يتجزأ.. فتركيز الرجل مع زوجته من أكثر ما يجعلها تشعر بتقديره لها. في الواقع أغلب الرجال لايفهمون لماذا تفتقد زوجاتهم للشعور بالقيمة والتقدير، بالرغم من وجودهما معًا لساعات طويلة في البيت أو خارجه.. يا عزيري إنه التليفزيون، أوالتليفون، و«الآي باد» الذين حولوا التواصل مع الزوجة من الحديث والحوار إلى التخاطب بالإشارة، والتظاهر بأنك تسمع بهز الرأس للموافقة أو الرفض! الوجود في مكان واحد مع زوجتك لا يعني أنكما متقاربان؛ لأن التواصل يرتبط بكيفية التفاتك إليها، وبصدق رغبتك الداخلي للتفاعل معها. عندما تتحدث إليك زوجتك انظر مباشرة إلى عينيها؛ لأن التواصل البصري المباشر مع الآخر يؤكد له أنك تصغي إليه وتقدره. الإجابة بالإشارة رسالة غير مباشرة بأنك غير مهتم بها، لكنها أيضًا رسالة مباشرة لك أن علاقتكما في خطر.
زوجتك تحتاج لأن تحكي معها بانفتاح وصدق.. أغلب الرجال بصفة العامة لا يحبون التفاصيل. أنا على سبيل المثال عندما أتحدث مع أصدقائي أو العاملين معي أريد أن أسمع النتائج قبل سرد التفاصيل، إلا إذا كانت ضرورية لاتخاذ موقف أو قرار ما.. وأعترف أن هذا يحبط البعض مني. لكن الأمر يختلف مع زوجتي.. فعندما أعود للبيت في المساء، وتبادرني بالسؤال: "كيف كان يومك؟" أعرف أنها تريد أن تسمع التفاصيل، وإجابتي عليها باقتضاب: "ماشي الحال" تصيبها بالوجوم؛ لأنها بالطبع إجابة غير كافية على سؤالها. ولقد تعاملت مع هذا القصور في شخصيتي بطريقتين: الأولى أنني تعلمت قبل عودتي للبيت بدقائق أن أعدل حالتي المزاجية استعدادًا للانتقال إلى حالة مختلفة سأجدها عند اللقاء مع أسرتي.. ثم اتفقت مع زوجتي ألا تبادرني بهذا السؤال، وغيره من الأخبار أو الطلبات، فور دخولي للبيت، بل تعطيني قليلاً من الوقت لألتقط أنفاسي، وأكون مستعدًا للاستماع إليها بإصغاء.. وحققت بذلك نجاحًا لا يُستهان به في علاقتي مع زوجتي.
زوجتك تحبك، وتريد أن تعرف عنك كل شيء؛ وهذا بدافع الاهتمام وليس الفضول.. وحتى التفاصيل التي قد تظن أنها تافهة ولا تستحق ذكرها، أو تلك التي تحجبها حتى لا تزعجها أو تقلقها، تراها هي بطبيعتها كامرأة ما يكمل الصورة لتتفهم ما يحدث معك، فتشاركك أفكارك، وتتقاسم معك أحمالك، وتفرح بإنجازاتك. فلا تكن بخيلاً أو مقتصدًا في مشاركتها بتفاصيل ما تمر به أو يحدث معك.. شارك معها ضعفاتك؛ فهذا لن يقلل من قدرك في نظرها، بل على العكس سيزيد من احترامها لك.. لا تستهن بآرائها أو تفكيرها في أمور الحياة؛ فعندما تأخذ ما تقوله لك بجدية سيزيد هذا من ثقتها بنفسها، فتصبح معينًا حقيقيًا لك في مواجهة تحديات الحياة. مع مرور الأيام والسنين على علاقتي مع زوجتي، أدركت مدى تأثير التواصل معها بانفتاح وصدق على سعادتنا واستقرار زواجنا.. وإلى بقية الحديث في المرات القادمة.
(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٣١ يناير/ كانون الثاني ٢٠١٦)
Copyright © 2016 Focus on the Family Middle East. All rights reserved