Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

بقلم: سامي يعقوب

المزيد من هذه السلسلة:

أخطاء الآباء وتربية الأبناء ١            أخطاء الآباء وتربية الأبناء ٢            أخطاء الآباء وتربية الأبناء ٣

أخطاء الآباء وتربية الأبناء ٤           أخطاء الآباء وتربية الأبناء ٥             أخطاء الاباء وتربية الأبناء ٦



   واحدة من أخطاء التربية الشائعة هي رشوة الأبناء عندما نواجه بعنادهم أو تمردهم، ونشعر بلا حول ولا قوة أمامهم؛ فلا نستطيع أن نلزمهم بسلوك نتوقعه منهم! ولعل الكثيرين يخلطون بين رشوة الابن أو الابنة لحفزه على سلوك معين، والمكافأة عليه.. فتُرى ما الفرق بين الرشوة والمكافأة؟ ولماذا تُفسد الرشوة الأبناء؟

 

الرشوة هي ما يُعطى للأبناء في مقابل ما يمارسونه استغلالاً لموقف يدركون فيه أن الأبوين يريدان أن يتغير سلوكهم في الحال؛ أو أن يؤدوا عملاً ما بدون اعتراض.. في هذه الحالة يقدم الوالدان، أو أحدهما، عرضًا بشيء لم يكونا ينويان من قبل أن يعطياه لهم. الرشوة هي نوع من التفاوض الذي يضع الابن أو الابنة في موقف المتحكم في الأمور من أجل التوقف عن سلوك غير مرغوب فيه، أو غير مؤدب، يصدر عنهم. وحتى إذا قبل الأب أو الأم أن يرشيا كحل مؤقت، حتى تتاح لهما فرصة التعامل مع الموقف بحسم فيما بعد؛ فإن هذا يقود الأبناء لتعمد التصرف بعدم لياقة للحصول على ما يريدون.

    إذا اعتاد الأبناء أن يحصلوا باستمرار على أشياء مقابل أن يعملوا ما يُطلب منهم، فهذه رشوة تقتل فيهم الدافع التلقائي لاختيار السلوك الجيد، والاجتهاد من أجل الأداء الأفضل. إذا أعطينا أبناءنا شيئًا يطلبونه بغض النظر عن سلوكهم سيبدأون مع الوقت في مساومتنا للحصول على أكثر من الذي نقدمه لهم، وسيفقدون دافعهم لتطوير شخصياتهم.. وبينما يكبرون سيحكم تصرفاتهم الرغبة في الأخذ دائمًا سواء في علاقاتهم مع الآخرين، أو في أدائهم لأعمالهم، وسيصبح دافعهم للعمل والعطاء نابعًا من السؤال: "ما الذي سأجنيه من فائدة إذا فعلت هذا أو ذاك؟" «الرشوة تُعمي المبصرين (من الأبناء)، وتعوج كلام الأبرار (أو تقلل من قيمة كلام الأبوين)» ( خروج ٢٣ : ٨).
 

    أما المكافأة فهي تختلف تمامًا عن الرشوة.. المكافأة هي المجازاة عن سلوك جيد أو إنجاز تم بالفعل، وليس عن ضغط يمارسه الأبناء على الوالدين ليحصلوا على ما يريدون. مكافأة الأبناء لا تكون بالضروة مقابل سلوك متوقع منهم.. فالوصية الإلهية: «أيها الأولاد، أطيعوا والديكم في كل شيء لأن هذا مرضي في الرب» (كولوسي ٣ : ٢٠ ).. ومع الحذر في تفسير عبارة «في كل شيء»، فإن المكافأة هنا هي بركة إلهية ترتبط بالوعد في الوصية القديمة أن تطول حياتهم على الأرض، ليس بالضروة كمًا بل نوعًا. الهدف من المكافأة الأبوية هو التقدير المادي والمعنوي للتميز في السلوك، أو لأداء يعبر عن نضج مبكر وتحمل للمسؤولية؛ أوعندما نراهم يحسون بمشاعر الآخرين دون أن نلفت نظرهم؛ أو لأجل مبادرتهم بالمساعدة حتى وإن لم يطلب منهم. على أية حال، المهارة هنا أن تُقدم المكافأة في مناسبتها، أو تنفيذًا لوعد يُعطى مقدمًا للحفز على الأداء أو السلوك الأفضل.

    في عالم الأعمال ترتبط الحوافز المادية عادة بإنجاز العمل بصورة أفضل أو أسرع أو أوفر.. المكافأة هنا ليست مقابل القيام بالعمل المتوقع من العامل بحسب التوصيف الوظيفي الذي يحصل على راتبه طبقًا له، بل إنها التقدير المحسوس الذي يناله مقابل الأداء الأفضل. وبالطبع فإن الحافز المادي ليس الأسلوب الأوحد لتقدير العاملين، والتعبير لهم عن قيمة ما يضيفونه نتيجة لوجودهم في فريق العمل، وإسهامهم في تحقيق الإنجاز المستهدف. لقد وجدت بخبرتي في هذا المجال أن التقدير المعنوي للعاملين معي له تأثير أعمق يجعلهم شركاء في رؤية العمل، وإن لم يكونوا مساهمين في امتلاك جدران الشركة وما تحويه من معدات.. الحافز المالي مهم ومطلوب، لكن التقدير المعنوي يتخطى حدود الماديات ويجعل تحقيق النجاح هدفًا يسعى إليه الجميع؛ لأنه يؤكد أهميتهم كأشخاص، ويطور ثقتهم بأنفسهم.. ومن الملاحظ أن مثل هذا التقدير له تأثيره أيضًا على حياتهم خارج حدود العمل.

    والأمر لا يختلف كثيرًا مع الأبناء؛ فهناك العديد من أساليب التقدير التي تتخطى حدود المكافأة بالأشياء التي يطلبونها، ويستمتعون بالحصول عليها.. فسرورنا بهم قبل أي شيء لمجرد أنهم أبناؤنا له أكبر قيمة في تقديرهم لقيمة أنفسهم. إن تعبيرنا عن ثقتنا غير المحدودة في اختياراتهم الأخلاقية سواء في حضورنا، أو بينما يسلكون في المجتمع الخارجي، وإتاحة الفرصة لهم أن يفكروا لأنفسهم، ويتحاوروا معنا ومع الآخرين فيما يرونه من اختلاف في وجهات النظر، ناهيك عن التشجيع الصادق بالمديح غير المتملق لشخصياتهم ومواهبهم وإنجازاتهم في المجالات المختلفة.. كل هذه وغيرها من المكافآت المعنوية تتخطى حدود تلبية توقعاتهم للمكافآت المادية.

    المعادلة السحرية للتقدير المعنوي للأبناء تتحقق في الجو الأسري الذي يسمح بالفرصة الثانية عندما تفشل المحاولة الأولى.. مع أب وأم يمارسان المعنى العملي للنعمة عندما نغفر لأبنائنا مجددًا دون أن نعايرهم بما فات من أخطاء.. وفي بيت تُسمع فيه عبارة ”أنا متأسف“. وإلى بقية الحديث في المرات القادمة..


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٢٥ أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠١٥)

.Copyright © 2015 Focus on the  Family Middle East. All rights reserved

 

 

 

 

 

 

 

قصة الرب يسوع في كل الكتاب المقدس بالطول