Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

بقلم: دكتور هنري كلود

 

هذا الأمر كاد أن يدفعني إلى الجنون. وكأب لا أستطيع سماع أحد أبنائي يقول مجددًا: "لكنها هي التي فعلت". وإذا قلت: "لا تفعل هذا بأختك"، فإنني سأسمع للمرة العاشرة قوله " لكنها يا أبي ضربتني"، أو أي أعذار أخرى. هذا الأمر يزعجني لأني أكره اللوم من ناحية، ومن ناحية أخرى، أعلم جيدًا كمتخصص في علم النفس أن الفشل في تحمل المسؤولية قد يؤدي إلى حياة غير مثمرة. 

 

إن أطفالنا ينضجون في أحضان ثقافة لم يعد الناس فيها يعترفون بمسؤوليتهم عن اختياراتهم وكلماتهم وأفعالهم.. ثقافة تدعو دائمًا إلى إلقاء اللوم على شخص ما ويتبرأ الناس من أفعالهم- بداية من مبالغات الطفولة حتى نزعاتهم في المدرسة، وبالتالي ينضجون بشخصيات فاشلة في مجالات العمل؛ لأنهم عاجزون عن قبول التقويم.

هل تجد إلقاء اللوم وتقديم الاعذار أمرًا شائعًا في منزلك؟ إذا كنت مثلي، فأنت بحاجة إلى إنهاء هذا الأمر في أسرع وقت ممكن قبل أن يصبح الأمر متجذرًا ويصعب إنهاؤه. 

 

علِّم أبناءك أن يتحملوا مسؤولية اختياراتهم 

فيما يلي طريقتان قد عملت من خلالهما على مساعدة أبنائي على تجنب إلقاء اللوم على الآخرين: 

الطريقة الأولى: أخترعت لعبة بسيطة علَّمت أبنائي أن يتحملوا مسؤولية سلوكياتهم. بدأت بتوضيح أنه على الفائزين في هذه اللعبة أن يعترفوا بأنهم مخطئون ويقوموا بعمل التغيرات اللازمة، بينما يقوم الخاسرون بإلقاء اللوم على الآخرين أو تقديم الأعذار. ثم ابتكرنا "إشارة" ما نستخدمها في كل مرة نسمع أحدًا منا يقدّم عذرًا أو يحاول إلقاء اللوم على شخص آخر. على سبيل المثال، نصنع حرف L   بالإنجليزية (باستخدام الإبهام والسبابة) إشارة للخاسر Loser، وبنفس الطريقة، عندما يتحمل أحدنا المسؤولية، ويعترف بمسؤوليته عن تصرف ما، نصنع حرف w بالإنجليزية (باستخدام ثلاثة أصابع) إشارة للفائز Winner

 

وكان تأثير هذه اللعبة البسيطة كبيرًا جدًا ومدهشًا حقًا. فبمجرد أن يبدأ أي من أفراد العائلة، بما فيهم أنا، بإلقاء اللوم على شيء ما أو شخص ما، ترتفع الأيدي على الفور (بعلامة L)، ونعرف أننا وقعنا في الفخ. أستطيع أن أقول أن هذه اللعبة نجحت فعلاً عندما ابتسمت ابنتي الصغيرة "لوسي" ابتسامة ماكرة تدل على فهمها أنها "وقعت في الفخ"، في كل مرة تبدأ في إلقاء اللوم أو تقديم الأعذار.

الطريقة الثانية التي استخدمتها للحد من إلقاء اللوم تمثلت في عمل "محكمة أبوية"، حيث أمثل أنا القاضي وهيئة المحلفين. وأخبرت بناتي أن يأتين بكل ترحاب بمنازعاتهم، وأنني سأستمع بكل سرور إلى شهاداتهم وأقرر مَنْ على خطأ ومَنْ على صواب. وشرحت لهن أنه إذا كان لديهن شكوى ما، يجب أن تكون شكوى مسببة وعن استحقاق. وإذا ثبت أنها مجرد إلقاء اللوم على شخص آخر، فإن على الخاسر أن يدفع مصاريف الدعوى.. وهي مبلغ ليس بقليل. لقد أدركت أن معظم الاتهامات يصاحبها سلوكيات مستفزة من جانب مقدِّم الاتهام، وبالتالي أدت هذه الطريقة إلى تقلص عدد الدعاوي/ الشكاوى التافهة المرفوعة إلى "المحكمة الأبوية". وقد أثبتت بناتي امتلاكهن لقدرة مذهلة على العمل على حل مشكلاتهن بأنفسهن. 

