بقلم: د. ليز وليزلي باروت
إذا رسخت روح التعاون مع شريك حياتك، فإنك ستوفر على نفسك الكثير من وجع القلب غير الضروري، وستكتشف سر إدارة الخلافات الزوجية.
همهمت ليزلي ونحن جالسون لتناول العشاء بعبارة ”أنت تحاول أن تغيِّرني“. فسألتها بجدية مستجمعًا كل ما أستطيع من إخلاص وشعور بالمفاجأة: ”عن أي شيء تتحدثين؟“. والحق يُقال إنني كنت أعلم بالضبط ما كانت تتحدث عنه. كنت أحاول بالفعل تغييرها. وهي كانت تعرف ذلك، وأنا كنت أعرف ذلك. فقط لم أرد أن تعرف أنني كنت أعرف. كنّا نمر بوقت صعب في شقتنا الصغيرة بعد عودتنا من العمل.
ما هي المشكلة؟ لا أحد يعرف. حدث الأمر منذ أكثر من ٢٥ عامًا. كل ما أتذكره أنني تفوهت بتعليق سخيف لأنني لم أعثر على شيء كنت أجده بسهولة في مطبخ بيتنا أثناء سنوات نشأتي.
قالت ليزلي وهي تحاول منع دموعها: ”أنا أتحدث عن طريقتك في التفوه بتعليقات ساخرة. مهما فعلت، يبدو غير كافٍ بالنسبة لك“.
فقلت مدافعًا: ”هذا ليس صحيحًا. أعطِني مثالاً حقيقيًا عن انتقادي لكِ“. وكان هذا خطأ كبيرًا. لأنه في الدقائق العديدة التالية، كانت ليزلي تقدِّم مثالاً محددًا، وأنا أحاول إثبات كيف كان تعليقي الناقد معقولاً ومبررًا جدًا. كانت بمثابة مباراة فكرية على طريقة البنج بونج، ولكن بلا فائز. في الواقع كان عراكًا- بل أول مشاجرة بيننا كزوجين.
في النهاية، قالت ليزلي شيئًا لتنهي هذه المباراة المرهقة: ”الفكرة هي أنني أحاول أن أكون زوجة جيدة، وأشعر أنني خيبت ظنك فيَّ“. فأجبتها في محاولة لمنعها من البكاء: ”أنتِ لا تخيبين ظني“. لكن قد فات أوان منعها عن البكاء. جلستُ عاجزًا تمامًا لا أعلم ماذا أفعل أو إلى أين أذهب.
في المقابل، عرفت ليزلي بالتحديد أين تريد أن تذهب.. إلى البيت. وبينما تجلس ليزلي في شقتنا الصغيرة في وسط لوس أنجلوس، وفي بداية دراساتها العليا وكذلك بداية زواجنا، لم ترد شيئًا أكثر من أن تكون آمنة وبخير في مكان ما. كلانا أرادا نفس الشيء.
سنكون صادقين معكم. المشاجرات لم تتوقف بيننا. لكن نشكر الله أن المشاجرات أصبحت أقل حدوثًا وأكثر إيجابية مما اعتدنا عليه في السابق. وخلال ٢٥ سنة منذ أول مشاجرة فعلية لنا، تعلمنا الكثير عن إيجاد أرضية مشتركة آمنة حين نستشعر قدوم الخلافات نحونا.
فيما يلي ما تعلمناه:
الخلاف قد يكون مفيدًا لزواجكما
أحد الأفكار التي خطرت على ذهن ليزلي حين حدثت أول مشاجرة لنا في ذلك المطبخ الصغير أنه لابد من وجود خطأ أو مشكلة خطيرة بيننا؛ لأن الزوجين المتحابين لا يتشاجران. ومنذ ذلك الحين تعلمنا أن هذا الكلام غير صحيح تمامًا.
تأمل أسباب المشاحنات الزوجية. أولاً، الأشخاص أو أطراف الخلاف ليسوا كاملين. وكذلك العالم الذي نعيش فيه. وبرغم أن هذا يفسِّر منطقيًا عدم وجود زيجات مثالية تمامًا، فإن كثيرين منا لا يزالون يندهشون عندما نواجه الخلافات ويتوقعون أن يكون زواجنا مختلفًا. عامل آخر يضيف الزيت على نار المشاجرات الزوجية هو الميل البشري لرفض التنازل. كل يوم تتصادم الرغبات الشخصية للأزواج والزوجات، سواء كانت رغبات صغيرة أو كبيرة. لابد من التنازل إذا أردوا أن يحلوا خلافاتهم. لكن معظم الناس يجدون صعوبة في التنازل، وبالتالي يصبح الخلاف أمرًا محتومًا.
