كان أندرو بطول ٢ متر و٥ سنتيمتر وهو في العام الأول في مدرسة نورث هاي الثانوية. وبرغم أنه كان يحب كرة السلة، وكان شخصًا رياضيًا جدًا، لكن جسده لم يمتلئ بعد، وكان يشعر بالنقص الشديد بسبب مظهره الجسماني النحيل. وكان حتى في الأيام الحارة يرفض ارتداء شورتات قصيرة، أو يخلع قميصه عندما كان الشباب يلعبون كرة السلة فريق بالأقمصة في مقابل فريق بدون أقمصة.
كان أندرو مجتهدًا للغاية في الدراسة وفي ملعب كرة السلة. وكمستجد في المدرسة استطاع الالتحاق بفريق الناشئين في المدرسة. وكان أحد الفتيان من طبقة اجتماعية راقية في الفريق الأول للمدرسة يدعى ويل، يحتك به ولا يترك فرصة إلا ويدعوه "بالنحيل" أو "الزرافة". وفي الملعب أو في طرقات المدرسة اعتاد ويل أن يسخر من أندرو ويحاول بكل طريقة ممكنة أن يحرجه.
في مناسبات نادرة كان المدربون يجعلون المبتدئين في فريق الناشئين يلعب مع الفريق الأول، وكان أندرو وويل يلعبان في المركز المتقدم. وبمجرد أن يطأ أندرو نفس الملعب مع ويل، كان أندرو يفقد تركيزه بالكامل. ونتيجة لذلك كان يضيع تمريرات ويتعثر في رجليه، ولا يستطيع تسديد الأهداف. لم يتردد ويل عن نشر الأخبار. كان أندرو يفقد كل ثقة وتركيز عندما كان عليه أن يلعب مع ويل.
كان من الطبيعي لزملاء الفصل الآخرين، البنات والصبيان من طبقات اجتماعية مختلفة أن يتجولوا في الـﭼـيم ويشاهدوا تمارين فرق كرة السلة. وفي أحد الأيام شعر ويل بالاحتياج لبعض الاهتمام. كانت الفرق تقوم بالتدريب على تسديد الكرة نحو السلة، وبدأ التمرين، الفريق الكبير من ناحية وفريق الناشئين من ناحية أخرى.
قام ويل بكسر القواعد، وجرى وراء أندرو، وجذب سرواله حتى قدميه أمام الجميع. شعر أندرو بالإذلال، وبدا أن دمه كله قد جرى مباشرة نحو وجهه. وقف في الملعب بسرواله الداخلي فقط، متجمدًا لبعض الثواني، قبل أن ينحني سريعًا ليرفع سرواله. وخلال بقية التمرين، كل ما كان يفكر فيه أندرو هو: متى سينتهي هذا؟
بعد عدة أسابيع، وبعد احتكاك آخر مع ويل في الطرقات، قرر أندرو أن يضع كرسيًا مكسورًا في مكان فتاة تُدعى ماري بيث في حصة العلوم. كان مدرس العلوم جديدًا وودودًا، ولهذا السبب كانت الغرفة ممتلئة على آخرها. وكان مقعد ماري قريبًا من مقدمة الغرفة. وكانت ماري زائدة الوزن بشكل ملحوظ. وعندما جاءت متأخرة وجلست، جعلت الكرسي المكسور بمستوى الأرض ثم ارتدت لأعلى ثانية، بعد اصطدامها بالأرض، بينما كان الطلبة كلهم يضحكون. كانت ماري محطمة نفسيًا بالكامل. وجمعت متعلقاتها في تعجل، وخرجت من غرفة الدراسة باكية، وأخفت نفسها في حمام الفتيات. كيف لأندرو أن يجرح شخصًا هكذا بينما كان يختبر حقيقة هذا التنمر والإذلال؟
-----
تجسِّد هذه القصة التأثير المتضاعف والمتنامي الذي يصاحب التنمر؛ من ويل إلى أندرو، ثم من أندرو إلى ماري، هذا التسونامي الخفي يدمر حياة تلو الأخرى من الداخل.
هل سألت نفسك لماذا يعامل بعض الناس البعض الآخر بشكل مهين؟ لماذا نحن كبشر نجرح أحدنا الآخر هكذا؟ هناك أسباب كثيرة لكن هذا الأسلوب المهين لكي يوصف بأنه تنمر يجب أن يتضمن الثلاثة عناصر الآتية على الأقل:
- أن يتصف بالنعت بالألفاظ المهينة، والأذى البدني (بما في ذلك الجنسي)، والإشاعات، والسرقة، وتكسير الأغراض، والإذلال، و التعمد في عزلك عن الآخرين أو رفضك.
