Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

بقلم: سامي يعقوب

    من أقوال الفيلسوف اليوناني أرسطو: "لن يستطيع أحد أن ينجز أي شيء له معنى في حياته بدون الشجاعة!" ويقول الفيلسوف المسيحي سي. إس. لويس: "الشجاعة ليست ببساطة إحدى الفضائل، لكنها الإطار العملي لتجسيد كل الفضائل الأخرى." لا شك أن أغلب الآباء يريدون أن يكبر أبناؤهم، صبيان وصبايا، بقدر من الشجاعة.. شجاعة لمواجهة مخاوفهم في مرحلة الطفولة، ثم شجاعة استخدام «لا» في وجه ضغوط الأقران في مرحلة المراهقة، ثم يأتي دور شجاعة الاختيار الصحيح والحلم الكبير للمستقبل. الشجاعة لا ترتبط بمرحلة عمر معينة، لكنها تلعب دورًا حيويًا في تشكيل شخصية الإنسان، وتجديد عزمه ليصمد في مقاومة الصعاب التي قد يواجهها في الطريق الذي يختاره لحياته.

    التعريف الشائع لكلمة «شجاعة» هو قدرة الشخص أن يفعل شيئًا يخاف منه، والكلمة في الأصل اللاتيني لها علاقة بالأفعال والتصرفات النابعة من دافع قلبي عند مواجهة التحديات. وفي الحديث عن الشجاعة لا يمكن تجاهل المخاوف التي تؤثر على المشاعر فتعيق الشخص عن خوض التجارب الجديدة، أو تجعله يميل للانسحاب. فإذا كنا نريد حقًا أن نربي أبناءً يتمتعون بهذه الفضيلة نحتاج أن نتذكر أنفسنا عندما كنا في مثل أعمارهم، ونفكر في كل العوامل التي ساعدتنا أو أعاقتنا من أن نتمتع بالشجاعة في مواجهة المواقف الحياتية المختلفة.

    عندما فكرت في تجربتي الشخصية أيام طفولتي وصباي، لم أجد المخاوف التي واجهت بعضها بمعونة أهلي، وصارعت لزمن مع البعض الآخر، تختلف كثيرًا عما ساعدت ابنيّ أن يتعاملا معه ليطورا شجاعتهما: الخوف من الفشل.. الخوف من الرفض.. الخوف من كوني مختلفًا عن الآخرين في ملامحي، ولون بشرتي، وطريقة تفكيري.. الخوف من حرج الوقوف للحديث أمام الناس. وربما من أكثر المخاوف شيوعًا، وأشدها قسوة على فكر الأبناء، هو الإحساس بأن قبول الوالدين لهم مرتبط بالنتائج وليس بالجهد المبذول، والتركيز على الإنجاز دون تقدير لنوعية الشخصية!

 

    الشجاعة يتعلمها الأبناء بالحوار والقدوة لا بالتلقين، وليس هناك بيئة لتنميتها أفضل من الأسرة. "عارف أنا باحبك ليه؟" سؤال تكرر في بيتي ربما بشكل يومي لسنين، وقادنا كأبوين لحوارات شيقة مع ابنينا أتاحت لنا فرصة تدريبهما على التعامل مع مخاوفهما، وتطوير الثقة بالنفس في شخصيتيهما.. أما الإجابة التي جعلتهما يرجعان إلينا للمزيد من الأحاديث المنفتحة فكانت ولاتزال: "أحبك لا لأي شيء سوى أنك ابني!" أبناؤنا مهما تقدم العمر بهم، وأيًا كان مقدار ما يحرزونه من نجاح، يظل سماعهم لعبارات مثل "أنا فخور بك" تخترق قلوبهم، وتلمس مشاعرهم كأحلى لحن موسيقي تسمعه آذانهم!

    أبناؤك يتطلعون إليك كمصدر متجدد يستمدون منه طمأنينتهم، وشعورهم بالثقة التي تمكنهم أن يتصرفوا بشجاعة. إذا نظر الابن أو الابنة إلى عينيك ورأى أنك تثق فيه، سيتولد داخله تلقائيًا الهمة التي يحتاج إليها لمواجهة التحديات بعزم لا يضعف. أما إذا أظهرت تعبيرات وجهك عما يدعوه أو يدعوها لأن يشعر بالقلق، فالنتيجة الطبيعية أن يستسلم للخوف، وتضيع منه فرصة أن يطور جرأة التعامل مع المواقف بشجاعة.