لكن هدف الزواج ليس تجنُّب الخلافات، بل هو أبعد من ذلك بكثير. فالخلاف إذا عولج بشكل صحيح يمكن أن يساعد في بناء زواج قوي. في الواقع أصبحنا نعتقد أن الخلاف هو الثمن الذي يدفعه المتزوجون النبهاء من أجل شعور أعمق بالحميمية. الخلاف يساعدنا على إزالة الطبقات السطحية للعلاقة، وعلى اكتشاف هويتنا الحقيقية. عندما سُئلت روث جراهام إذا كانت قد تشاجرت يومًا مع زوجها الشهير بيلي جراهام، أجابت: ”أتمنى ذلك. وإلا غابت الاختلافات ولصارت الحياة مملة جدًا“.
مهما كان عمق المحبة بين الرجل والمرأة، فإنهما سيواجهان الخلافات؛ لأنها مكون طبيعي في كل زواج سوي. الحقيقة هي أن الخلافات المدفونة ستقوم من قبرها بنسبة كبيرة. إذا كان هناك شيء يضايق أحدكما، فأفضل شيء أن تضعاه على المائدة وتناقشاه. وبالتالي لا تدفنوا اختلافاتكم. في المقابل انظرا للخلافات على أنها إمكانيات كامنة لترسيخ إحساس أعمق بالحميمية. بالطبع حتى تفعل هذا لابد أن تتعلم إدارة الخلافات بشكل جيد.
رؤية العالم من خلال عيني شريك حياتك تصنع الفارق
منذ سنوات عديدة كنت أعقد مؤتمرًا تدريبيًا لمدرسي المرحلة الإبتدائية. ولكي أساعدهم على فهم أفضل لعالم الأطفال في الصف الثالث الابتدائي، كنت أكلفهم بمهمة المشي على ركبهم في أرجاء غرفة الدراسة. قال أحد المدرسين: ”كنت أفترض دائمًا أن التلاميذ يرون غرفة الدراسة مثلما أراها. تبدو مختلفة جدًا من منظورهم“.
نحن نفعل نفس الخطأ في الزواج عندما نفترض أننا نعرف ما يختبره شريك حياتنا. لكننا لا نعرف فعلاً. كل واحد يفسر الحياة بناء على مجموعة من التصورات والأفكار المتفردة. لكننا فقط عندما ندخل عالم شريك حياتنا بقلبنا وذهننا، نستطيع وقتها أن نفهم بدقة نظرته للأمور. عندما ننظر إلى الحياة من خلال نفس منظور شريك حياتنا، فهذا يعني طرح سؤالين: ١- كيف يبدو أو يظهر هذا الموقف أو المشكلة أو الحدث من منظور شريك حياتي؟ ٢- كيف يختلف منظوره عن منظوري؟ ستتغير بالفعل عندما تفهم بدقة جروح وآمال شريك حياتك. عندما تشعر بشكل واعٍ بمشاعره وتتفهم وجهة نظره، فإنك سوف سترى العالم بشكل مختلف. وفي معظم الحالات، التعاطف يكفي في إنهاء سريع للخلاف الزوجي، ويهيئ الطريق أمام كلمتين بسيطتين ”أنا آسف“.
الاعتذار إمَّا أن يفيد أو يعرقل الأمور
عندما يغضب أحد الشريكين وتكون المشكلة صغيرة (ربما نسي أحدهم أن يزود السيارة بالوقود بعد أن وعد بذلك)، فإن الاعتذار الرقيق يكفي جدًا لإنهاء هذا الموقف. وفي أوقات أخرى، قد يكون الاعتذار أمرًا معقدًا بشكل غريب. مثل الكثير من الأزواج والزوجات، كنّا نعمل مع زوجين اعتادا إنهاء خلافاتهما باعتذرات متسرعة. فقد يقول أحدهم: ”قلت إنني آسف لما فعلته. فلماذا لا تنسى الأمر وتتجاوزه الآن؟“
في واقع الأمر، هذا الشكل من الاعتذار يمثل وسيلة للتلاعب. بل هو طريقة للتنصُّل من المسؤولية وتجنُّب المشكلة الحقيقية. الأسوأ من ذلك، الاعتذار في الوقت غير المناسب يغلق الطريق أمام التغيُّر الحقيقي. أحد الأزواج تحدث بعصبية مع زوجته في حفل للعشاء. ثم قال بعد ذلك: ”أنا آسف، لكن انظري: يجب أن تفهمي أنني أعاني مؤخرًا من ضغوط كثيرة“. كان الزوج يتجنب مسؤولية سلوكه الذي يفتقر إلى الحساسية والمراعاة. الشيء الذي احتاجت زوجته أن تسمعه هو ”أنا آسف، ليس صحيحًا أبدًا أن أنفجر غضبًا في وجهك حتى عندما أكون مضغوطًا“. كان هذا ليوصل إدراك زوجها بأنه قد جرحها وأنه يحاول أن يفعل هذا مجددًا.
