Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

 

في تربية الابناء ٤ inside

 

بقلم: سامي يعقوب

        للمزيد من هذه السلسلة:

         في مدرسة تربية الأبناء ١      في مدرسة تربية الأبناء ٢      في مدرسة تربية الأبناء ٣

         في مدرسة تربية الأبناء ٤      في مدرسة تربية الأبناء ٥       في مدرسة تربية الأبناء ٦

 

       مثل أي أب كنت حريصًا منذ طفولة ابنيَّ أن أعدهما للنجاح في الحياة.. كنت أريد أن يكون كل منهما قائدًا في المجتمع الذي يتواجد فيه وليس تابعًا، وأن يتمسك بما يعتقد أنه صواب في مواجهة ضغط الأقران، ولا يخجل من أن يعلن هُويته المسيحية، أو يغريه أي مكسب في مقابل المساومة على مبادئه، أو التراجع عن إتمام ما تعهَّد به. إحدى العبارات التي لطالما تكررت على مسامعهما: "لا تنحنِ لتلتقط شيئًا، حتى ولو كان جنيهًا من ذهب!" ولعل المعنى المقصود هنا واضح.

      بعد أن كبرا، سألت كلاً منهما عن أفضل ما وجده في أسلوب تربيتي، مع إقراري بأني لم أكن مثاليًا في كل ما ظننته الأسلوب الأفضل في تربيتهما. وقد تعجبت من إجابتيهما على سؤالي بدون اتفاق مسبق: ”الحرية، وإتاحة الفرص!“ ولابد أن أعترف أن تنشئة الأبناء بشخصية واثقة من نفسها ومستقلة، بقدر ما له من تأثير إيجابي على مستقبل الأبناء، إلا أن له بعض التبعات التي يحتاج الآباء لتفهمها، واحتمال قسوتها أحيانًا، خاصة عندما تظهر الاستقلالية بما قد نفسره بالابتعاد أو الإهمال.

       لقد كانت تجربتي في محاولة تنشئة ابنين كشخصيات مستقلة من أمتع الممارسات الأبوية. لقد تعلمت أن ما يجعل الأبناء ناجحين ليس ما أعمله لهم، بل ما أعلِّمهم إياه ليفعلوه بأنفسهم؛ فأتحت لهما الفرصة. واجتهدت مع أمهما لنعلِّمهما أسس تحمل المسؤولية والثقة بالنفس، ونسمح لأجنحة استقلاليتهم أن تتقوى، دون أن نقصقص ريشها عندما ينبت وينمو!

       من فرط حب الوالدين لأبنائهم، وحرصهم على سلامتهم، يميلون لإغلاق منافذ العالم عنهم.. فالشارع ممنوع، والرحلات مرفوضة، واللعب مع الأصدقاء بمحاذير.. فلابد أن يسير الأبناء، خاصة الفتيات، وفق مسارات تحدد لهم مسبقًا كيف يسلكون، وماذا يختارون لحياتهم. ولعل هذا الأسلوب في أغلبه لا يكون بدافع التسلط على الأبناء وإنما الرغبة في حمايتهم، لكن الناتج النهائي شخصيات اعتمادية.. أبناء لا يشعرون بمسؤولية القيام بالواجبات المطلوبة منهم، ويتوقعون من الآخرين أن يقوموا بها نيابة عنهم.

       الحماية الزائدة تزرع في أعماق الأبناء بذور الخوف، وتسلبهم فرصة تطوير ثقتهم بأنفسهم. كما أن افتقاد الأبناء للتعبير الصادق عن الثقة والحب غير المشروط تجاههم يحرمهم من تطوير روح المبادرة والتعامل الخلاق مع المواقف المختلفة، أو حل المشاكل. الخطر الأكبر أنهم سيبحثون عن الثقة والحب خارج البيت، فإذا وجدوهما في مقابل التخلي عن استقلالية اختياراتهم، فإنهم سيضحون بالاختيار الصحيح من أجل الحصول عليهما. أليس هذا ما نراه في المراهقين الذين يسلكون كما يريد أقرانهم لكي ينالوا تقديرهم واستحسانهم؟

ابي هل لديك وقت لي ٢

       الشخص الاعتمادي لا يشعر بالأمان إلا بوجود شخصية قوية يستند عليها.. يقلل من شأن نفسه ليستجدي القبول والتعاطف من الآخرين، ويميل إلى تضخيم ما يعاني منه ولو كان بسيطًا.. لا يثابر في ممارسة أي نشاط يستلزم القراءة والتركيز في التفكير، ويهرب إلى صحبة الآخرين.. ويقضي وقته في الثرثرة بلا هدف، فيزداد شعوره بالفراغ الداخلي.

