بقلم: سامي يعقوب

تطورات الأمور في بلادنا، على عكس ما كنا نتوقعه، أدخلت إلى قلوبناالخوف من أن نفقد فرصة تفعيل مواطنتنا التي فرحنا باستردادها بعد غياب طويل. فعندما اشتركنا مع الذين خرجوا إلى الميدان من أجل الحرية، والعدالة، ورغيف الخبز، اكتسبنا حماسًا من نوع خاص لوطننا ومستقبله. أما الآن، وقد أصاب اليأس الكثيرين منا بسبب روح الغي والتسلط التى تسود أجواء البلاد٬ فنحن معرضون أن نعود فننسحب من جديد إلى عزلة غير المهتمين أو الخائفين. ولعلنا إذا تركنا أنفسنا نغرق في بحيرة الاستسلام السلبي فإننا نُعبر عن نقص الثقة في الله، وعندما يتعمق حزننا وتفقد قلوبنا شجاعتها ستفتر حياة إيماننا تدريجيًا، فنعيش كالذين لا رجاء لهم. تُرى هل لنا من مخرج عبر هذه الأزمة؟

التغلب على مشاعر اليأس والإحباط ليس أمرًا سهلاً، لكني أثق أنه ليس مستحيلاً أيضًا. لقد اجتاز الشعب في القديم أزمات ثقة في الله، الذي حررهم من العبودية في مصر، وقادهم بقدرته، واعتنى بهم في البرية.. وفي كل مرة كان شعورهم بالعجز واليأس يجعلهم يقاومون التقدم للأمام ليدخلوا إلى كنعان كما أرادهم الله أن يفعلوا. وكم أغضب هذا السلوك الله لأنه كان بمثابة إعلان عدم ثقة فيه! لكنه كان يتحنن عليهم ويسامحهم عندما يصرخون إليه طلبًا أن يغفر لهم تمردهم، ويُنقذهم من الشر الذي كان يمكن أن يُفنيهم! هذه هي الخطوة الأولى التي أعتقد أننا كمسيحيين في أشد الحاجة أن نأخذها اليوم قبل الغد .

أما التحدي العملي للتعبير عن تجديد ثقتنا فى الله هو أن نستمر في القيام بمسؤوليتنا بنفس الروح التى كانت لنا من قبل، سواء في بيوتنا مع عائلاتنا، أو في دوائر المجتمع الذي نعيش فيه.. التحدي أننا بالرغم من الظروف نواصل بعزم لا يهون أن نستثمر أموالنا وخبراتنا لبناء بلادنا، ولنشارك الجميع في الخيرات التي لنا، فنغلب الشر والتهديد بحب صادق للجميع. وعندما نسللك في هذه الأيام ليس بحسب ما نشعر به، بل انطلاقًا من الثقة التي لنا فيه، ستشهد أفعالنا ومواقفنا عن الإله الذي نعبده، وتُظهر للجميع أي إيمان يملأ حياتنا.. وحتى عندما يضعف هذا الإيمان في مواجهة المخاوف فلنصرخ إليه قائلين: «نؤمن يا سيد.. فأعن عدم إيماننا!» لقد استمر يوسف على ثقته في الله حتى بعد أن باعه إخوته كعبد، وبعد أن ألقاه فوطيفار في السجن ظلمًا.. وعندما حان الوقت الذي أراد الله أن يستخدمه فيه لكي يصنع فرقًا في حياة شعب مصر، واستُدعي ليفسر أحلام فرعون لم يكن غارقًا في يأسه، وكان على استعداد، مع كونه غريبًا، أن يقبل مسؤولية أن يكون الرجل الثاني في البلاد بعد ملك لم يكن يعرف الله !

هل فكرت من قبل أن الشعور باليأس هو أحد الأسلحة الفتاكة للشيطان التي يستخدمها لكي يجعلنا نستسلم؟ فهو يهدف من تعميق الشعور بخيبة الأمل لدينا أن ننسحب في النهاية من سباق الإيمان، وندير ظهورنا لله. هذا ما حدث مع الرجال الذين عادوا مع نحميا إلى أورشليم ليبنوا سورها المتهدم.. فعندما واجهوا مقاومة الأمم التي كانت حولهم، وتأثروا بالشائعات التي أطلقها عليهم سنبلط وطوبيا وجشم العربي كادوا أن يتوقفوا عن البناء. ولم يُهزم إبليس إلا عندما تشجعوا من جديد وأكملوا العمل، وما حدث بعد ذلك كان أحد أعظم النهضات الروحية التي سجلتها نصوص العهد القديم !

