Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

بقلم: سامي يعقوب

المزيد من هذه السلسلة:

أخطاء الآباء وتربية الأبناء ١            أخطاء الآباء وتربية الأبناء ٢            أخطاء الآباء وتربية الأبناء ٣

أخطاء الآباء وتربية الأبناء ٤           أخطاء الآباء وتربية الأبناء ٥             أخطاء الاباء وتربية الأبناء ٦


     أعتقد أن آباء اليوم يستثمرون ماديًا في حياة أبنائهم أكثر من أي جيل مضى.. لكن هل نوعية المعيشة التي نوفرها لهم، والتي قد تبدو أفضل وأسهل مقارنة بما عايشناه نحن في أيامنا، يمكن أن تعفينا من مسؤولية تأثير أفعالنا على حياتهم ومستقبلهم؟ 

 وهل ندرك أن جهلنا بما يبني حياتهم، وافتقادهم للتواصل الإيجابي معنا يمكن أن يترتب عليهما ما قد يتسبب في تعاستهم، ويهدد مستقبلهم؟!

    أحد أكثر القصص الكتابية المثيرة للجدل، في رأيي، والتي تخبرنا عن تأثير خطأ التمييز بين الأبناء على الحياة الأسرية، وكيف يتسبب تفضيل أحد الأبوين، أو كليهما، لابن على الآخر في فساد علاقة الأبناء ببعضهم، ومعاناتهم من نتائج مؤلمة لا يمكن تجنبها، ولا تمحوها الأيام، هو ما نقرأه في العهد القديم عن أسرة إسحاق ورفقة. لقد «أحب إسحاق عيسو لأن في فمه صيدًا، وأما رفقة فكانت تحب يعقوب» (تكوين ٢٥ : ٢٨ ).. وعندما نقرأ بقية القصة في سفر التكوين سنجد أن هذه المحاباة في التربية استمر تأثيرها السلبي على التوأمين لبقية عمرهما.

    حبلت رفقة بعد أن كانت عاقرًا لسنين، وتزاحم الجنينان في بطنها، ولما صلت قال لها الرب: «…من أحشائك يفترق شعبان: شعب يقوى على شعب، وكبير يُتسعبد لصغير» (تكوين ٢٥ : ٢٣). وحتى لا نخلط بين تعيين اللـه وسابق معرفته، لا يجب الظن بأن هذا كان قدرًا محتومًا وُضع للابنين أن يعيشاه قبل أن يُولدا. في الواقع اللـه يعرف مُسبقًا ما سيحدث في حياة البشر، ويرى قبل ولادتهم اختياراتهم؛ لذلك يستطيع إذا أراد، كما حدث في هذه الحالة، أن يُخبر بما سيحدث لهم في المستقبل. وما يمكن أن نفهمه من القراءة المباشرة لهذا النص هو أن تفضيل إسحاق لعيسو لأن ميوله الشخصية ومواهبه وفرت له ما كان يستطيبه من طعام؛ ومحبة رفقة ليعقوب من أجل طبيعته المسالمة، وشخصيته التي جعلته يبقى بالقرب منها في البيت.. هو ما نتج عنه ما قال اللـه إنه سيحدث للولدين قبل ولادتهما.

    ما النتائج التي ترتبت على هذا التمييز بين الابنين في هذه الأسرة؟ لقد استطاع يعقوب أن يسلب حق البكورية من أخيه مقابل طبق من العدس قدمه له، مستغلاً استهتار عيسو في لحظة كان فيها يتضور جوعًا.. بعد ذلك، وبمساعدة أمه، تمكن يعقوب من أن يخدع أباه الشيخ والفاقد للبصر، ويأخذ منه البركة التي كانت لأخيه الأكبر. وما الذي ترتب على هذه التوجهات في التربية؟ غضب عيسو من يعقوب، وأراد أن يقتله؛ فهرب الأخير وتغرب لسنين عانى فيها الأمرين قبل أن يعود إلى بلاده، ويتقابل مع أخيه مرة أخرى، وفي يوم اللقاء كان خائفًا من انتقامه.. وبالرغم من تصالحهما إلا أنهما لم يعودا للحياة بالقرب من بعضهما، ولم يذكر الكتاب المقدس تفاصيل تدل على استمرار التواصل بينهما فيما بعد! على أية حال، لم ينقذ يعقوب من الضياع بسبب أسلوب تربية والديه، وما انساق إليه هو من أفعال بتشجيع من أمه، سوى إدراكه أنه لا يستطيع أن يحصل على ما يريد لنفسه بدهائه، وأيضًا توبته بصدق عن خطاياه، واتضاعه أمام الرب الذي لم يتخل عنه من أجل وعوده لأبيه إسحق وجده إبراهيم.. وقد لخص يعقوب حياته قرب نهايتها بقوله: «أيام غربتي مئة وثلاثون سنة.. قليلة ورديَّة (سيئة) كانت أيام حياتي» (التكوين ٤٧ : ٩ ).

