Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

بقلم: سامي يعقوب
للمزيد من هذه السلسلة:

الدرجة أم الشخصية ١              الدرجة أم الشخصية ٢              الدرجة أم الشخصية ٣ 

الدرجة أم الشخصية ٤              الدرجة أم الشخصية ٥              الدرجة أم الشخصية ٦


أعترف أني في أيام الدراسة الثانوية لم أكن تلميذًا لامعًا.. لم يكن ما ندرسه من علوم في أغلبه يُثير اهتمامي، أو يتفق مع ميولي الشخصية! كانت الفصول الدراسية تمر بطيئة ومملة فلم أتطلع  أبدًا إلى يوم التخرج بل إلى يوم الخلاص من كابوس دراسة مواد لم أجد آنذاك سببًا وجيهًا يشجعني على محاولة فهم تفاصيلها،
 التي لم يكن لها أي علاقة بالحياة اليومية، أو مع ما كنت أحلم به لمستقبلي! كان التركيز،-كما هو الحال دائمًا، منصبًا على كيفية الإجابة على أسئلة الامتحانات، وإحراز أعلى الدرجات ”وبس“!

 الكيمياء كانت ثقيلة على قلبي، وزاد ثقلها ما يُقال عن أنها تتبخر سريعًا من الذاكرة، و”خوانة“ في الامتحانات.. طب حد يقولي ليه أذاكرها بعد كل السمعة دي عنها؟ ذهبنا مرة إلى المعمل، وكان الدرس عن المعايرة بين القلوي والحامضي لقياس نقطة التعادل (PH ).. وأعطينا كميتين منهما، وكان مطلوبًا أن نخلطهما معًا ببطء، وعندما يتحول الخليط إلى اللون الوردي الفاتح نعرف أننا وصلنا إلى نقطة التعادل! لم أفهم الأمر فلم يجذبني، فتركت المعمل والغيظ يملأني؛ خوفًا من أن يأتي سؤال في الامتحان عن هذا الموضوع وأفقد الدرجة! مرت السنون، وجاء الوقت الذي عرفت فيه أهمية أن ندرس مثل هذا الموضوع كأحد العوامل المؤثرة في جميع مجالات الحياة.. من المطبخ في البيت إلى غرفة الجراحة في المستشفى.. من الأدوية إلى خليط الخرسانة.. من الزراعة في الحقول إلى صناعة الخبز وكل أنواع الغذاء.. من معالجة مياه الشرب إلى المفاعلات النووية.. وغيرها في كثير من المجالات! وآه لو كنت عرفت هذه الحقائق مبكرًا كتلميذ، لوُجد ما كان يحفزني على محاولة فهم ما أدرسه بدلاً من أن أخاصمه.. ولوفرت على نفسي جهدًا وتكلفة باهظة لأتغلب على مشاكل تقنية واجهتها في مطبعتي اليوم! أذكر هذا المثال لأشجع كل الآباء الذين لديهم أبناء دوافعهم التعليمية غير تقليدية مثل أبنائي؛ كي يعطوهم بالحوار من الأسباب التي تجعلهم يُقبلون على دراسة العلوم المختلفة، ليس من أجل الدرجة بل من أجل أن تكون لهم المعرفة التي تمكنهم من التعامل مع تحديات الحياة، وتضمن لهم النجاح.

في مدرسة تربية الابناء ٥

 

المعرفة قوة أعمق جدًا من مجرد الحفظ الصم، أو حتى الفهم  للإجابة على سؤال في امتحان. قوة المعرفة تكمن في القدرة على إدراك قيمة المعلومة في ضوء علاقتها بالأشخاص والأشياء في الحياة.. فما فائدة الدرجة الأعلى إذا كان صاحبها لا يستطيع أن يعبر شارع الحياة المزدحم دون أن يتعثر أو يصطدم بما يحطمه ويجعله تعيسًا؟ هل تعرفون لماذا غاب أوائل الشهادات عن مسرح النجاح، بينما صعد عليه آخرون لم يكن لهم حظ وافر في تحقيق الدرجات النهائية مثلهم؟ لأن الأولوية أعطيت للدرجة على حساب تنمية المهارات الشخصية التي تصنع الفرق في الواقع العملي. كيف يمكن أن نقبل كآباء أن نفتخر بالدرجة النهائية التي يحصل عليها أبناؤنا التلاميذ اليوم، حتى وإن كان هذا سيجعل منهم خريجين تعساء في الغد؟!

 

هل كل مَنْ تخرَّج طبيبًا أصبح أميرًا للقلوب مثل الدكتور مجدي يعقوب؟ وهل كل من درس الهندسة أو إدارة الأعمال تميز عالميًا ومحليًا مثل المهندس نجيب ساويروس؟ لست بحاجة للقول بأن نجاح هذين العظيمين لم يكن بالصدفة أو الحظ، لكنه بكل تأكيد جاء من واقع شخصية أعدتها جيدًا أسرة تفهم المعنى الحقيقي للنجاح.. فتدرب كل منهما من صغره أن يجتهد ليكون ما هو عليه في مستقبله.. وهكذا تحددت مبكرًا اختياراتهما لما يعيشان من أجله اليوم. ما الذي يجعل رائد جراحة القلب المفتوح العالمي يعود إلى وطنه، ويذهب إلى أقاصي الصعيد ليستخدم كل ما تبقى من عمره ليعطي عمرًا جديدًا لأناس لا يعرفهم، وهو لا يبتغي من وراء ذلك مالاً أو ينتظر حتى كلمة شكر.. لابد أنها نوعية الشخصية. ساويروس الذي فتح بيوت الآلاف، وأحب أهل وطنه أكثر من حرصه على أمنه الشخصي، ووقف في الثغر بشجاعة في وقت الأزمة، وعاد إلى الوطن في وقت كان الكثيرون يحاولون القفز من المركب قبل أن تغرق.. تُرى هل فعل ذلك رغبة في الحصول على المزيد من الثروة، أو لامتلاك عدد أكثر من الشركات في بلاد العالم؟ مَنْ يعرفه عن قرب يؤكد أنها نوعية شخصيته لا أكثر ولا أقل! ما أصدق قول الرب على فم الحكيم سليمان: ”يا ابني… إذا دخلت الحكمة قلبك، ولذَّت المعرفة لنفسك، فالعقل (حسن التدبير) يحفظك، والفهم ينصرك.“ (أمثال ٢: ١٠ -١١).

 

يا كل أب وأم، أعجبكم هذا الكلام أو صدمكم.. ارحموا أبناءكم من سيف الدرجة الذي تضعونه على رقابهم، حتى يرحمكم الله. الحياة والوطن بحاجة للمزيد من يعقوب وساويروس.. فمثلهما يوجدون في بيوتكم؛ فلا تضيعوا الفرصة عليهم وعلينا.. وإلى بقية الحديث في المرة القادمة.


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ١٦ فبراير/ شُباط ٢٠١٤)

Copyright © 2014 Focus on the Family Middle East. All rights reserved

 

 

 

 

 

 

 

 

ابناونا الصبيان كيف نربيهم بالطول