"كذب المنجمون ولو صدقوا".. أظن أن هذا القول الشائع يُلخص الكثير من الأحاديث المتكررة في كل مجلس، والتي تُبث إلى عقولنا من ميديا تلهث وراء تقديم أخبار يثبت زيف الكثير منها مع الوقت. لقد أُسرنا بمشاعر التأسي على حاضرنا٬ووقعنا في فخ إدمان متابعة الأخبار بشكل لحظي، بالرغم من إدراكنا أن هذه العادة الجديدة التي تسيدت علينا قد أضعفت شركتنا مع إلهنا، وأفقدتنا التواصل مع عائلاتنا.. إلا أننا لازلنا نتحول من قناة إخبارية إلى أخرى، وننهي الليل بأخبار تُقرأ على «النت»، ونبدأ صباحنا بمطالعة أكثر من جريدة؛ مع أن جميع هذه النوافذ الإعلامية تقول نفس الشيء، وتولد اضطرابًا داخلنا، وننسى أن الكلمة المقدسة توصينا: «كفوا واعلموا أني أنا الله»! «كفوا» كلمة من أروع كلمات العهد القديم؛ وتعني "ارفعوا أيديكم عن الأمر".. والله لا يقصد هنا أن ننسحب في يأس، بل على العكس أنه يُريدنا أن ننتظره في هدوء وندعه يعمل. هذه الكلمة هي نفسها في اللغة العبرية التي استخدمها الله عندما قال للشعب الذي ارتعب لما رأى المصريين يلاحقونهم: "قفوا وانظروا الخلاص الذي سأصنعه لكم اليوم!" فهل "نكف ونقف" لنرى هذا الخلاص  يتحقق من جديد في أيامنا هذه؟

في غمرة مشاعر بالإحباط ألمت بي في الفترة الماضية بسبب ضغوط أحاطت بي على المستوى الشخصي والعام، والتي أعرف أن كثيرين من أصدقاء هذا الركن في وطني يختبرونها من حين لآخر، رجعت إلى أحد أحب المزامير إلى قلبي لأطلب من الله أن يسامحني.. وخرجت الكلمات من فمي: «ارحمني يا الله كعظيم رحمتك، مثل كثرة رأفتك امحُ معاصيّ...»، واستمرت صلاتي حتى وجدت نفسي أتوقف لأول مرة بمفهوم يخاطب ما أشعر به عند الكلمات: «قلبًا نقيًا اخلق فيّ يا الله، وروحًا مستقيمًا جدد في داخلي!» وقد شعرت أننا قد حبسنا هذه الصلاة الرائعة فقط في قرينة الاعتراف بالخطية والتوبة.. وهذا صحيح تمامًا. لكني تساءلت إذا كان داود قد بدأ مزموره بالاعتراف وطلب المغفرة، فلابد أنه لم يقصد تكرار طلب الغفران عندما سأل الله أن يعطيه قلبًا نقيًا! وعندما عدت إلى المعنى الأصلي لهذه الكلمات الرائعة، وجدت أن القلب المذكور هنا لم يقصد به بالطبع تلك العضلة التي تضخ الدم في جسم الإنسان.. فالقلب في اللغة العبرية يشير إلى كينونة الإنسان، وعمق مشاعره، ومركز دوافعه واختياراته! إذن فداود لم يكن يطلب مجرد مشاعر طاهرة، لكنه كان يطلب أن يخلق فيه الله قلبًا جديدًا بهذا المعنى. والملاحظ أن الفعل "اخلق" هنا هو نفسه المستخدم في الأصحاح الأول من سفر التكوين: «في البدء خلق الله السموات والأرض.» فإذا كنت قد غرقت في مشاعر اليأس، وكدت أن تفقد ثقتك في الخالق القدير، فعد معي مجددًا إلى المزمور الحادي والخمسين.. ابدأ بأن تطلب من الله أن يغفر لك، واستمر في الطلبة أن يخلق داخلك قلبًا جديدًا، ويعطيك روحًا صحيحًا، ثم أكمل الصلاة: «رد لي بهجة خلاصك، وبروح منتدبة (جديدة) اعضدني (دعمني).. فأعلّم الأثمة طرقك، والخطاة إليك يرجعون».. حتى أولئك الخطاة الذين لا أتخيل أبدًا أن يرجعوا إلى الله الإله الحقيقي. لا عجب أن يكون هذا المزمور مقدمة للصلوات اليومية التي تعلمها الكنيسة .


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٢٢ يوليو/ تموز ٢٠١٢)

Copyright © 2012 Focus on the Family Middle East. All rights reserved  .