       أصحاب الشخصية الاعتمادية غالبًا ما تكون قراراتهم الخاصة بحياتهم في يد غيرهم، وليس بحسب رغباتهم، أو ما يناسب قدراتهم ومواهبهم الشخصية.. بداية من اختياراتهم اليومية البسيطة، وصولاً لاختيارات أكثر استراتيجية مثل: ماذا أدرس، أو بأي مهنة أعمل؟ مَنْ أختار كشريك للحياة، وهل أعيش في بلدي أم أهاجر؟ وغير ذلك من الاختيارات التي يحددها لهم مَنْ يتولون أمرهم.

       الابنة التي تعتاد أن تستظل بوالديها في تصريف كل أمور حياتها، تكبر كشخصية اعتمادية لا تعرف معنى تحمل المسؤولية. وعندما تتزوج، قد يكون محببًا لزوجها في البداية أن يشعر باعتماديتها عليه في كل شيء، وقد يقبل هذا كنوع من دلع العروسة، أو لأنه يُشعره بأهميته كرجل. لكن بينما تأخذ الحياة مجراها الطبيعي، فإنه يتوقع أن تشاركه في تحمل مسؤولية الأسرة، والقيام بواجباتها بدون أن يُطلب منها ذلك. وعندما يجد الزوج نفسه محاصرًا بالطلبات، ويراها تنتظر رأيه في كل شيء يمكن أن تقرره هي بنفسها، وتتوقع منه أن يتعامل وحده مع كل مشكلة رغم بساطتها، عندئذ يصبح الزواج في مهب الريح.. ومَنْ منا يريد هذا المستقبل لابنته؟

كذلك، هناك بعض الأعراف الاجتماعية، والتي لا تتفق بالضرورة مع المقاييس المسيحية للزواج، تجعل من زوجاتنا شخصيات اعتمادية وتابعة أيضًا. نحن كأزواج، بما لنا من قوة وقدرة على الحماية والقيادة، كلما اتبعنا قيم المجتمع الذكوري الذي يجعل زوجاتنا يشعرن بالقلة بغض النظر عن قدراتهن ومواهبهن، تدنت نظرتهن لقيمتهن كأشخاص. لا شك أن هذا التوجه يؤدي إلى فتور العلاقة بين الزوجين؛ فينفصلان معنويًا وربما جسديًا أيضًا، وفي كثير من الأحيان يصل الأمر للطلاق.

       «الزوجة القديرة مَنْ يجدها؟ والابنة الجديرة بالثقة مَنْ يربيها؟ زوجها يثق بها، فلا يعوزه الخير أبدًا، ولا تسبب له المشاكل كل أيام حياتها… تعمل بيدين راضيتين، وسراجها لا ينطفئ في الليل… تتكلم بالحكمة، وترعى شؤون بيتها.. يباركها أولادها، ويمدحها زوجها فيقول: نساء كثيرات يعملن أعمالاً عظيمة، وأنتِ تفوقتِ عليهن جميعًا.. الثقة بالنفس هي الحُسن الحقيقي.. وحلاوة الجمال في الشخصية» (راجع أمثال ٣١).

       وإلى بقية الحديث في المرة القادمة عن كيفية التنشئة الأسرية للشخصية المستقلة للأبناء.


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ١٨ أغسطس/ آب ٢٠١٩)

Copyright © 2019 Focus on the Family Middle East. All rights reserved.

      

 

 

 

 

 

 

 

قصة الرب يسوع في كل الكتاب المقدس بالطول