بقلم: سامي يعقوب
للمزيد من هذه السلسلة:
من مفكرتي عن الزواج ١ من مفكرتي عن الزواج ٢ من مفكرتي عن الزواج ٣
من مفكرتي عن الزواج ٤ من مفكرتي عن الزواج ٥
قبل أن أتزوج كنت في قرارة نفسي أتمنى ”أن أتجوز بحق وحقيقي“.. لقد أردت أن أعطي لزواجي كل تركيزي وجهدي لينجح كأهم مشروع في العمر، وعزمت أن تكون صداقتي مع زوجتي منصة انطلاقنا لحياة غير تقليدية تحيط بها السعادة وتسعى للإنجاز. بصراحة لم أكن أريد أن أكون مجرد زوج في البيت، لكني تمنيت أن أشارك حياتي مع زوجة نعم.. لكن مع صديقة أيضًا. الحياة كصديقين أبعد جدًا من مجرد علاقة بين رجل وامرأة ربطهما عقد من الورق، وتثبتت بولادة أبناء! لعلي كنت متأثرًا بما قرأته في حداثتي لمفكر ألماني الجنسية، قال: "افتقاد السعادة في الزواج لا يحدث عادة بسبب نقص الحب بين الزوجين، بل لعدم قدرتهما أن يسيرا معًا كصديقين في الحياة!" نحن نتزوج مَنْ نحب، ولكي يدوم زواجنا لابد أن نحب بالصداقة مَنْ نتزوج.
في مفكرتي أكتب بين الحين والآخر قراءتي الشخصية لنصوص كتابية، بعضها غير ذائع الصيت: «تمتع بالعيش مع المرأة التي تحبها كل أيام حياتك… فهذا حظك من الحياة ومن تعبك الذي تعانيه تحت الشمس.. كل ما تقع عليه يدك من عمل فاعمله بكل قوتك.» (جامعة ٩ : ٩ -١٠ الترجمة العربية المشتركة).. أي تلذذ بالصداقة مع المرأة التي أحببتها وتزوجتها لتعيش معها كل أيام حياتك؛ لأن هذا أفضل مكافأة لتعبك في هذه الحياة.. اعمل بكل طاقتك لتسعد في زواجك، كما تفعل لتنجح في أعمالك.
العلاقة الزوجية لابد أن تكون أقرب علاقة بين شخصين من بين كل العلاقات الإنسانية الأخرى.. وأكثر ما يميز هذه العلاقة هو الثلاثية الموجودة في تكويننا الأساسي كبشر، والتي لا يمكن أن تتحقق سعادتنا بدون إدراكنا لأهمية تفعيل كل عنصر منها لبناء العلاقة بيننا كأزواج وزوجات. هذا ما طلبه الرسول بولس عندما صلى لإله السلام طالبًا أن يقدسنا في كل شيء، ويحفظنا منزهين عن اللوم: في الروح.. "علاقتنا الروحية مع الله ومعًا"، وفي النفس.. "صداقتنا معًا"، وفي الجسد.. "علاقتنا الجنسية كزوجين" (١ تسالونيكي ٥: ٢٣). أن نكون «بلا لوم» تعتمد على تحقيق التوازن بين عناصر هذه الثلاثية، وتجاهلنا لأي منها، أو طغيان أحدها في العلاقة الزوجية، هو ما يجعلنا نشعر بالوحدة، والاغتراب في علاقة قُصد لها التوحد مع الآخر، والتمتع بحميمية لا نجدها في أي علاقة أخرى.. «اثنان خير من واحد لأن لهما أجرة لتعبهما صالحة. لأنه إن وقع أحدهما يقيمه رفيقه، وويل لمن هو وحده إن وقع إذ ليس له ثانٍ ليقيمه. أيضًا إن اضطجع اثنان يكون لهما دفء، أما الوحد فكيف يدفأ» (جامعة ٩ : ١٢).
