بقلم: سامي يعقوب
للمزيد من هذه السلسلة:
لا أحد منا معفي من ضغوط الحياة: التزامات في العمل، ومطالب لا تنتهي في البيت.. مصادر مادية محدودة في مواجهة اشتعال الأسعار.. مصاريف الدروس الخصوصية، وإحباط مكتب التنسيق.. جهد بدني يقل مع التقدم في العمر، وتحديات صحية غير متوقعة.. مشاكل مع الجيران أو الأصدقاء، وغوغائية الشوارع مع صعوبة استخدام المواصلات.. تتعدد الأسباب والنتيجة واحدة: الشعور بالإحباط الذي يصل إلى حد اليأس أحيانًا!
بالطبع لا يوجد حل سحري يعفينا من مواجهة هذه الضغوط، فلابد من السعي باجتهاد لنعبر من مرحلة لأخرى حتى نصل إلى الوقت الذي فيه تصبح الذكريات المصدر الذي منه نستلهم مجددًا شجاعة تعيننا أن نُكمل سعينا لبقية أيام غربتنا.. «يا رب من جيل إلى جيل كنت معينًا لنا … سنوات حياتنا سبعون سنة أو ثمانون إذا كنا أقوياء، أفخرها تعب وبلية، وتمر سريعًا مرور الطير… علِّمنا أن أيامنا معدودة؛ فتدخل إلى قلوبنا الحكمة» (كلمات من المزمور التسعين). مرات ومرات جالست كاتب هذه الصلاة الرائعة، موسى رجل اللـه، وفي كل مرة كان حديثه يغير من توجهاتي وموقفي من ظروف الحياة! فالحوار معه يشجعني أن أنظر للوراء؛ فيدهشني مقدار ما أُنجز بمعونة اللـه. كما يُجيب بحكمته على التساؤل: هل حقًا أفخر سنوات العمر هي مواسم التعب والكفاح؟ وكيف نقبل حقيقة أن أكثر أيامنا زهوة هي ألم بلية؟ إجابته قصيرة ومذهلة.. ”نعم.. بالتعب والبلية ينجز اللـه بنعمته قصده لحياتنا، وبينما يشملنا برحمته نفرح عوضًا عن أيام عنائنا، ويظهر فضله لأبنائنا، ويحفظ لنا عمل أيدينا!“
لكن إن كانت أيامنا معدودة، ولا ينقصها التعب أو تخلو من البلية، فلماذا نفتقد للحكمة فنزيدها عناء بالنكد بسبب وغير سبب، ونتفنن في أحباط بعضنا البعض؟ جاءتني الإجابة هذه المرة في لقاء عمل جمعني الشهر الماضي بأحد رجال الأعمال الهولنديين.. فبعد أن أعد لي بنفسه كوبًا من القهوة، جلس ببساطة يحكي عن قصة كفاحه حتى امتلك خمس شركات لتوريد الخضروات والفواكه الطازجة لأوربا، وكيف وصل إلي ما هو عليه من ثراء. ولما سألته عن أكثر ما يشعره بالرضا والشبع من بين كل خبرات حياته أجاب: «أن أرى ابتسامة على وجه مَنْ أعيش وأعمل معهم!» ومع أنه ليس متدينًا، إلا أن كلامه عن أن الحياة قصيرة، و لا شيء فيها يستحق الغم أو إثارة النكد في البيت أو العمل، أحضر إلى ذهني قول السيد المسيح: «لست بعيدًا عن ملكوت اللـه». وبعد نهاية هذا اللقاء الممتع، رجعت لحوار الرب يسوع مع أحد معلمي اليهود الذي سأله عن أعظم وصية في الشريعة (مرقس ١٢: ٣٤- ٣٩) ، وقرأت النص لكن من منظور ما ذكره رجل الأعمال هذا عن أكثر ما يسعد الإنسان، ويجعله يشعر بالرضا.. إنها محبة القريب التي هي أفضل من كل الذبائح والقرابين! لكني أعرف أن محبة القريب لا يمكن ممارستها بمعزل عن محبة اللـه من كل القلب والفكر والقدرة!
وفكرت مَنْ هو قريبي في هذه القرينة؟ إنه مَنْ أتقاسم معه ساعات عمري وأيامي.. في البيت مع شريك الحياة والأبناء، أو مع الأصدقاء وزملاء العمل. ثم حاولت خلال الفترة الماضية أن أتطلع إلى وجوه الذين أتقابل معهم في أي مكان أتواجد فيه، واكتشفت أن البهجة قد غابت عن كثيرين بسبب الضغوط الكثيرة، وسرعة عجلة الحياة اليومية.. حتى «وسائل التواصل الاجتماعي» قد فعلت في الناس عكس ما يوحي به اسمها؛ فسبتهم إلى عالم التوحد مع النفس والانعزالية، وهنا بدا بوضوح أننا جميعًا وبلا استثناء نحتاج للتشجيع أكثر من أي شىء آخر.
ما نقوله للآخرين من كلمات تشجيع عابرة يمكن أن تبدل مشاعرهم وترفع من معنوياتهم على المدى القصير. لكن إذا أردنا أن نساعد مَنْ نعيش معهم على مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل بشجاعة وإيجابية على المدى البعيد، فلا بد أن نذهب إلى أبعد من مجرد الكلام، خاصة مع شريك الحياة والأبناء، والقريبين منا في العمل أو الأصدقاء.. وهذا بعض مما جربته عمليًا في حياتي فصنع فرقًا مع زوجتي وابنيّ، وأيضًا مع بعض ممَنْ اقتربت منهم في العمل والخدمة.
دع أحباءك يعرفون أنك متاح للحديث معهم في أي وقت يحتاجون فيه للمشاركة بما يشعرون به، أو الحديث عما يواجهونه من مشاكل. قد لا تملك دائمًا أن تعطي نصيحة مفيدة أو تقترح حلاً فوريًا للمشكلة.. لكن لا تستهن بتأثير الإصغاء لهم، وتفهم ما يشعرون به من وجهة نظرهم على معنوياتهم. إتاحة الفرصة للشخص ليعبر عن تفاصيل المشكلة أو ما يسبب القلق لديه كثيرًا ما يقود للاستنارة التي يحتاجها للتعامل بشجاعة مع الموقف الذي يمر به.
لا تبخل أن تعلق على التقدم الذي يحرزه الآخرون في حياتهم الشخصية أو الروحية. عندما يحقق الأبناء أهداف دراستهم، أو يحصل شريك الحياة على ترقية في العمل، أو ينجز أحد العاملين معك مهامه بجدارة وإخلاص، عبر عن تقديرك بدون مبالغة أو تملق. نحن نشعر بالإحباط عندما لا يلاحظ الناس النمو في شخصياتنا، أو ما نحققه من نجاح عندما نتغلب على الصعاب التي تواجهنا بالمثابرة لأشهر طويلة أو ربما لسنين. أغلبنا يركز في تعليقاته على الإخفاق بدلاً من التقدم والنجاح، لكننا جميعًا نحتاج لطاقة تسري في أوصال نفوسنا لنواصل المسيرة بشجاعة.. «الغم في قلب الرجل يُحنيه -يُؤلمه-، والكلمة الطيبة تفرحه» (أمثال ١٢ : ٢٥). وإلى بقية الأفكار في المرات القادمة.
نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٥ يونيو/ حزيران ٢٠١٦
Copyright © 2016 Focus on the Family Middle East. All rights reserved