كل الأزواج والزوجات يحتاجون لآلية شفائية، أي طريقة لفتح صفحة جديدة في الزواج. إن معرفة كيف ومتى تقول ”أنا آسف“ يمكن أن يصنع فارقًا كبيرًا. اسأل نفسك متى وكيف تعتذر. هل يعتذر أحدكما أكثر من الآخر؟ هل تستخدم الاعتذارات للتغطية على المشكلات؟ الاعتذار الصادق سيولد داخلك شعورًا مريحًا بتنقية الأجواء وتجديد الشعور بالقرب مع شريك حياتك.
التركيز على المشكلة سيؤدي على الأرجح إلى الحل
تذكر أنك تهاجم المشكلة وليس الشخص. ميولنا الفطرية أثناء الخلاف تميل إلى الدفاع عن موقفنا والتشبث به، وليس إلى استيعاب الآخر. إذا اتهمت زوجتك مثلاً بأنها السبب في تأخيرك على المواعيد، فإنها على الأرجح لن تقول ”نعم، أنت على حق. سأتغير من الآن“، بل على الأرجح ستخبرك بأنك تعقد الأمور بالضغط عليها، أو أنك تفتقر إلى الصبر، أو مئات الأسباب الأخرى التي تبرر بها أنها لا تتحمل مسؤولية هذا التأخير. لكنك ستصل إلى نتائج أفضل إذا ركزت على مشكلة التأخير والعمل معًا كفريق لابتكار طريقة لتجنب هذا التأخير. بكلمات أخرى، افصل المشكلة عن الشخص.
إذا أردنا أن نلخص إدارة الخلافات في كلمة واحدة، ستكون هذه الكلمة هي ”التعاون“. لابد أن تكون مستعدًا لإظهار المرونة والإذعان لشريك حياتك. يقول الكتاب المقدس ”أَمَّا الْحِكْمَةُ الَّتِي مِنْ فَوْقُ فَهِيَ أَوَّلًا طَاهِرَةٌ، ثُمَّ مُسَالِمَةٌ، مُتَرَفِّقَةٌ، مُذْعِنَةٌ، مَمْلُوَّةٌ رَحْمَةً وَأَثْمَارًا صَالِحَةً، عَدِيمَةُ الرَّيْبِ وَالرِّيَاءِ“ (رسالة يعقوب ٣: ١٧). إذا رسخت روح التعاون مع شريك حياتك، فإنك ستوفر على نفسك وعلى زواجك الكثير من وجع القلب غير الضروري، وستكتشف سر إدارة الخلافات.
نصائح لإدارة الخلافات
- ابدأ عباراتك بكلمة ”أنا“ بدلاً من ”أنت“. من السهل أن تسمع مثلاً ”أنا أشعر بالإحباط عندما نتأخر عن موعدنا“، بدلاً من أن نسمع ”أنت دائمًا ما تتسبب في تأخيرنا“.
- اجعلا خلافاتكما بعيدًا عن الأطفال -إلا إذا قدمتما نموذجًا جيدًا في كيفية حل الخلافات أمامهم.
- ابتعدا تمامًا عن ”اغتيال الشخصية“-أي لا تنعت شريك حياتك بأية ألقاب سلبية مثل ”أنت كسول جدًا“.
- إذا أردتما وقتًا مستقطعًا، افعلا ذلك -لكن اتفقا على موعد آخر للمعاودة والنقاش وحل الخلاف.
- تجنب إظهار الازدراء بالنظر أو بالسخرية. هذا شيء يسمم علاقاتكما.
© 2021 Focus on the Family. All rights reserved. Used with permission. Originally authored in English by Dr. Les Parrott and Dr. Leslie Parrott and published at focusonthefamily.com