بقلم: سامي يعقوب

للمزيد من هذه السلسلة:

عائلاتنا والأزمة ١          عائلاتنا والأزمة ٢          عائلاتنا والأزمة ٣     

عائلاتنا والأزمة ٤          عائلاتنا والأزمة ٥


لا أحد ينكر أن أمور الوطن تبدو غير واضحة، بل وكئيبة بالنسبة للكثيرين منا أقباطًا كنا أو مسلمين، خاصة فيما يتعلق بهُوية بلدنا، وما يمكن أن تُسفر عنه نتائج الانتخابات البرلمانية. وفي ظل تداعي الأحداث الأخيرة من الطبيعي أن يسود شعور عام بأن هناك ما يهدد مستقبل واستقرار وطننا

لقد تعبنا من تلاحق الأزمات خلال الأشهر التسعة الماضية، والتي ألقت بظلال من الخوف والشك على أغلب أحاديثنا فلم تعد تخلو من السؤال: "ماذا يمكننا أن نفعل الآن؟" وما أصعب أن نجد إجابة الآن توضح لنا كيف نخرج من هذه الأزمة .

هذا السؤال ليس بجديد؛ فقد تردد عبر الزمن في كل مرة واجه فيها الآباء ظروفًا بدا أنها تفوق طاقتهم على الاحتمال، أو يستحيل التعايش مع ما تسببه من مخاوف وضغوط. في الكتاب المقدس نقرأ عن كثير من الشخصيات المشهود لها بقوة الإيمان الذين عبّروا عن هذا السؤال بشكل أو آخر في وقت أزمتهم.. على سبيل المثال: أيوب عندما فَقَد صحته وكل ما له، وراعوث عندما مات زوجها، وداود عندما طارده الأشرار، وبولس عندما واجه خطر الموت مرارًا، وعانى الاضطهاد الشديد من أجل إيمانه وشهادته للمسيح. إلا أن كل هؤلاء الأبطال استمدوا شجاعتهم في مواجهة الظروف القاسية من إيمانهم بالله، وتمسكهم بطاعته؛ ووسط آلامهم وضيقهم أقروا جميعًا بحاجتهم إلى معونة الله، وبضعفهم البشري في مواجهة قسوة الظروف وشدة مقاومة الأشرار .

لقد اعتدت من سنين، أثناء متابعتي لأحداث الوطن، أن أجد لنفسي ملاذًا وتشجيعًا في كلمة الله.. ومع أحداث الأسبوع الماضي وتوقعات الأسبوع المقبل وقفت مجددًا أمام قصة لرحلة إيمان أبهرني تشابه تفاصيلها مع ما نمر به ويخيفنا اليوم. ففي روعة وإيجاز سجل لنا داود النبي في المزمور الحادي عشر إجابة مشجعة ومعزية على السؤال الذي يُحيرنا اليوم.. فعندما رأى رفقاؤه أن مقاوميهم يستعدون للهجوم عليهم سألوه في خوف: "إذا اهتزت الأعمدة، فالصدِّيق ماذا يفعل؟" (عدد 3). وتساءلت معهم أنا أيضًا: "نعم، ماذا نفعل الآن؟" لكني تابعت القراءة ووجدت في هذا المزمور ما يجعلني أدعو من هذا الركن في "وطني" كل أسرة أن تجمع أبناءها ليقرأوه معًا؛ راجيًا أن يجدوا في معانيه ما يسكِّن الطمأنينة في قلوبهم .

في اعتقادي أن السؤال في العدد الثالث هو نقطة الارتكاز المحورية للاختبار الذي يحكيه المزمور. فالعددان ١ و٢ يصفان الظروف الضاغطة التي أحاطت بالكاتب، بينما تخبرنا الأعداد التالية (٤، ٥، ٦، ٧) بالإجابة على السؤال، وتؤكد لنا أن العبرة بالنهاية !

