Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

 

بقلم: سامي يعقوب

للمزيد من هذه السلسلة: 

أبي هل لديك وقت لي؟ ١              أبي هل لديك وقت لي؟ ٢               أبي هل لديك وقت لي؟ ٣

أبي هل لديك وقت لي؟ ٤              أبي هل لديك وقت لي؟ ٥


 

تُرى هل بمقدورنا أن نعبّر عن محبتنالأبنائنا فقط بما نوفره لهم من معيشة وتعليم على أفضل مستوى ممكن؟ وكيف يفهم الأبناء أن الحب الأبوي يتخطى حدود الاهتمام بصحتهم، ونجاحهم الدراسي ليصل إلى حدود ليس بإمكانهم أن يدركوا مداها قبل أن يصبحوا هم أنفسهم والدين؟ قد تبدو إجابة هذه الأسئلة بديهية وسهلة، لكنها في الواقع ليست كذلك..فأبناء اليوم يترجمون مشاعرنا نحوهم ربما بشكل يختلف كثيرًا عما نتوقعه، وعن كل ما تربينا عليه نحن في أيام صغرنا. ومن أطرف ما قرأت عن هذا الأمر أن الأبناء  يتهجون كلمة «حب»  من  ثلاثة حروف:«و ق ت»! والمعنى  هنالا يحتاج لشرح.

 

وسط أعباء العمل، وزحمة المسؤوليات اليومية لنا كأبوين قد نظن، ونحن معذورون في ذلك، أن القبلات والأحضان العابرة، وتسديد الاحتياجات المادية يمكن أن تكفي وحدها لتبرهن على محبتنا لأبنائنا.. ومع أن أغلبهم يدركون صدق مشاعرناتجاههم، ويقدرون ما يرتبط بها عادة من تضحيات لأجلهم، إلا أنهم بحاجة إلى برهان أقوى يقنعهم عمليًا أنهم محور اهتمامنا، وبركة عمرنا التي لا تُقدر بأي ثمن.

 

والسؤال..كيف يمكن لأب يعمل لساعات طويلة، وقد تتطلب طبيعة عمله الخروج من البيت قبل أن يستيقظ الأبناء، أو يرجع إليه بعدما يخلد الصغار منهم إلى النوم،أن يجد بعضًا من الوقت ليستثمره في بناء حياة وشخصيات أبنائه؟ لاشك أن ظروف ومشغوليات الحياة اليومية تضعنا باستمرار في مواجهة الصراع بين مسؤوليات أعمالنا واحتياجاتنا الخاصة، والقيام بدورنا مع أسرنا كآباء. ولعلالحديث عن قضاء وقت ذي معنى مع الأبناء أسهل بكثير من إيجاده! لكن خبرتي الشخصية كأبأقنعتني أن توفير الوقت للتعبير عن محبتنا لأبنائنا ليس بالأمر المستحيل.. فبالرغم من الجدول المزدحم، فإن القليل من الفكر الخلاق، ومحاولة قضاء وقت معهم كأفراد أو كأسرة معًا، وتكرار المحاولة حتى تصبح تقليدًا عائليًا تُتيح فرصًا ذهبية لنشارك معهم ما يمكن أن يكون له أكبرالأثرعلى نموهم، وتطور شخصياتهم، وتقدم حياتهم في كل المجالات التي تسعدهم، وتقودهم إلى المستقبل الذي يحقق اشتياقاتهم وأحلامهم!

 

بالطبع لكل أسرة ظروفها، ولايستهان أبدًا بدور الأم في التأثير على الأبناء.. فحتى وإن كانت تخرج يوميًا للعمل، فهي أكثر قدرة من الأب بصفة عامة على إيجاد وقت للتواصل بشكل مباشر مع أبنائها، وبمحبتها تصنع أبطالاً.. لكن هذا لا يعني على الإطلاق أن احتياج الأبناء للتواصل مع الأب،مادام موجودًا،  يمكن أن يوفى  بشكل مثالي بما تقدمه الأم لهم من مشاعر واهتمام، وتوجيهات تربوية.. فالأب أقدرمن أي شخص آخرعلى تمكين الشعور بالأمان والثقة بالنفس لدى الأبناء. ونفس الشيء ينطبق على تطويرإحساسهم  بالضرورة عند استخدامهم للوقت، وتدريبهم على التعامل بحكمة مع المال. 