- أن يتصف بالتكرار.
- أن ينشأ تفاوت كبير بين الضحية والمتنمر.
ربما ليس جديدًا بالنسبة لك أن الصبيان أكثر عرضة للتنمر اللفظي والبدني. أما الفتيات فغالبًا ما يكن هدفًا للتنمر الاجتماعي والنفسي، وهو تنمر أكثر غموضًا، وقد يمتد لوقت طويل دون أن يلاحظه أحد. الفتيات يتعرضن للتنمر أكثر من الصبيان، وللأسف الطلبة من أصحاب التحديات الخاصة أكثر عرضة للتنمر من أقرانهم.
التنمر الشخصي
أجواء المدراس الحكومية أو الخاصة هي أكثر مكان يحدث فيه التنمر. ٣٧% من المراهقين أبلغوا بأنهم تعرضوا للتنمر أثناء تواجدهم في المدرسة. كذلك ٤ من كل عشرة مدارس إعدادية أقرت بأن التنمر يشكل مشكلة في مدارسهم. (الناشر: إحصائيات بالولايات المتحدة، بينما الأرقام في بلادنا تشير إلى وضع مشابه أو أكثر سوءًا.) يتضمن التنمر الشخصي أمورًا مثل:
- الاستهزاء بك.
- نشر الشائعات عنك والكلام من ورائك.
- الاعتداء البدني عليك بشكل أو بآخر.
- تعرضك للتهديد.
- التعمد في استبعادك.
- إجبارك على فعل شيء لا تريد فعله.
- إلحاق الضرر بمتعلقاتك أو مقتنياتك الشخصية أو تدميرها.
التنمر الإلكتروني
إذا حدث التنمر فقط في المدرسة، سيوجد مكان يمكن لأطفالك أن يبتعدوا تمامًا عنه. لكن مع التنمر الإلكتروني، يمكن أن يتعرض الطفل للتنمر ٢٤ ساعة أسبوعيًا عبر السوشيال ميديا والرسائل النصية. واحد من كل ثلاثة مراهقين يقول إنهم تلقوا تهديدات عبر الإنترنت. مرة أخرى، الفتيات أكثر عرضة إلى التنمر الإلكتروني أكثر من الصبيان.
أكثر أنواع التنمر الإلكتروني شيوعًا ما يلي:
- إرسال رسائل مهينة بالإيميل، أو رسائل نصية، بغرض إيذاء مستقبل الفرد.
- نشر شائعات عبر السوشيال ميديا أو صفحات المواقع عن شخص ما.
- إخفاء الهُوية على الإنترنت بغرض إيذاء الآخرين.
- سرقة معلومات من حساب شخص ما بهدف إرسال رسائل مدمرة للآخرين، أو التخفي عنهم.
- إرسال رسائل نصية جنسية، أو صور جنسية فاضحة عن شخص آخر.
- إرسال صور محرجة لشخص آخر عن طريق التليفون أو الإنترنت.
للأسف يمكن للمتنمرين على الإنترنت أحيانًا أن يخلقوا مشاكل مدمرة، وهم في الخفاء، وفي أحيان كثيرة لا يخافون كثيرًا من احتمالية اكتشافهم أو معاقبتهم. وتعليقاتهم المزعجة قد تتضمن تشجيعًا لمستقبليها على أن يؤذوا أو يقتلوا أنفسهم. بالنسبة الأطفال الذين يكونون هدفًا للتنمر هناك احتمالية متزايدة أن يصابوا بالخوف، القلق الاجتماعي، الاكتئاب، الاضطرابات النفسية، إدمان المخدرات، أنواع من الصداع وألم المعدة، الإحساس بالتعب والكسل، اضطرابات في النوم، آلام في الظهر. أضف كل هذا معًا، ويمكنك أن ترى لماذا يصبح المراهقون الذين تعرضوا للتنمر أكثر احتمالية لإيذاء أنفسهم.