 لم يبدأ داود مزموره بالتعبير عن الشك والخوف، بل بإعلان ثقته في "يهوه" إلهه.. وكأنه بهذا الإعلان أراد أن يمهد لحواره مع الخائفين الذين نصحوه بأن يهرب كالعصفور إلى حيث يجد أمانًا لحياته. وبالفعل فإن العصافير عندما تواجه خطرًا لا تبقى على الأرض أبدًا لتدافع عن نفسها، لكنها تطير بسرعة لتتجنب الخطر. وهنا نلمس بوضوح نبرة اليأس في كلام الخائفين الذين كانوا على استعداد للهرب. وبينما يبررون خوفهم ورغبتهم في الهروب بازدياد وتعدد أنشطة الأشرار في مواجهة "مستقيمي القلوب"؛ لم يدركوا أن الهروب كالعصافير يعني التخلي عن الثقة في الله، والاتكال على حلول بشرية للخروج من الأزمة، حتى وإن كانت على حساب الثبات والتمسك بالإيمان! ثم في قمة حيرتهم تساءلوا عن مصير المؤمن إذا تزلزت الأرض تحت قدميه، وبدا أن الأشرار على وشك أن يدمروا ثوابت حياته (ع ٣).

 أما داود فلم يطلب من الله أن ينقذه مما يهدده، لكنه قدم للخائفين من حوله إعلان ثقة وإيمان في قدرة إلهه غير المحدودة؛ مما جعله يرفض أن يهرب كالعصفور لينجو بنفسه. ثم أجاب على السؤال بأن الله الجالس على كرسي عرشه في السماء يرى كل ما يحدث في هذه الحياة؛ فهو لا يُفاجأ بشيء، ولا تربكه خطط الأشرار؛ لأنه يعرف ما في قلوب بني البشر (ع ٤). ويكمل داود حديثه مع الخائفين مؤكدًا أن الله قد يمتحن المؤمنين، فيسمح أحيانًا بأن يجتازوا أوقاتًا صعبة، لكن هذا فقط لينقيهم كما يُنقى الذهب والفضة بالنار. "أما الشرير ومحب الظلم فتبغضه نفسه".. فالنار التي تمتحن المؤمن ستكون من نصيب الشرير أيضًا؛ فتُبيد خططه ضد الصديق.. والفارق بين الحالتين هائل (ع ٥ و٦)! ثم يذكر داود أهم ما يدعوه أن يضع ثقته الكاملة في الله، ألا وهو أنه إله عادل بطبيعته، ويحب العدل.. أي قادر على تحقيقه (ع ٦)؛ وفي هذا ضمان أن مؤامرات الأشرار لا تنجح أبدًا! ثم يختم داود بوعد فيقول: "المستقيم يُبصر وجهه" كنتيجة لاتكاله على الله.. والمعنى هنا أننا عندما نمر بأزمة، وندخل إلى محضر الله بالصلاة سنجد رحمة وعونًا. فهل نختار أن نضع ثقتنا في ضابط الكل الذي بيده آجالنا؛ أم نترك أنفسنا فريسة لهواجس ما قد يخططه البشر لمستقبلنا؟ !

 غير أنني من أكثر المقتنعين بأن اتكالنا بالإيمان على الرب إلهنا لا يعفينا بأي حال من ضرورة تحمل مسئوليتنا، والذهاب بكل ثقة وشجاعة إلى صناديق الانتخاب. فإذا لم نذهب أنت وأنا لاختيار مَنْ نراه صالحًا لتمثيلنا في البرلمان، فمَنْ يا ترى سيذهب بدلاً عنا؟ وإذا لم ننتهز هذه الفرصة لكي نشارك عمليًا في دعوة الله للمؤمنين في كل الأزمان أن يصنعوا فرقًا حيثما وُجدوا، فمن الذي سيفعل هذا إذن؟ !

 ربما لا يكون لديك أو لديَّ ما يؤهلنا في المرحلة الحالية أن نكون في موقع قيادي مؤثر على المستوى القومي.. لكن صوتك وصوتي يمكن أن يصنعا فرقًا يؤثر في اختيار مَنْ سيأتون إلى هذا الموقع، ويكون لهم سلطة تحديد شكل مستقبل بلادنا. فلنقدم بأنفسنا نموذجًا عمليًا للمواطن الصالح بحسب المفهوم المسيحي للمواطنة، ولنشجع بلا تردد جميع أقاربنا وأصدقائنا وجيراننا على الذهاب للإدلاء بأصواتهم قبل أن نفاجأ بواقع نرفضه جميعًا لعلي أسمع صوت القديس أغسطينوس آتيًا من بعيد يقول: "المواطنون في ملكوت الله هم أكثر المؤهلين لأن يكونوا مواطنين في ملكوت الإنسان !"


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٢٧ نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١١)

Copyright © 2011 Focus on the Family Middle East. All rights reserved