Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

خساير ليست هنية

 

أخبرت هالي، البالغة من العمر ١٤ عامًا، المشيرة النفسية التي تُدعى آن: "أريد أن أبني علاقة مع أمي، لأنها أمي."

لم تكن لأم هالي أي حقوق لحضانة ابنتها لأنها كانت تعاني من مرض عقلي، مما يجعلها أحيانًا غير آمنة في تواجدها مع ابنتها هالي. عاشت هالي مع أبيها، الذي لم يسمح لها بقضاء أي وقت مع أمها؛ إذ كان يظن أنه يحمي ابنته من الإيذاء المحتمل في هذه العلاقة. لكن عدم وجود علاقة لهالي مع أمها كان يمثّل خسارة ليست هينة بالنسبة لها. هذه الخسارة لم يدرك والدها مدى فداحتها.

شرحت هالي للمشيرة آن ما يلي: "أدرك أن أمي غير آمنة بالنسبة لي، لكن هذا يمثل خسارة كبيرة. نعم هي مصابة بمشاكل نفسية وصحية، لكن هذا لا يمثل خبرتي الكاملة مع أمي. الحقيقة هي أنه ليس من الآمن التواجد معها لمدة ١٠ دقائق أسبوعيًا، ولكننا لا نستطيع التنبؤ متى ستأتي هذه الدقائق العشر. هل توجد طريقة تساعديني بها أن أبني علاقة مع أمي بحيث لا أخسرها؟"

قدمت آن المساعدة لهالي وأبيها ليخرجا بخطة. ولأن هالي وأمها، التي كانت أمًا مُحبة ودودة مشجعة، كانا يستمتعان بالرسم معًا؛ فقد قررا أن جلسة للرسم سويًا مرة واحدة في الأسبوع ستساعد في بقاء العلاقة واستمراريتها. ثم قامت آن بمساعدة هالي على تعلُّم كيف ترصد بعض الأعراض التي قد تُنبئ بحدوث وشيك بالنوبة العقلية لأمها. اعتاد أبوها أن يوصلها لبيت أمها، وينتظرها في السيارة، متأهبًا لاصطحابها في التو واللحظة- متى استدعى الأمر هذا. لم يكن والد هالي يدرك أن رغبته في حماية ابنته قد أدت إلى خسارة كبيرة لها.

كما نرى من قصة هالي، تحدث الخسارة بأشكال وأحجام كثيرة، لكن عواصف الخسائر غير الهينة لها سمة مشتركة.. إنها تهز قارب حياة طفلك. نحتاج أن نساعد أطفالنا على التعامل مع الصدمة والحزن الذي يأتي في أعقاب الخسائر غير الهينة -ذلك النوع من الخسائر التي من المحتمل جدًا أن نواجهه جميعنا، كبارًا وصغارًا، في مرحلة ما في رحلة حياتنا. كآباء وأمهات نريد أن نزود أطفالنا بقارب قوي لا ينقلب عندما تأتي العواصف وتضرب حياتهم.

 

For Titlesمواجهة ما هو حتمي

الخسارة والحزن يمثلان خبرة إنسانية عامة.. كل إنسان يعرف هذا؛ لذلك من الغريب أن أحداث الموت والمصائب دائمًا ما تبدو لنا أنها تحل علينا فجأة. نحن لا نراها آتية لأننا لا نريد أن نرى، ولا نريد أن نرى لأننا نعرف أن الأمر سيكون مؤلمًا. وما نفشل في إدراكه هو أن الألم سيزداد سوءًا بمرور الوقت إذا لم نقضِ وقتًا في التطلع في وجه الألم الآن!

مهما بدا الأمر غريبًا، يمكنك البدء مبكرًا بحماية أبنائك من الانتحار بمساعدتهم على مواجهة حتمية الخسارة من البداية. من الطبيعي أننا لا نتحدث هنا عن إلقائهم في الناحية العميقة من حمام السباحة قبل أن يكونوا مستعدين لذلك، وإنما نحن نشير إلى عملية بطيئة وتدريجية ومناسبة لأعمارهم تمنحهم بعض الاستيعاب المبدئي لحقيقة أساسية: رغم أن العالم قد يسلبنا أشياء جميلة ومهمة كثيرة، فإنه لا يستطيع أن يسلبنا الكرامة والهدف الذي نملكه كأولاد الله.