الكثير يمكن أن يقال عن الصداقة بين الزوجين، ومن مفكرتي اخترت هذه المرة ممارستين كان لهما تأثير إيجابي لا يُعبَّر عنه في دعم علاقتنا الزوجية، وتحقيق حلم الصداقة الذي تمنيت أن أعيشه مع زوجتي:
تعلمنا أن التواصل بانفتاح خبرة ممتعة بدونها لما استطعنا أن نتغلب على الكثير من مشاكل أغلبها كان صغيرًا يمكن تجاهله، وبعضها كان جادًا لابد أن نتوقف عنده لنجد له حلاً توافقيًا له؛ فلا نتركه ينخر في عظام زواجنا. لقد اتفقت مع زوجتي أنه يمكنها أن تسألني بلا خوف أي سؤال شخصي عن حياتي وما يحدث فيها سواءً في السر أو العلن، ووعدت أن أجيبها بصدق مهما كانت الإجابة. والنتيجة أنها لم تسألني ولا مرة عن شيء قد أشعر بالخجل أن أجيبها عليه؛ ببساطة لأنها لم تكن في حاجة أن تعرف ما هو معروف لها من خلال حواراتنا المستمرة معًا، واعترافنا المتبادل بضعفاتنا. الاستثناء في الإجابة على أسئلة زوجتي كان مرتبطًا دائمًا بتوقيت السؤال، وعما إذا كان ينطوي على شبهة حب استطلاع نسائي عن أمور تخص الآخرين؛ فهذه أسئلة لا أجيب عنها. الشفافية في التواصل بين الزوجين هي مفتاح للصداقة ونمو الثقة المتبادلة بينهما.
أيضًا كان للمغفرة السريعة والمتجددة دور فعال في تطوير صداقتنا كزوجين عبر السنين، كما قدمت مثالاً لابنينا عن محبتنا للرب بينما كانا يكبران بيننا. المغفرة في رأيي تحتاج لشخص قوي يطلبها باتضاع، ولشخص أقوى منه يمنحها باتضاع أيضًا.. الصداقة تعني ألا أفترض السوء في شريك حياتي، أو أن أستخدم «شنيور كهربائي» لأحفر في ضميره، وأعرف ما يخفيه في نياته.. مع الصديق نناقش ونجادل بحب بدون أن نفسد الود والاحترام المتبادلين. الحوار بين الأصدقاء يختلف عن خناقة "سي السيد مع جاريته لما تعمله قهوة من غير وش!" وبالطبع لا علاقة له بصراخ "الست إنصاف في وش البواب لما يجيب حاجة أغلى شوية من أسعار السوق!" الأصدقاء يتحاورون ليجدوا حلاً لما يختلفون عليه.. لا يحطمون معنويات بعضهم، ولا يسمحون للمرارة أن تتسلل إلى قلوبهم، كما لا تغرب الشمس على غيظهم.
السر وراء الزواج السعيد سيظل سرًا مهما كُتب أو قيل عنه، والسبب في ذلك أن كل زواج له بصمة مختلفة، وكل زوجين يختاران الطريقة التي يعيشان بها، والتي لا تتطابق بالضرورة مع اختيارات الآخرين لحياتهما. السعادة في الزواج ليس في مقدار التوافق بين الزوجين، بل في قدرتهما على التعامل مع الاختلاف بينهما.. فقدرة الصديقين على التعامل مع الاختلاف، بل وتجاوز الخلافات، أقوى جدًا مما يتوقع مَن لم يجرب أن يكون صديقًا لشريك حياته.
هناك قول شائع بأن الزواج يغير الأشخاص.. أنا شخصيًا الزواج في حد ذاته لم يغيرني، لكن صداقتي مع شريكة عمري هي التي غيرتني!
وإلى بقية الحديث في المرات القادمة.
(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٤ يونيو/ حزيران ٢٠١٧)
Copyright © 2017 Focus on the Family Middle East. All rights reserved.