Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

 المسيح لا يزال يحب العالم

بقلم: سامي يعقوب

       قد تبدو الأمور ضبابية بسبب ما نجتازه مع كل شعوب العالم نتيجة لجائحة كرونا. أغلبنا يعاني من أزمة هذه الفترة غير المسبوقة، والتي فرضت علينا أسلوب حياة لا يتوافق ما اعتدنا عليه كأسر، وكنائس، ووطن.. ليس فقط بسبب ملل ساعات الحظر وتوقف حياتنا الاجتماعية، لكن الأكثر إيلامًا أن العديد من الأعمال الخاصة قد تعطلت، وكثيرون تأثر دخلهم أو توقف، وأصبحنا وكأننا نواجه موتًا على كل الجبهات. لقد أظهر انتشار هذا المرض مدى تشابهنا كبشر من حيث ضعفنا، وجعلنا ندرك مدى هشاشة الحياة التي لا يحميها علم أو مال.. ولا سلطان أو جاه. لكن في نفس الوقت وحدتنا الأزمة في مواجهة الموت كعدو مشترك لا يميز بين شخص أو آخر. الخبر السار أن القيامة قادمة بلا شك.

       لعل هذه الظروف تشبه إلى حد كبير ما كان يشعر به التلاميذ قبل القيامة.. لقد خابت ظنونهم لأن الذي كانوا يعقدون آمالهم عليه مات، وبموته بدا أن الموت يخترق كل جوانب الحياة. لكن القيامة كانت ستأتي لتعلن لكل البشرية رجاءً جديدًا يحيي الآمال التي خابت. جاء اللقاء الأول للتلاميذ مع الرب المقام في وقت كانوا يشعرون فيه بالخوف والإحباط، وفي محاولة منهم لحماية حياتهم تجمعوا في غرفة خلف أبواب مغلقة. وفجأة وجدوا يسوع يقف بينهم ليرد لهم سلامهم، وينزع عنهم خوفهم؛ فصُدموا وخافوا، فقال لهم: «ما بالكم مضطربين؟ ولماذا ثارت الشكوك في نفوسكم؟ انظروا إلى يديّ ورجليّ، أنا هو.» (لوقا ٢٤: ٣٨- ٣٩).

       بينما يطارد الخوف من العدوى والموت عقولنا وقلوبنا، لنتذكر كم مرة قال لنا السيد المسيح: «أنا هو.. ثقوا.. لا تخافوا.» وهذا يقودني لطرح سؤال جاد: "إذا كنا نؤمن حقًا بأن المسيح قد قام منتصرًا على الموت، ألا يجب أن نكون أكثر شجاعة من غيرنا في مواجهة فيض الأخبار الذي يلاحقنا من وسائل الإعلام، سواءً كانت صحيحة أو غير صحيحة؟ لعل هذا هو الوقت المناسب لنتوقف قليلاً لنقيم حياتنا الروحية، وطبيعة علاقتنا مع المسيح المخلّص.

       عندما يقول النبي إشعياء: «الآن أنت يا الله مُخلصي -منقذي- أطمئن إليك ولا أفزع.. الرب قوتي وتسبيحي، وبه كان خلاصي» (إشعياء ١٢: ٢)، ما الذي يتحدث عنه النبي هنا؟ وما الذي أنقذنا الله منه بالضبط؟ الإجابة المباشرة أن الله أنقذنا من الموت. لكن ألم يأت المسيح لينقذنا من الخطية؟ نعم، ولكن هناك ما هو أكثر من ذلك. يقول القديس أثناسيوس: "إن المشكلة معنا ليست في الأساس الخطية؛ فقد كان بإمكان الله أن يغفر كل ذنوب العالم بدون التجسد. لكن للتخلص من الموت، الذي مصدره الخطية، كان على المسيح أن يتجسد، ويتحمل ليس فقط عقاب الخطية بل الموت أيضًا.. بحسد إبليس دخل الموت إلى العالم." ويقول الرسول بولس: «فإذ قد تشارك الأولاد (نحن) في اللحم والدم اشترك هو (يسوع) أيضًا كذلك فيهما، لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت، أي إبليس، ويعتق (يحرر) أولئك الذين، خوفًا من الموت، كانوا جميعًا كل حياتهم تحت العبودية» (عبرانيين ٢: ١٤- ١٥). في لحن قسمة عيد القيامة، والذي نرنمه أيضًا طوال فترة الخماسين، ننشد بفرح: "المسيح قام من بين الأموات، وبالموت داس الموت، والذين في القبور أنعم عليهم بالحياة الأبدية." والمعنى هنا أن قيامة يسوع المسيح أعطتنا رجاءً لحياة أبدية، لا تبدأ بعد الموت الجسدي، لكن تبدأ الآن لكل الذين يؤمنون به مخلّصًا.

      هل ترى العناية الإلهية تعمل فيما يحدث في عالمنا اليوم؟ إن لم يكن باستطاعتك إلا الامتثال لما تنصحنا به الجهات المختصة من أجل الوقاية من العدوى فقط، أدعوك أن تقضي وقتًا مع الكلمة المقدسة لتستمع لصوت الرب باتضاع وخضوع لمشيئته الصالحة لحياتك. لا تفكر فقط كيف تحمي نفسك من الفيروس الذي يصيب جسدك، ولكن فيما يمكن أن يقتل روحك. إن كنت قد اختبرت حقًا الخلاص الذي صنعه المسيح بموته وقيامته، فلترتفع بالإيمان فوق الخوف، ولتكن لمن هم حولك مركزًا للهدوء وسط العاصفة.

       على مر القرون، كانت تحية عيد القيامة: ”المسيح قام.. بالحقيقة قام!“ ولطالما فجرت هذه الكلمات في المؤمنين القوة والشجاعة لمواجهة الخوف والشك وعدم اليقين.. الموت والكوارث.. الاضطهاد والاستشهاد. واليوم بينما نواجه تحديات جائحة كورونا، لنتحد معًا في الصلاة من أجل بعضنا البعض، ولأجل كل مَنْ أصابهم المرض، أو أفقدهم حبيبًا، أو قطع رزقهم.. لنتحد معًا في التأكيد على إيماننا المشترك، ورجائنا في الرب المقام، ولنهتف معه اليوم وكل يوم: «أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا هاوية؟» (١كورنثوس ١٥: ٥٥).

       في هذا العام يأتي عيد القيامة في سياق صعب، وقد أصبح علينا أن نلتقي بالرب المقام في منازلنا، وخلف الأبواب المغلقة! لكن رسالة القيامة لا تزال تعطينا الفرح، وتملأنا بالشجاعة في مواجهة تحديات الحياة، وتحيي الرجاء في نفوسنا إلى ما بعد هذه الحياة.

       كلمة أخيرة لأولئك الذين قد يميلون إلى تفسير الوضع الحالي كتعبير عن عقاب الله وسخطه على البشرية. إن رسالة عيد القيامة تؤكد أن إلهنا هو إله محب، وهو مصدر الحياة وليس الموت.. «لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل مَنْ يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليَخلُص به العالم» (يوحنا ٣: ١٦- ١٧). عيد القيامة يُذكرنا بأن الله في المسيح لا يزال يحب العالم كله ويهتم به، وأنه غلب الموت بالحياة، وقهر الخوف والشك بالرجاء. يسوع المسيح -المقام- هو أمس واليوم وإلى الأبد.

إخريستوس آنستي..


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ١٩ إبريل/ نيسان ٢٠٢٠)

Copyright © 2020 Focus on the Family Middle East. All rights reserved.