 

وحتى وإن كانت هذه الأنشطة مبهجة، فإن اللوم والأعذار لا يستوجبان الضحك أو المرح. لقد أدركت أن هذه السلوكيات نابعة من مشكلات حقيقية في الشخصية. فمنذ أن حاول آدم إلقاء اللوم على حواء، ثم حاولت حواء إلقاء اللوم على الحية، فإن اللوم أصبح جزءًا من طبيعتنا البشرية. في الواقع يعلمنا سفر الأمثال أن قبول التقويم يمثل مكونًا أساسيًا للتمييز بين الحكمة والحماقة (أمثال ١٢: ١؛ ١٥: ٥). 

 

لم يصل الأطفال بعد إلى النضج الكافي لتجنب الميل الطبيعي لإلقاء اللوم والتهرب من المسؤولية الشخصية. في الواقع، هذه السمات الشخصية تصل إلى مستوى سيئ إذا لم نواجهها. ومن ثَم فإن التأديب والتدريب المستمر في هذا الأمر يمثل الأسلوب الأمثل لصقل شخصية الطفل. يحتاج الآباء والأمهات إلى تقديم شرح واضح لأبنائهم بأن تحمل الفرد مسؤولية مشاعره وتوجهاته وسلوكياته ليس شيئًا اختياريًا. ولابد أن نتوقع منهم تحمل مسؤولية تصرفاتهم.
 

توضيح الخيارات وتحديد التبعات

ومن ثَم، كيف تشجّع أبناءك على تحمل مسؤولية مشاعرهم وتوجهاتهم وسلوكياتهم؟ تأكد أن الخيارات التي تتسم بالمسؤولية تؤدي إلى نتائج جيدة لصالح أبنائك، بينما لجوئهم إلى اللوم وتقديم الأعذار سيؤدي بهم إلى معاناتهم وخسارتهم. وإذا كان الألم الناتج عن اللوم دائمًا أعظم من عبء تحمل المسؤولية، فإنك سترى تحمل أكثر للمسؤولية من قِبل أبنائك. 

 

الخطوة الاولى تتمثل في التخلص من غضب الوالدين والميل إلى المبالغة في ردود أفعالهم. كثير من الأبناء يلجأون إلى اللوم والأعذار في محاولة منهم لمواجهة ما يبدو لهم كهجمة أو انقضاض من الوالدين بغرض تخجيلهم وإحراجهم. وبالتالي عندما تحتفظ بهدوئك بينما تقوّم أبناءك، فهذا يساعدهم على التركيز أكثر على سلوكياتهم، بدلاً من التركيز على ردود أفعالك. 

 

اشرح لأبنائك أنهم مَنْ يحددون جودة أسلوب حياتهم. فهذا أمر في أيديهم هم وليس أنت. أعطِ لأبنائك الصغار الحرية في الاختيار، موضحًا لهم كيف ستكون نتيجة أو تبعات اختياراتهم. اربط بين هذه التبعات بشيء يمثل أهمية لهم (لعب، امتيازات، هدايا، وقت النوم). 

يمكنك بسهولة أن توضح الأمر كالتالي: "إذا فعلت هذا أو ذاك، فلن يُسمح لك بألعاب الفيديو". وإذا استخدم أبناؤك حريتهم في عمل خيارات خاطئة، فلا تبالغ في التوبيخ أو التحذير. ولكن بدلاً من ذلك احتفظ بهدوء انفعالاتك، وطبّق التبعات كما أتفقتم عليها. 