تؤكد الأبحاث أيضًا أن التربية المتساهلة -حيث يفعل الأبناء كل ما يحلو لهم- قد تخلق شخصًا متنمرًا على الآخرين، تمامًا مثل التربية القاسية الصارمة. مرة أخرى، النمط التربوي الأكثر فاعلية هو الذي يوازن بين التمتع بعلاقة (الحنان) مع الأبناء ووضع الحدود والمحددات (النظام). هناك ميل عندنا كوالدين أن نتصرف كوالدين لطفاء، وأن ننال رضاهم بدلاً من أن نتصرف كأب أو أم، لكن في أثناء ذلك قد نخلق مراهقًا يشعر بالقوة الزائدة التي يستخدمها في غير مصلحته. نحتاج أن نحرص على أن يتعلم أطفالنا كيف يتجاوبون باحترام مع السلطة، ويقبلون كلمة "لا"، ويفهمون كيف يتعاونون ويتنازلون ويأخذون ويعطون في العلاقات الاجتماعية.
قد لا يفاجئك أن كثيرين من المتنمرين هم فقط يقلدون والديهم، مع القليل من الاختلاف. كأب أو أم، هل أنت قاسٍ تجاه أطفالك؟ هل حاولت مرة أن تضغط (أو تتنمر) على فريق العاملين بمدرسة أبنائك لتحصل على ما تريد لطفلك؟ في بعض الأحيان، الصغار ببساطة يعكسون ما يجري في بيتهم كما في مرآة. لقد كانوا ضحايا التنمر والآن يريدون أن يمارسوا نفوذًا في مكان آخر، كما فعل أندرو. وبمجرد أن يلتقوا بشخص أضعف منهم، فهم يضربونه. من المثير للانتباه، بينما يزيد اكتئاب الطفل الذي تعرض للتنمر، فإن الطفل المتنمر لديه أيضًا مستويات عالية من الاكتئاب بسبب عوامل متعددة مثل الاستعدادات الوراثية، والبيئة العائلية، والخبرات الحياتية.
كُن مبادرًا
من العلامات التي قد تشير إلى أن طفلك ضحية التنمر أو التنمر الإلكتروني:
- تغيرات ملحوظة في روتين الأنشطة اليومية، مثل الإفراط في الأكل، أو الأكل بأقل من الطبيعي.
- هبوط شديد في الأداء الدراسي، وعدم الرغبة في الذهاب إلى المدرسة، أو التعذر بالمرض لتجنب الذهاب إلى المدرسة.
- تغيرات في نظام النوم.
- الاكتئاب.
- تعاطي المخدرات والكحوليات.
إذا شاهدت هذه العلامات، تحدث مع طفلك. أحد الطرق للتحدث في موضوع صعب أن تحكي عنه بدون ذكر لأشخاص بعينهم. على سبيل المثال، ربما تذكر أن أشخاصًا آخرين قد تعرضوا للتنمر. بمقدورك أن تتحدث أولاً عن المشكلة بكلام عام، ثم انتقل إلى سؤال شخصي وأعمق هكذا: "سمعت مؤخرًا أناسًا كثيرين يتحدثون عن التنمر. ماذا يعني هذا بالنسبة لك؟ هل سبق وشعرت أن هناك مَنْ يتنمر عليك؟ على السوشيال ميديا، هل ترى أيًا من أصدقائك يتحالف البعض على مضايقته؟ إذا كان الأمر كذلك كيف تجاوبت مع ذلك؟" يمكنك حماية طفلك من التنمر عليه، أو يمكنك رصد المشكلة مبكرًا، بأن تفعل الأمور التالية:
- كُن منفتحًا. راجع الأمر من حين لآخر بحيث تقدر على رصد علامات التنمر مبكرًا بقدر الإمكان. بعض الأمور التي تؤدي إلى التنمر قد تكون محرجة أو تتضمن فعل الخطأ. لا تخف في الإفصاح عما يشغلك. الخلاف قد يكون نافعًا لنمو علاقتك كأب أو أم مع ابنك أو ابنتك. تحدث إلى طفلك ووضح له أن التنمر موجود منذ بداية التاريخ. وهو ليس شيئًا مستحدثًا في هذا الجيل. بل يمثل مشكلة بين البشر واجهها يسوع أيضًا.
- ابنِ الثقة بالنفس. شجع نقاط القوة لدى طفلك وشغفه. المشاركة في الأنشطة التي يحبها أو يتقنها سيساعده على اكتساب الثقة بالنفس، وهذا قد يجنبه التفات المتنمرين له.
- ضع حدودًا. ارسم بعض الخطوط الاسترشادية لاستخدام التكنولوﭼيا. سنتحدث عن التكنولوﭼيا بالتحديد في الجزء الرابع.