    هل تحاول أحيانًا أن تحمي أبناءك من اختبار ألم الفشل، أو معاناة تحمل النتائج التي تترتب على تصرف خطأ أو اختيار أفقدهم تحقيق أمنية ما لهم؟ هل تذهب للمدرسة لكي تحارب من أجل استرداد درجة أو درجتين في امتحان أحد المواد، لمجرد أنك تريد لهم الـدرجة النهائية دائمًا، أو لأنك تريد أن تعفيهم من ألم الشعور بالظلم ولو لسبب بسيط مثل هذا؟ قد نفعل هذا بدافع من الحب، لكن هذا التوجه في التربية يفقد الأبناء القدرة على مواجهة صعوبات الحياة في المستقبل عندما لا يتحقق ما يسعون إليه بالكامل. السماح للأبناء بأن يختبروا الألم أحيانًا لا يعني أننا نتخلى عنهم، بل على العكس، فإن الإخفاق في تحقيق الدرجة الأعلى في الدراسة، أو الشعور بالإحباط الناتج عن توقع غير واقعي من الأصدقاء والظروف، كل هذه خبرات من شأنها أن تطور قدرتهم على التعامل مع الإحساس بالهزيمة والبدء من جديد برجاء وتصميم على تحقيق النجاح.

    كذلك أحد أهم مسؤولياتنا كوالدين أن ندرب أبناءنا كيف يتعلمون من أخطائهم، وألا يمتنعوا عن معاودة المحاولة حتى وإن كانت تنطوي على احتمالية الفشل مرة أخرى. العقاب أو النقد اللاذع لا يحفز الأبناء على الأداء الأفضل، بل يسلبهم الاستعداد لقبول التحديات، ويخيفهم من مغامرة تجربة أي جديد قد يفيد حياتهم ويزيد من قوة شخصياتهم. إذا تعاملنا مع الإخفاق كفرض طبيعي في أنشطة الحياة، فهذا يخلق فرصًا لأبنائنا ليتعاملوا بفكر خلاق مع المشكلات لحلها بدلاً من تجنبها.. وهذه شجاعة نريدها لهم.

    في مقابل مفاهيم العالم عن الشجاعة يقدم لنا الكتاب المقدس نماذج لأبطال امتلأوا بها من خلال اعتمادهم على القوة التي يعطيها الله لأبنائه عند مواجهة أكبر التحديات.. الأمثلة كثيرة، أختار منها ثلاثة تمتعت بمناقشتها مع عائلتي. في قصة يشوع بن نون وكالب بن يفُنة (سفر العدد ١٣-١٤) تحاورنا حول شجاعة الثقة في الله عندما تبدو الأمور مستحيلة، وكيف نتمسك بهذه الثقة ولو كنا أقلية في مواجهة أغلبية تشك في قدرة الله، وتدعي أن «الكثرة تغلب الشجاعة»! حول مواجهة داود لجليات الجبار (صموئيل الأول ١٦- ١٧ ) تركزت أحاديثنا عن كيفية استخدام المهارات والخبرات التي أعطاها لنا الله عندما نواجه كل جبار يعاير إيماننا بالله، مع أن الناس يقولون: "الجري نص الجدعنة"! وأخيرًا، مما اختبره الرسولان بطرس ويوحنا بعد عظة بطرس في الهيكل (سفر الأعمال ٣- ٤) كان الحوار عن شجاعة التمسك بإعلان إيماننا بمخلصنا يسوع المسيح مهما كانت التكلفة.. على عكس ما ينادي به أهل العالم: "إللي يخاف يسلم"!

 ما أمتع الالتفاف حول كلمة الله معًا كأسرة..  وما أروع وصية داود لابنه سليمان: «تشدد وتشجع واعمل.. لا تخف ولا ترتعب؛ لأن الرب الإله إلهي معك.. لا يخذلك ولا يتركك حتى تكمل كل عمل خدمة بيت الرب»  (١ أخبار الأيام ٢٨: ٢٠) 


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٢٧ مارس/ آذار ٢٠١٦)   

Copyright © 2016 Focus on the Family Middle East. All rights reserved