 

إن كل وقت نقضيه كآباء مع أبنائنا الصبيان أو الصبايا فيه نلعب ونضحك معًا، نتحاور ونتبادل الأفكار حول كل ما يرتبط بحقائق الحياة، وظروف ما يحدث حولهم في المجتمع الصغير، أو في العالم الواسع..  يوفر جوًا آمنًا من الانفتاح والثقة ليعبّروا عما يجول في خواطرهم من أحلام أو مخاوف، بينما نزرع فيهم أفكارًا، نثبت قيمًا تبقى معهم كقاعدة تنطلق منها اختياراتهم لبقية عمرهم.

 

اعتدنا في بيتي أن نعطي أولوية لقضاء الوقت معًا.. وعبر السنين كنا ولازلنا نحاول ألا تجرفنا ضغوط الحياة فنفتقد بعضنا بعضًا. منذ أصبحت أبًا عزمت أن تكون رحلتي مع تربية أبنائي أكثر ما يمتع حياتي.. لم أعتمد عليهم كمصدر لسعادتي، بل على العكس حاولت بقدر مااستطعت أن أكون أنا لهم مصدرًا متجددًا للسعادة والبهجة؛ فشاركتهم بكل ذكريات وخبرات حياتي، المضحك منها والمحرج.. حكيت لهم بدون تحفظ عن فشلي وإحباطاتي، وكذلك عن كل فرصة غامرت فيها بالإيمان فشكلت خطوة نجاح للأمام. لم أخش أبدًا أن أصغر في نظرهم عندما اعترفت لهم بضعفاتي.. واليوم عندما أنظر للوراء أرى الأوقات التي قضيناها معًاوقد خلقت جسرًا متينًا من التواصل بيننا، وأصبحت ذكريات لا تقدر بثمن. لقد تعلمت أن قيمة الوقت الذي نقدمه لأبنائنا لا يمكن استبداله بأي شيء آخر يمكن أن نقدمهلهم كبديل مهما كانت قيمته المادية.

 

أتذكر جيدًا اليوم الذي فيه اتصل بي ابني الأصغر، وسألني:"بابا..هل لديك بعض الوقت لي؟"وبعد وقت قصير التقينا، وراح يحكيبتأثرعن اعتقاده بأنه مصاب بمرض خبيث، وأنمايفزعه ليس فقط ما سيترتب عليه من آلام ورحلة علاج غير مجدية، بل شعوره بأن ما سيحدث له سيكسر قلب أمه وقلبي! واستمر يحكي بجدية أنه راجع ما يشعر به من أعراض على صفحات الإنترنت، وتأكد أنه مصاب بسرطان في المخ! يا للهول!! أصغيت لكل كلمة قالها بدون أن أقاطعه أو أستخف بما يقول. لم أفهم أيًامن التعبيرات العلمية التي استخدمها باللغة الإنجليزية ليقنعني بخطورة حالته لأني لست طبيباً، لكني كأب كنت أعرف أن هذه الأعراض تتفق مع ما يحدث عند تدفق هرمون الذكورة داخل الجسم في مرحلة البلوغ! وبكل تقدير لصدق مشاعر ابني، استغرق الأمر مني دقائق معدودة لأشرح له السبب وراء ما يشعر به؛فبطل العجب في الحال! ثم استدار واحتضني، وسألني مرة أخرى:"أبي هل لديك وقت لنخرج للتنزه سويًا في هذا المساء؟"ولم أتردد للحظة  أن أقبل  دعوته؛ فابني هذا قد  زالت من داخله مخاوف كانت يمكن أن تطيح به أرضًا لو ظل يصارع معها وحده بدون أن يجد يدًا تنتشله من هوتها. وفيما بعد قاللي إن أروع ما في علاقتنا أنه يجدني متاحًا له عندما يحتاجني!
وللحديث بقية..


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٩ يونيو/حزيران ٢٠١٣) 

Copyright © 2013 Focus on the Family Middle East. All rights reserved

 

 

 

 

 

 

 

قصة الرب يسوع في كل الكتاب المقدس بالطول