- اجعل طفلك مُساءلاً. دع طفلك يعرف أن جزءًا من مهمتك كأب أو أم يحبه ويمارس مسؤولياته أن تكون على دراية بإيميلاته، ورسائله، وبوستاته على السوشيال ميديا. ربما تريد أن تتأكد أن طفلك يُعامل بطريقة جيدة، ويعامِل الآخرين بطريقة جيدة، وأن يتمتع بالقدرة على اتخاذ قرارات صائبة.
- تناولوا العشاء معًا. تناول العشاء باستمرار كعائلة يقلل المشكلات مع التنمر الإلكتروني. تناول العشاء مع العائلة يزيد التواصل بين العائلة، والانفتاح في العائلة، وفرص توجيه الوالدين لأبنائهم.
قد تكون تأثيرات التنمر والتنمر الإلكتروني هائلة جدًا. فقد تدمر تقدير الذات، وتولد مشاعر الاكتئاب والقلق التي قد تدوم حتى سن الرشد. أطفال كثيرون يتشككون في ذواتهم في صمت، وفي شعورهم بالانتماء، وفي قيمتهم وكفاءتهم، كل هذا بسبب تأثيرات التنمر القوية المشوهة للنفس. الأبحاث في مجال البيولوﭼيا العصبية تؤكد أن الألم الاجتماعي يتساوى مع الألم الجسماني الناتج عن اللكمة في الوجه. التنمر يشبه الضرب بلكمات متتالية. بمقدورك أن تستقبل عددًا معينًا من اللكمات. أطفال كثيرون يصلون إلى مرحلة من الصراع مع ما يُسمى الشعور المكتسب بقلة الحيلة، وهو ما يعني أنهم يتوقعون حدوث أشياء سيئة لهم ويعتقدون أنهم غير قادرين على فعل أي شيء تجاه هذا الأمر. الأطفال الذين اكتسبوا هذا الشعور بقلة الحيلة يبدأون في النظر إلى الحياة من منظور سلبي وانهزامي للغاية. فهم ينظرون الأمر كأنه بلا نهاية. في أكثر الحالات الكارثية قد يشعر المراهقون والأطفال بأنهم مدفوعون نحو إيذاء النفس أو الانتحار. إذا تعرض طفلك إلى التنمر، فهو يحتاج مساعدة فورية.
حتى تكون مبادرًا، علّم أبناءك استراتيـﭼيات ومهارات للتعامل مع التنمر. فيما يلي بعض منها:
- ابتعد عن المتنمر. علّم أطفالك عبارات يستخدمونها في موقف التنمر. قد يستخدمون الفكاهة لإزالة التوتر عن الموقف المتأزم، أو يستخدمون لغة مباشرة مثل "هذا يكفي!". أخبرهم أن يسيروا بعيدًا، أو يتجنبوا الاحتكاك بقدر المستطاع.
- لا ترد العراك. برغم أن التدريب على الدفاع بالنفس نافع، فإن نُصح أبنائك على الرد بالعنف على العنف غير محبذ ولا ننصح به. الاعتداء البدني قد يتصاعد إلى مستوى يشكل تهديدًا خطيرًا على أمان طفلك أو حتى حياته. بالمثل المدارس التي تطبق سياسة عدم التساهل المطلق مع العنف قد تطبق عقوبات على طفلك، حتى إذا لم يكن هو مَن بدأ العراك.
- ابنِ مهارات اجتماعية وعاطفية. تخبرنا الأبحاث في مؤسسة (Preventing Bullying Through Sciences Polices and Practice)- أن اكتساب مهارات اجتماعية وعاطفية، ومهارات تعلُّم التأقلم تمثِّل طرقًا فعالة يمكن للكبار أن يساعد بها الصغار في التعامل مع مشكلة التنمر. (١)
- اعرف أين ستذهب. ساعد طفلك على معرفة أين يمكن أن يذهب في المدرسة إذا شعر بالتهديد. اختر مكانًا محددًا أو شخصًا محددًا مثل الأخصائي الاجتماعي بالمدرسة، أو أحد المدرسين الموثوق بهم، أو المدير أو الناظر.
- شجِّع الانفتاح. شجِّع طفلك على التحدث معك أو شخص راشد آخر عندما يشعر بالخوف أو الترهيب، بحيث يستطيع الحصول على مساعدة ورأي عن سلوك الشخص الآخر لكي ينتهي التنمر. في المواقف التي يشعر بأنه محبوس عاطفيًا في مشاعر الخوف، فإن التحدث يساعده أحيانًا على التحرر من سلسلة مشاعر الخوف.