 

ثم بعد ذلك، اشرح لأبنائك لماذا يتعرضون للتبعات. وهذا من شأنه أن يوضح لهم أنهم مسؤولون عن هذه التبعات، وليس أنت. يجب أن يوضح حوارك معهم مَنْ هو المسؤول. تأمل الحوار التالي: 

-  هل تستطيع أن تخبرني لماذا أنت معاقب الآن؟ 

-  أنا معاقب لأنك أخبرتني ألا أصيح في وجه أختي، ولكنني لم أفعل. 

-  ما رأيك في سلوكك هذا؟ 

-  ليس من الجيد أن أفعل هذا. 

-  ماذا ستفعل في المرة القادمة؟ 

-  سأكون لطيفًا ولن أصرخ في وجه أختي. 

-  حسنًا، هذا يبدو جيدًا. وماذا تريد أن تقول لي؟ 

-  أنا آسف. 

-  سامحتك. 

 

إذا اعترض ابنك أو لم يكن أمينًا في كلامه، حدد موعدًا آخر وأخبره أنك ستحاول التحدث إليه مرة أخرى عندما يهدأ. هذه الطريقة ستؤكد من جديد أن طفلك هو مَنْ يحدد خياراته، وستمنحه الوقت ليهدأ أو يراجع سلوكياته. 

 

درّب أبناءك المراهقين على تحمل المسؤولية 

المراهقون أيضًا يمكن تشجيعهم على تحمل مسؤولية قراراتهم. اخبر ابنك/ ابنتك المراهق أنك تريده أن يحصل على امتيازات مناسبة مثل قيادة السيارة واستخدام وسائل التكنولوجيا، أواصطحاب الأصدقاء والاشتراك في أنشطة ممتعة. وكلما أظهر تحملاً للمسؤولية، أُعطي له حرية أكثر. وكلما أظهر عدم تحمل للمسؤولية، يُسمح له بحرية أقل. اربط بين سلطته على تحديد اختياراته بجودة أسلوب حياته. ثم اسمح له بأن يختار.. وإمّا أن يتمتع بالنتائج الإيجابية لأفعاله أو يدفع ثمن تبعات أفعاله. 

 

تأكد من أن توقعاتك تناسب توجهات ابنك/ ابنتك المراهق. اشرح له/ لها هكذا: "غير مقبول أن تطيعني بينما تنظر هكذا وتتمتم بشيء غير لائق. وهذا أيضًا سيؤدي إلى تبعات سلبية". درب ابنك المراهق نحو تحمل المسؤولية بأن تتوقع منه أن يعبِّر بوضوح عما فعله من تصرفات، وكيف كانت مهينة، وأن يعبِّر أيضًا عن أسفه. 

 

يوصينا الرسول بولس بأن نخلع ّالإنسان العتيق" و "نلبس الجديد" (انظر أفسس ٤: ٢٢- ٢٤). إن عملية التربية تتضمن أن نساعد أبناءنا على نبذ سلوكياتهم القديمة وتعلُّم طرق جديدة لتحمل مسؤولية خياراتهم. 

الأخبار السارة هي: هناك رجاء في تنشئة أبناء يتحملون المسؤولية في ثقافة إلقاء اللوم والأعذار. يعدنا الكتاب المقدس أنه حتى إذا كان هذا النوع من التدريب مؤلمًا في الوقت الحاضر، لكنه أخيرًا سيعطي "الذين يتدربون به ثمر بر للسلام." (عبرانيين  ١٢: ١١).

 

دعنا لا نقبل في بيوتنا بالرد المعتاد "هذا ليس خطأي". ولكن دعنا نعلِّم أبناءنا أن يتحملوا مسؤولية خياراتهم، ونمهد الطريق أمامهم حتى يصبحوا ناجحين.


د. هنري كلود هو متخصص في علم النفس، وضيف في حلقات إذاعية، ومساعد في تأليف كتاب  “Its Not My Fault  ”، يدور هذا  الكتاب حول خطة للتغلب على عقبات الحياة بلا أعذار.

From the March/ April 2012 issue of Thriving Family Magazine, originally “It’s Not My Fault!” Copyright ©2012 by Dr. Henry Cloud. Used by permission

 

 

 

 

 

 

 

 التربية المقدسة بالطول