 

 

For Titlesخسائر ملموسة في مقابل خسائر وجودية

من السهل أن نربط فكرة الحزن بشكل حصري بموت أحد الأحباء. بالطبع هذا أمر هائل، لكنه لا يمثل القصة بجملتها. الخسارة العميقة يمكن أن تلحق بالنفس البشرية على كل المستويات تقريبًا وفي كل جوانب الحياة تقريبًا. في الواقع يوجد تصنيفان أساسيان للخسارة: الخسائر الملموسة، والخسائر الوجودية (المعنوية). دعنا نلقي نظرة عن قرب ونرى الفرق بينهما:

الخسائر الملموسة تتضمن الانفصال عن أشخاص حقيقيين أو أشياء حقيقية في العالم الخارجي المحسوس المادي المرئي. فيما يلي بعض الأمثلة:

  • وفاة أحد الوالدين، أو أحد الإخوة، أو أعضاء العائلة الكبيرة، أو الأصدقاء المقربين.
  • رفض من الأصدقاء (بما في ذلك التنمر).
  • تغيُّر كبير في الحياة، أو السكن في مدينة جديدة، أو الالتحاق بمدرسة جديدة، أو مجتمع جديد.
  • ضيقات مادية بسبب فقدان أحد الوالدين لوظيفته.
  • فقدان المنزل بسبب عدم دفع الأقساط أو العجز عن دفع الإيجار.
  • إنهاء علاقة مع حبيب أو حبيبة.
  • خيبة الأمل أو الفشل في إحدى الرياضات أو في الدراسة.
  • موت الحيوان الأليف.
  • انفصال الوالدين (أو الطلاق).
  • إصابة أو مرض خطير.
  • انقسام في الكنيسة أو فضيحة أخلاقية لدى أحد القادة الروحيين.

أما الخسائر الوجودية (المعنوية) هي خسائر يشعر بها الفرد ويختبرها من الداخل، سواء وُجد ما يقابلها من خسائر في العالم المادي الخارجي أو لا. يوجد قدر كبير من التداخل بين الفئتين. معظم، إن لم يكن كل، الخسائر المحسوسة سيصاحبها بعدٌ وجودي. لهذا السبب الخسارة الوجودية يمكن أيضًا تعريفها على أنها التأثير النفسي والعاطفي للخسارة المحسوسة. يمكن سرد عدد لا حصر له من أمثلة هذا النوع من الخسائر، لكنها ستتضمن ما يلي بالتأكيد:

  • خسارة احترام الذات.
  • خسارة الآمال والأحلام.
  • فقدان المعنى والهدف والقيمة.
  • فقدان الهُوية خلال المراهقة (بسبب تغيرات جسمانية أو هرمونية، أو رفض الأقران، أو عدد من المشكلات المرتبطة بذلك).
  • فقدان الحرية لتكون على طبيعتك بعد البلوغ (خاصة لدى البنات، بسبب الضغط عليها لاكتساب شخصية أكثر تحررًا من الناحية الجنسية).
  • فقدان التفرد (بسبب الضغوط نحو مسايرة الثقافة المحيطة).
  • فقدان القدرة على التحكم أو الاختيار (غالبًا ما يؤدي إلى اضطرابات في تناول الطعام أو عادة تقطيع الجلد).
  • فقدان الأمان (بسبب فقدان أحد الوالدين، أو المنزل، أو الأزمات المالية).
  • فقدان الإيمان والثقة، سواء في الوالدين، الراشدين، المجتمع، الكنيسة، أو الله.
  • فقدان الشلة أو منظومة الدعم (بسبب تغيير مكان السكن أو رفض الأقران).
  • فقدان الوالدين، أو المرشد الروحي، أو القدوة.
  • فقدان السلام، والروتين، وفقدان الشعور بالتوازن.
  • فقدان براءة الطفولة.
  • فقدان الخيال والإبداع.
  • فقدان الاستقلالية.

 

For Titlesالخسائر المتوقعة في مقابل الخسائر غير المتوقعة

بعض الخسائر تكون صادمة أكثر من غيرها؛ لأنها تحل بدون مقدمات. وفاة الجدة في عمر يناهز ٨٥ عامًا وهي مصابة بالسرطان تتركك مجروحًا وحزينًا؛ لكن لأن الأمر يكون متوقعًا، فلا يكون بنفس الصدمة التي تحدث لدى الفقدان المفاجئ والسابق لأوانه لأحد الأبناء أو الإخوة.

الخسائر غير المتوقعة تشبه النقاط العاطفية العمياء.. إنها تهاجمنا ونحن غير متأهبين لها؛ لأنها ببساطة ليست في نطاق عمل الرادار الخاص بنا. فإذا أصبت أنت أو طفلك بواحدة من هذه القذائف المتفجرة، يجب أن تتذكر أنه ليس هناك عيب في البكاء والحزن. وأن عملية التعافي ستحدث أسرع إذا واجهت الألم بشكل مباشر.