إذا تعرض طفلك للتنمر، ربما تجد نفسك مدفوعًا إلى إطلاق العنان لانفعالاتك الحادة، خاصة في لقاء مع المسؤولين عن المدرسة. قاوم هذه الرغبة. الصراخ أو الانفجار في الانفعال قد يحرج طفلك ويجعله لا يخبرك عن تكرار الأمر في المستقبل. في المقابل التصرف الهادئ المتوازن على الأرجح سيقود طفلك إلى الرغبة في أن يخبرك بالمزيد. اعمل على ابتكار خطة عمل مع المدرسة. نحن جزء من الحل.
الأطفال الذين يتنمرون أو يتعرضون للتنمر هناك احتمالية أكبر في إصابتهم بخلل نفسي. من النافع أن تستشير أحد المشيرين المعتمدين ممَن لديه خبرة في التعامل مع الأطفال.
علاقة الإعاقة بالتنمر والانتحار
نشأت بريتني في مجتمع ليس كبيرًا كان يدعم مدرستين للمرحلة الثانوية، تقع كل واحدة على أحد طرفي المدينة، ولذلك تسميان المدرسة الشرقية والمدرسة الغربية. كانت بريتني ملتحقة بالمدرسة الغربية. وخلال سنواتها الأولى تعرضت المدرسة الشرقية إلى إطلاق نار جماعي. قام الحي بغلق حرم المدرسة الشرقية لبقية العام الدراسي، وتم تحويل الطلبة إلى المدرسة الغربية. وفي أحد الأيام بعد أسابيع من المأساة رجعت بريتني باكية.
شرحت بريتني لأمها: "ماما، هذان الشابان من المدرسة الشرقية كانا يسخرون اليوم من صبي يُدعى هانتر، ولا أعرف ماذا أفعل. هانتر يجلس على كرسي متحرك، ولا يستطيع الدفاع عن نفسه. الأمر مرعب!"
كان هانتر من المدرسة الغربية وكان من أصحاب التحديات العقلية، لكن رفقاءه في الفصل كانوا قد كبروا معه وكانوا يرونه كواحد من الشلة. وقد قبلوه كما هو.
قالت أيضًا: "كان يجب أن أدافع عنه يا أمي، لكني كنت خائفة من هؤلاء المتنمرين".
في اليوم التالي ذهبت والدة بريتني بصحبة ابنتها وجعلتها تبلغ برفقتها عن الحادثة لدى المسؤولين. ولحسن الحظ أن الإدارة اتخذت إجراءًا سريعًا، وعملت مع فريق للمشورة لمواجهة المشكلة بين هؤلاء الشبان وهانتر.
لا تأتي قصة هانتر بمعزل عن قصص أخرى. بعض الإعاقات، مثل إعاقة هانتر، تكون واضحة للأقران بينما أنواع كثيرة من الإعاقات لا تكون واضحة. إحصائيات المركز الوطني للتعليم تقول إن ١٣% من الأطفال (تقريبًا واحد في كل مجموعة من ٧ إلى ٨ أفراد) الذين يلتحقون بمدرسة حكومية لديهم إعاقات تؤثر على الأداء الدراسي مما يجعلهم مؤهلين لخدمات تعليمية خاصة. (٢) أضف إلى ذلك الطلاب الذين لديهم إعاقات لا تؤثر على أدائهم الدراسي وكذلك الذين يلتحقون بمدارس خاصة، والعدد الفعلي للطلاب الذين لديهم إعاقات من أي نوع هو أعلى.
معظم الأطفال يميلون إلى التجاوب بشكل إيجابي أكثر نحو الأقران العاديين أو المشهوريين. وبرغم محاولاتنا لترسيخ التعاطف والشفقة في نفوس أطفالنا، يميل الأطفال إلى السخرية من الأطفال المختلفون في نظر البعض والتنمر عليهم وعزلهم. هذا يعني أنه إذا كان لديك طفل لديه احتياجات خاصة أو إعاقة ما تجعل أقرانه يصفونه بأنه "غير طبيعي"، فهو يتعرض لمخاطرة أعلى بتعرضه للمضايقات والتنمر.