    لماذا أستشهد اليوم بهذه القصة الصعبة عند الحديث عن أخطاء التربية؟ لأني وجدت فيها إرشادًا كنت أحتاج إليه بينما كنت أربي مع زوجتي ابنين باركني الله بهما.. ابنين اختلفا عن بعضهما في كل شيء، وليس في فارق سنوات العمر فقط.. في الشكل والحجم اختلفا، في الموهبة والميول الشخصية لم يتشابها، أحدهما نهاري والآخر ليلي، استذكر كل منهما دروسه بطريقة مختلفة، وتجاوب كلاهما مع توجيهاتنا بطريقته الخاصة.. ناهيك عن اختلافهما في اختيارات المستقبل، وتعاملهما مع الماديات واستخدامهما للأشياء. وفي كل مراحل عمرهما كان علينا كوالدين أن نقبل هذه الاختلافات بلا تمييز أو مقارنة بينهما! بالطبع هناك الكثير الذي يتشابهان فيه، لكن بينما كنت ولا أزال أراقبهما أكاد لا أصدق أنهما خرجا من رحم واحد. «أحمدك يارب من أجل أعمالك العجيبة، فأنت صنعت ابنيّ في رحم زوجتي، وهناك أبدعتهما.. لم يكونا خافيين عن عينيك قبل أن تشكلهما. ما أكرم أفكارك تجاهي يا اللـه!» (قراءة شخصية لبعض من كلمات مزمور ١٣٩).

    لقد كان تحدي تربية ابنينا هو قبول حقيقة أنهما غير متطابقين كشخصين.. محبتنا لهما لم تكن أبدًا مشروطة باختلاف أو اتفاق ميولهما عن طبيعتينا كأب وأم. أعجبني ما صرح به ابني الأصغر مرة في ساعة صفا: "أنا من بره أشبه ماما، ومن جوه زي بابا!" تُرى ما الحال في بيتك؟ وما نوع علاقتك مع أبنائك، الذين بلا شك يختلف الواحد منهم عن الآخر؟ تُرى كيف تحبهم، وما الذي تريده لمستقبلهم؟ 

    الأبناء الذين يعانون من النقد اللاذع، بمناسبة وغير مناسبة، يميلون لإدانة الآخرين وإلقاء اللوم على الظروف عندما يواجهون صعوبات أو فشلاً.. والذين يعيشون في أسرة يسودها العنف والخلافات بين الوالدين بالطبع ستسود الخلافات علاقاتهم في المجتمع والأسرة عندما يتزوجون. الآباء الذين يقللون من شأن أبنائهم يسلبونهم فرصة تطوير قدرتهم على مواجهة تحديات الحياة. المقارنة تحبط الأبناء، والمعايرة بالفشل تجعلهم يشعرون بالذنب دائما وإن لم يُخطئوا. أما التشجيع الصادق في البيت فيزيد من ثقة الأبناء بأنفسهم عندما يكونون خارجه، والمديح غير المتكلف من الأبوين يجعلهم يُقدرون قيمة الناس والأشياء.

 عندما لا نميز بين ابن وآخر، أو بين ولد وبنت، فإننا نعلمهم كيف يسلكون بالعدل. وعندما تخلو تحذيراتنا من التهديد والوعيد فهذا يقوي إيمانهم باللـه، ويدربهم أن يتكلوا عليه. الأبناء الذين يتمتعون بالحب الأبوي غير المشروط سيختبرون أجمل معاني الحب بينما يكبرون، وحيثما يعيشون.. وإلى بقية الحديث في المرات القادمة، إذا أحيانا الرب وعشنا.


 (نُشر بجريدة وطني بتاريخ ١١ أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠١٥)

Copyright © 2015 Focus on the  Family Middle East. All rights reserved

 

 

 

 

 

 

 

قصة الرب يسوع في كل الكتاب المقدس بالطول