 

For Titlesالاستجابات غير السوية للحزن

يختبر الأشخاص الخسارة ويعبرون عن حزنهم على طريقتهم المتفردة، بينما تمثل الاستجابات الشخصية طيفًا كاملاً من النقيض إلى النقيض. وكما تقول الراحلة دكتورة إليزابيث كوبلر روس: ”حزننا يأتي متفردًا مثل حياتنا.“ (١) بعض الاستجابات تكون نافعة ومثمرة، لكن بعض الاستجابات الأخرى يمكن أن تقود الشخص أكثر إلى حافة اليأس. المبدأ الأساسي الذي يجب أن نتذكره أن الألم بدون معالجة يتوطن بالداخل، وفي النهاية يخرج في شكل هدام. فيما يلي قائمة تتضمن بعض التبعات غير المرغوب فيها للخسائر غير الهينة:

  • الانعزال.
  • تخدير الذات (بالمخدرات، الكحوليات، البورنو، وأي سلوك إدماني آخر).
  • لوم الذات، ومشاعر الخزي والذنب.
  • صعوبة في النوم.
  • التشكك في الله والإيمان الشخصي.
  • تزايد القلق والخوف.
  • الإجهاد والغثيان.
  • فقدان الوزن أو زيادته.
  • انخفاض المناعة.
  • آلام بالصدر.

 

For Titlesالحزن المعقّد

هذه الاستجابات غير السوية يمكن أن تتفاقم أكثر بسبب الحزن المعقّد، وهو نوع من الحزن يختبره الأشخاص عندما يعانون من خسارتين أو أكثر من الخسائر غير الهينة في فترة زمنية متقاربة. على سبيل المثال، تجربة وفاة أحد الأحباء بعد فقدان الوظيفة أو حريق مدمر بالمنزل، هذا يمثّل حزنًا معقدًا. هذا النوع من الحزن يرتبط عادة بالمواقف المعقدة مثل الوفاة الناتجة عن عمل عنيف، حادث سيارة، القتل، أو الانتحار. هذا الحزن يحدث عندما يعجز الشخص على تجاوز الآثار الناجمة عن كارثة فيفاجأ بكارثة أخرى.. وهذا قد يولّد شعورًا بالعجز الشديد وفقدان إرادة الحياة.

الحزن المعقد يمكن أن يشير إلى حزن لم يعالج بشكل صحيح في غضون فترة زمنية معقولة -سنتين أو ثلاث في أغلب الحالات.. بعض الأشخاص، لأسباب خاصة بهم، يرفضون ببساطة أن يتخلوا عن ألمهم. هذا الميل قد يصبح وصفة جاهزة لليأس والكارثة إذا سُمح له بالتوغل دون مقاومة.

 

For Titlesالتقدُّم للأمام: طرق إيجابية لتجاوز الحزن

فيما يلي الأخبار السارة: هناك طريقة سوية وبنّاءة لاستيعاب الحزن وتجاوزه. جميعنا -كبار، أو أطفال، أو مراهقون، الكل سواء- يمكن أن نتعلم كيف نجتاز تجربة الخسارة المؤلمة، ونخرج أقوى من ذي قبل. الأمر يحتاج إلى الصبر والمثابرة. من المتفق عليه بشكل عام أنه برغم أن الحزن لا يُمحى تمامًا، هناك بعض الجوانب الضرورية للنمو والرجوع مرة أخرى للاستقرار بعد الخسائر الصعبة. فيما يلي بعض الخطوات الأساسية في هذه الرحلة:

  • اقبل واقع الخسارة. اتخذ خطوات للتغلب على الاستجابة الطبيعية بالإنكار. في حالة الوفاة، من النافع أن ترى الجثمان، وتحضر الجنازة وإجراءات الدفن. أيًا كان شكل الخسارة، من الجيد دائمًا أن نقضي بعض الوقت في التحدث عنها بانفتاح. لا تخلط بين القبول بالأمر والاستقرار العاطفي. الرجوع إلى الحالة العاطفية المعتادة هو شيء يحدث فقط بمرور الوقت.
  • اختبر ألم الحزن. كثيرون يحاولون تفادي ألم الخسارة عن طريق كبت عواطفهم أو رفض مشاعرهم. الطريقة الوحيدة لتجاوز الحزن هو التحرك به ومن خلاله يوميًا مع فيضان وانحسار المشاعر. الخبرة الكاملة للحزن -في أغلب الأحيان من خلال الدموع أو أي شكل آخر من التعبير- تؤدي إلى ارتياح حقيقي بعد ذلك.
  • تأقلم مع الظروف الجديدة. هذا قد يتطلب من الشخص الحزين أن يتقلد بعض المسؤوليات والأدوار الاجتماعية التي كان يقوم بها سابقًا الحبيب الراحل. في حالات أخرى، قد يعني هذا الاعتياد على المدرسة الجديدة أو السكن الجديد.
  • استثمر الطاقة العاطفية التي لديك في علاقات سوية تمدنا بالحياة. استمر منخرطًا في الحياة.. الهدف هنا ليس أنك تنكر الدلالة والمعنى لخسارتك؛ على العكس، الهدف هو أن تصل إلى نقطة يمكنك فيها أن تتذكر الخسارة دون أن تعلق بها. الصداقات الجديدة يمكن أن تساعدك على المضي قدمًا بالرغم من الوجع والأسى.

الأمر الهام هو أن تسمح بوقت ومكان للحزن والنضوج. لا توجد مواعيد زمنية محددة لهذه الرحلة؛ لكن كلما كنت مستعدًا لاستيعاب التجربة الحزينة، تجاوزتها بأكثر سرعة. إذا تعرض أطفالك لنوع من الخسارة، شجعهم على المشاركة في برنامج للتعافي، أو ابحث عن مرشد روحي، أو ربما تخصص بعض الساعات أسبوعيًا للصلاة، وتدوين الخواطر، أو التأمل في تجربتهم مع الحزن.

 

For Titlesلا تدع القصة تطول

أفضل طريقة حتى لا يتحول الحزن إلى أفكار أو سلوكيات انتحارية هو ألا تكتم مشاعرك وتخزنها حتى لا تطول القصة. اعترف بالوجع، وتعامل معه على الفور. إذا تعرضت أنت أو أطفالك لخسارة مدمرة، لا تحاولوا أن تقنعوا أنفسكم بأن الأمر لا يمثل مشكلة كبيرة، أو أنكم يجب أن تظلوا أقوياء ولا تحبطوا بقية العائلة، أو ما شابه من أفكار. على العكس، اعزموا على الغوص مباشرة في الحزن، ثم واصلوا السباحة حتى تصلوا إلى الشاطئ الآخر. قد يكون الأمر موجعًا لبعض الوقت، لكن هذا أفضل بكثير من أي بديل آخر.

 

For Titlesاستراتيـﭽيات التأقلم

  • استند على إيمانك وعلاقتك بالله.
  • ابحث عن مكان آمن تعبّر فيه عن عواطفك (على سبيل المثال تدوينها في مذكرة خاصة بك).
  • اطلب المساعدة والمساندة من خارج العائلة.. لا تخشَ أن تطلب ما أنت بحاجة إليه.
  • فكر في الاستفادة بخدمات مشير محترف معتمد (الجلسات وجهًا لوجه نافعة للغاية).
  • ابق على اتصال مع أصدقائك وعائلتك.
  • ابتكر طقسًا، أو تقليدًا، أو حدثًا لتذكار خسارتك. (على سبيل المثال، ماراثون سنوي ٥ كيلومترات لجمع تبرعات للأبحاث العلمية على مرض السرطان في ذكرى وفاة أحد أفراد أو أصدقاء العائلة).
  • حافظ على الذكريات في ألبومات الصور.
  • انضم إلى مجموعة مساندة للخروج من الحزن.. شارك وقتك مع آخرين مروا بتجربة خسارة مشابهة.
  • اعتنِ جيدًا بنفسك من الناحية الجسمانية (الطعام المتوازن، ممارسة الرياضة، النوم بقدر كافٍ).

    1.Elizabeth KÜbler-Ross and David Kessler, On Grief and Grieving: Finding the Meaning of Grief Through the Five Stages of Loss (New York: Simon and Schuster, 2005), 7.


 

القسم الثاني: ما الذي يجعل أبناءك عرضة للانتحار؟

For Titlesالفصل الأول: تأثير قيم العالم

For Titlesالفصل الثاني: خسائر ليست هينة

For Titlesالفصل الثالث: الطلاق والآثار الناجمة عنه

For Titlesالفصل الرابع: العنف المنزلي

For Titlesالفصل الخامس: التنمر والتنمر الإلكتروني

For Titlesالتجاوب مع هذه المشكلات

 

© 2020 Focus on the Family. All rights reserved. Used under license.