معظم الأطفال يتعرضون لكلمات قاسية ورفض من أقرانهم من وقت لآخر. لكن الكلمات القاسية والتنمر والرفض قد تمثل ملمحًا منتظمًا ومتكررًا للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة أو صعوبات التعلُّم. هذا قد يؤدي بطفلك ليشعر كما لو كان لا يجد أي مكان يسعه ... أبدًا.
ما خطورة ذلك؟ إن لدغة الرفض أو العزل قد تكون مدمرة. أحد العوامل التي تسبب الأفكار والسلوكيات الانتحارية بين الشباب يتمثل في شعورهم وتصورهم بأنهم غير منسجمين مع أقرانهم. يناضل المراهقون لكي يكتشفوا ما يجعلهم منتمين داخل شلتهم. وبرغم أن هذا يمثل جزءًا من نضوجهم الطبيعي كمراهقين لكن الإبحار لا يكون سهلاً في هذه المرحلة.
بالنسبة لمراهقين كثيرين، هذا الوجع هو قصير المدى؛ لأن ضعفهم يكون واضحًا فقط في مواقف بعينها يمكن إصلاحها ببساطة عن طريق تجنب المواقف بجملتها، أو إيجاد شلة أخرى من الأقران تقيّم وتقدر نقاط القوة لديهم. على سبيبل المثال، إذا كان ابنك ليس لديه أذن موسيقية لكنه يتمتع بذكاء مرتفع، يمكنه أن يتجنب الكورال، ويشترك في نادي المناظرات، حيث يمكن لذكائه أن يظهر بشكل كامل.
كأب أو أم، احرص ألا تضع قيمة عالية على الأداء والمكافآت، برغم أن هذه أمور مرغوبة جدًا من معظم المراهقين. عندما تزيد الإعاقة أو الاحتياج الخاص من صعوبة أن يؤدي طفلك بشكل أفضل، وأن يُقدّر بسبب مواهبه وقدراته الطبيعية، قد يتركه هذا بلا مكان يشعر فيه بالانتماء. وإذا لم يقدر أن يجد طريقة لتتألق بها نقاط القوة لديه وليعوض إعاقته، قد يُجرف بمشاعر انعدام الحيلة وانعدام الرجاء، وكلاهما يساهمان في التفكير الانتحاري.
إذا كان لديك طفل من ذوي التحديات الخاصة، ساعده على أن يجد أماكن يشعر فيها بالقيمة والتقدير، ويستطيع الاندماج فيها.
التشخيص
إذا كنت تشك هل لدى طفلك إعاقة ما أو لا، أو إذا ظن آخرون بأن ثمة شيء خطأ لدى طفلك، لابد من تشخيصه في أسرع وقت ممكن. في كثير من الأحيان لا تُرصد العلامات التحذيرية، بحجة أنها مرحلة فحسب، أو بحجة أن الطفل سيتجاوز هذا بمرور الوقت. لا شيء يسبب الإحباط لطفل من ذوي الإعاقات المشروعة أكثر من أن يخبره معلموه أو مدربوه وأهم مِن كل هؤلاء والداه، بأنه يحتاج فقط أن يحاول أكثر.
تحدث إلى طبيبك الخاص، أو معلم طفلك، أو مشير المدرسة لتحدد الطريقة المثلى لتقييم حالة طفلك. الوصول إلى تشخيص مبكر ودقيق عن صعوبات التعلُّم أو الاحتياجات الخاصة هو أمر في غاية الأهمية لسلامة طفلك.
التأكيد على نقاط القوة والقبول
أحد الاحتياجات الاجتماعية الأساسية لكل البشر هو الاحتياج للترابط السوي بعائلة -أي مع الوالدين، والأجداد، والإخوة، وأفراد العائلة الممتدة. يحتاج الطفل إلى أن يعرف إنه برغم ما يحدث من حوله، يمكنه العودة إلى العائلة التي تحبه حبًا صادقًا وتهتم لأمره. وبسبب احتياجاته الخاصة أو إعاقته، فربما يحتاج إلى اهتمام أكثر لمواجهة رسائل الرفض التي قد يحصل عليها في المدرسة أو الكنيسة أو الأقران. كوالدين أو كأفراد في العائلة، يمكنك توصيل القبول والحب عن طريق ما يلي:
- حدد نقاط القوة لدى طفلك وقدراته، وأظهرها لأفراد العائلة. برغم أننا نميل إلى البحث عن مواهب عقلية خاصة، ومواهب لها علاقة بالرياضات، أو الموسيقى، أو أداءات أخرى، فهذه حفنة قليلة من مواهب ممنوحة من الله تمثل جزءًا من الشفرة الوراثية لطفلك. اقضِ وقتًا في ملاحظة ابنك أو ابنتك وامدحه على سمات شخصية لديه مثل الصبر، والوداعة، والصلاح، والمثابرة. تعمّد التخطيط لأنشطة تسمح لطفلك بأن يتألق.
- علّم طفلك أن يكون واثقًا من نفسه بشكل مناسب ليدع الناس يعرفون مساهمته في موقف أو حدث ما. الله من خلال طفلك يستطيع أن يُظهر للآخرين أنه ليس من المحتم أن تمنع الإعاقة الحياة الغنية الكاملة التي تساهم بسخائها في حياة الآخرين.
- تحدث مع أبنائك عن أهمية قبول كل الناس. ناقشوا واحفظوا عن ظهر قلب رومية ١٥: ٧ «لِذلِكَ اقْبَلُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا قَبِلَنَا، لِمَجْدِ اللهِ». شجعهم على البحث عن فرص في حياتهم اليومية ليمارسوا قبول الآخرين بشكل حقيقي.
- تحدث عن جمال خليقة الله كما يظهر في البشر. ناقشوا واحفظوا عن ظهر قلب مزمور ١٣٩: ١٤ «أَحْمَدُكَ مِنْ أَجْلِ أَنِّي قَدِ امْتَزْتُ عَجَبًا. عَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ، وَنَفْسِي تَعْرِفُ ذلِكَ يَقِينًا».
إذا كنت تعرف طفلاً
عندما تقترح حفلة أو تخطط لحدث، أحرص على ألا تخطط لأنشطة كثيرة لا يشارك بها الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة أو الإعاقات. خطط لخلطة من الأنشطة، بعضها يتطلب حركة جسمانية، وأخرى لا تتطلب ذلك. كذلك خاصةً على مستوى المرحلة الإعدادية والثانوية -لا تخطط لأنشطة لا تتطلب من الصغار أن يكونوا في ثنائيات. في المقابل، خطط لأنشطة تسمح للصغار بالمشاركة كمجموعات صغيرة.
وفر فرصًا آمنة للصغار الذين تعرفهم من ذوي التحديات الأخرى، لتُظهر هذه الفرص قدراتهم في خدمة الآخرين، بينما سيبدأ هذا في بناء علاقات هامة مع أقرانهم.
-----
تم تشخيص حالة أوليـﭬيا بأنها طفلة مصابة بحالة التوحد ذي الأداء الوظيفي المرتفع. وبرغم أنه كان عليها أن تتعلم أن تدير توحدها، فقد صارت فنانة طبيعية وموهوبة. ولكن عندما دخلت المدرسة الثانوية، أصبحت تعاني اجتماعيًا.
ولأن خادم الشباب كان يعرف أن أوليـﭬيا لديها ميول فنية، فقد طلب منها أن تصمم الأدوات التي تزين المائدة لاجتماع رسمي للشباب. وكانت الزينة تبدو كأنها من صُنع بائع زهور محترف. حصلت أوليـﭬيا على الكثير من الاستحسان من الكبار ومن أقرانها على حد سواء.
هذه الفرصة الوحيدة سمحت لمواهب أوليـﭬيا الفنية أن تتألق بطريقة آمنة وغير محرجة لها. بدأ الأقران وأعضاء الكنيسة في إشراكها في مناقشاتهم أثناء التحضير لأحداث أخرى مشابهة. وبرغم من أن حرجها الاجتماعي لم يختف تمامًا، فإن مَنْ عرفوا شخصيتها الحقيقية في النهاية تغاضوا عن هذا الإحراج. أصبحت أوليـﭬيا جزءًا من جماعة. هذا التصرف الوحيد المتعمد من خادم للشباب يتمتع بالحساسية أدى إلى فرص أخرى لتتواصل أوليـﭬيا مع أقرانها.
-----
لا تهوّن من أهمية توصيل الحب والقبول لأحد الفتيان أو الفتيات من ذوي الاحتياجات الخاصة أو الإعاقات. وكما هو معروف أن الاستهجان والرفض يقودان الكثير من الصغار إلى التفكير في الانتحار، فالاندماج معهم الذي يوصل لهم أنهم ذوو قيمة ومقدرون قد ينقذ حياتهم فعليًا.
تحدَّث عن الأمر
اطرح أسئلة. هذه القائمة ربما تساعدك على البدء في مناقشة مع أطفالك:
- هل سبق أن شاهدت تنمرًا أو تنمرًا إلكترونيًا؟ إذا كانت الإجابة نعم، فما هو رأيك؟ وماذا فعلت؟
- مَنْ يميل إلى التنمر؟ في رأيك ما الذي يجري داخل ذهن المتنمر؟ وما الذي يجري في ذهن مَنْ يتعرض للتنمر؟
- ما الإجراءات التي تُتخذ تجاه التنمر في مدرستك؟
- ما هي بعض الخطوات الفعالة للتدخل حين يتعرض شخص للتنمر؟ كيف تريد الآخرين أن يتدخلوا إذا تنمر بك شخص ما؟
- إذا تعرض أحد للتنمر، كيف سيبدو الأمر إذا تدخل الناس وساعدوه؟
- ما هي بعض الطرق لتشجيع الآخرين؟
- هل صار التنمر الإلكتروني شائعًا، ولماذا؟
- كيف تُستخدم التكنولوﭼيا بطريقة أكثر إيجابية؟
- في دراسة حديثة، ٨ من كل ١٠ أطفال قالوا إنهم بذلوا جهدًا خاصًا ليفعلا شيئًا رقيقًا لطفل آخر كان يمر بوقت عصيب. ما هي الأشياء التي يمكن فعلها لك ولآخرين؟
- ما الذي يمنعك عن إيجاد مساعدة لنفسك أو لشخص آخر يتعرض للتنمر؟
- ما هي بعض الإمكانيات المتوفرة في مدرستك للأشخاص الذين يتعرضون للتنمر؟ مَنْ يحتاج أن يعرف عن التنمر ليكون قادرًا على المساعدة؟ ماذا يعني أن نعتمد على بعضنا البعض؟
- كيف نصلي من أجل مشكلة التنمر؟
تبدأ في سماع فكرة متكررة.. تحدث عنها مع أطفالك. أيًا كانت الفكرة، فإن التحدث عنها من حين لآخر، وبشكل متكرر، وبعمق، أو بشكل عارض يجعلك على اتصال بأبنائك، وبالتالي ابحث عن الوقت وأفضل طريقة لفعل ذلك.
الوقت وأفضل طريقة لفعل ذلك.
نشاط
- ابدأ مناقشة عائلية عن المؤمنين والتنمر. ابدأ الحوار بالقول بإن المسيحيين عبر التاريخ كانوا ولا يزالون يتعرضون للتنمر والاضطهاد، وعلى رأسهم المسيح نفسه. ناقش الطرق المتعددة للتنمر والاضطهاد التي عاناها المسيحيون عبر التاريخ. اشرح كيف كانت استجابتهم، ولماذا تجاوبوا بهذه الطريقة. جهز الشواهد الكتابية التالية لتناقشوها معًا كعائلة:
رومية ١٢.
أفسس ٦: ١٢.
مزمور ١٣٨: ٧.
لوقا ٦: ٢٧ و٢٨.
متى ٥: ٤٤ و٤٥.
- بعد أن تفعل هذا، تحدث عن كيف تتعامل ثقافتنا أحيانًا مع التنمر من خلال ما يصدر من أغاني وأفلام وسوشيال ميديا. هل يتم التشجيع على الانتقام؟
- اسأل أطفالك لماذا يعتقدون أن الكتاب المقدس يعلم شيئًا مختلفًا.
- فكّر في هل يمكنك ابتكار طريقة فعالة لنكون «حكماء كالحيات» (أقوياء، حكماء، مبادرين)، وفي نفس الوقت «بسطاء كالحمام» (مهتمين، رقيقين، ولطفاء).
1.National Academies of Sciences, Engineering, and Medicine. (2016). Preventing Bullying Through Science, Policy, and Practice. Washington, DC: The National Academies Press. doi: 10.17226/23482.
2.“The Condition of Education: Children and Youth With Disabilities,” National Center for Education Statistics, April 2018, https://nces.ed.gov/programs/coe/indicator_cgg.asp (accessed August 15, 2018).
القسم الثاني: ما الذي يجعل أبناءك عرضة للانتحار؟
الفصل الثالث: الطلاق والآثار الناجمة عنه
الفصل الخامس: التنمر والتنمر الإلكتروني
© 2020 Focus on the Family. All rights reserved. Used under license.