Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

بقلم: سامي يعقوب

للمزيد من هذه السلسلة:

عندما يختار الأبناء ١           عندما يختار الأبناء ٢

عندما يختار الأبناء ٣           عندما يختار الأبناء ٤


أعود لأختم أحاديثي عن اختيارات الأبناء، وماذا نفعل عندما لا تتفق مع ما نتمناه لهم، أو عندما نراها تهدد مستقبلهم بشكل أو آخر. وأنا كأب أعرف صعوبة مثل هذا الموقف الذي يضعنا في تحدٍ قد يجعلنا نتساءل عن مدى نجاحنا في تربيتهم، وفي نفس الوقت نقلق من احتمالية أن نفقدهم.. مع أن خبرة مَنْ سبقونا تؤكد أن الافتراضين خطأ!

مثلما فعل الآباء، لابد لنا عند مرحلة معينة من العمر أن نبارك أبناءنا من الجيل الأصغر، قبل أن ينطلقوا في طريق مستقبلهم.. وربما يجدر بنا أن نباركهم بنفس الإيمان الذي به استطاع إبراهيم أن يكون على استعداد أن يُسلم إسحق، ابن الموعد، ليد الله وهو مُتيقن أن الله قادر أن يعطيه حياة جديدة إذا أُخذ منه! وبالإيمان إسحق أيضًا بارك ولديه فيما يتعلق بالمستقبل.. وكذلك بارك يعقوب بالإيمان ابني يوسف: منسى وأفرايم (عبرانيين ١١ك ١٧- ٢١). تُرى لماذا ذكر كاتب العبرانيين أن يعقوب بارك ابني يوسف على وجه التحديد، مع أنه قبل موته بارك بنيه الاثني عشر جميعًا (تكوين ٤٩).. تُرى لأنهما تربيا بحسب حضارة العالم في مصر آنذاك؛ فرأى يعقوب أن الإيمان وحده هو الذي يضمن اختيارهما أن يثبتا على إيمان أبيهما وجدهما؟ ربما! إذن فالأمر يحتاج منا لإيمان يجعلنا نثق أن ما نرجوه لمستقبل أولادنا يتحقق، مع أننا قد لا نرى ذلك بالعيان في الحاضر. على أية حال إن كنا لا نستطيع أن نُرضي الله إلا بالإيمان، فلابد أن يشمل إيماننا به الثقة أن يختار أبناؤنا اليوم أو غدًا ما يرضي الله أيضًا. لكن إيماننا هذا لابد أن يُترجم عمليًا في الكيفية التي نتعامل بها مع الأبناء عندما نختلف معهم في الرأي، ونفاجأ بردود أفعال غير متوقعة منهم.

 

بداية، أرجو ألا يكون خافيًا على أحد منا أن المواجهات العنيفة مع الأبناء عند الاختلاف معهم ستدفعهم تلقائيًا لتحدي اختبار قوة إرادتهم في مواجهة السلطان الأبوي، خاصة عندما يشعرون بأن الوالدين لا يزالان يتعاملان معهم وكأنهم أطفال بعد. وفي مثل هذه الحالات تختلف ردود أفعال الأبناء بحسب طبيعة كل منهم.. فالبعض قد يتمرد علنًا، ويرفض أي نصيحة يشعر أنها تُحد من حرية اختياره. بينما يُبدي آخرون اقتناعًا ظاهريًا لما نراه أفضل لهم، وهم يحبسون داخلهم بركانًا من الرفض، الذي قد يتحول إلى شعور بالمرارة قد يبقى معهم طويلاً إذا لم يتم التعامل معه في أسرع وقت.

 

عندما كتب الرسول بولس لأهل رومية ليوصيهم: "سالموا جميع الناس" لم يستثنِ الذين نعيش معهم تحت سقف واحد! وقد مهَّد الرسول الطريق لصنع السلام بتوضيح عملي وحكيم عندما قال: "إن كان ممكنًا فحسب طاقتكم..." (رومية ١٢: ١٨).. المعنى هنا إذا كان صُنع السلام يعتمد عليك فابذل قصارى جهدك لكي تحققه.. اختر الوقت المناسب للحوار، وبطول أناة أصغِ؛ فالغضب يحرمك من فرصة أن يدرك ابنك أو ابنتك أن ما تريده هو لخيره. كما أن الانفعال يُفقد العلاقة الأبوية دفئها، ويشكك في مصداقيتها. أمّا ما يساعدنا على الاحتفاظ بهدوئنا هو اقتناعنا بأن دوافع الأبناء عادة ما تكون نقية وصادقة في مجملها، حتى وإن بدت اختياراتهم سيئة.

 

أعتقد أننا لسنا بحاجة للتأكيد على أن الحوار لا يعني إملاء الآراء بالمواعظ، والإصرار على أن يستمع الأبناء لكل ما نقول، وعندما يأتي دورهم في الحديث نصم آذاننا عما يقولون! لقد تعلمت بالصعب والسهل في حواري مع ابنيَّ أن أترك جانبًا الأمور الأقل أهمية عندما يدور نقاشنا حول اختيارات مصيرية في الحياة. في عالم البزنس نُصحنا بألا نحاول أن نصطاد أرنبين بطلقة واحدة؛ وإلا سنفقدهما معًا! الحوار الحكيم هو الذي يبدأ بإثارة أسئلة تساعد الأبناء على التفكير التحليلي في الأسباب وراء اختلافهم معنا في الرأي.. فأبناء اليوم، بخلاف ما نشأنا عليه في الماضي تعليميًا واجتماعيًا، لا يقبلون الحقائق المجردة قبل أن يحللوا الأسباب منطقيًا، ويمتحنوها من خلال معرفتهم.. وعندئذ فقط يستطيعون أن يوازنوا بين الاختيارات، ويصلوا إلى النتائج بأنفسهم. أليس هذا ما سعينا إليه كآباء عندما اخترنا لهم أفضل مدرسة وأرقى تعليم؟ فهل نناقض أنفسنا إذن برفض أسلوبهم المعاصر في التفكير والحوار؟

 

أخيرًا، الصبر والمغفرة مع صعوبتهما لا يوجد بديل لهما إذا أردنا أن نربح أبناءً يسلكون في مخافة الله.. فبقدر ما أن الأمر والنهي، أو التوسل بهدف التأثير على الأبناء، كلها أساليب لا تُجدي نفعًا في حواراتنا معهم فإن المحبة والقبول والمغفرة تضمن تأثيرات بعيدة المدى عليهم، حتى وإن لم تأتِ بثمارها في الحال. فلا تدع عدم صبرك يقودك للخصام معهم، أو تجنبهم! عندما جاء الله إلى آدم بعد السقوط وسأله: "أين أنت؟" كان الله يعرف أنه قد أخطأ بعدم طاعته هو وحواء للوصية، ولم يكن محتاجًا أن يعرف أين يوجد آدم جغرافيًا، لكنه كان يقصد بسؤاله: "أين أنت مني يا آدم؟" وفي الأغلب كان الله ينتظر آدم وحواء أن يعترفا بخطأهما، ويندما على معصيتهما، لكنهما لم يفعلا! وبالرغم من ذلك "بيَّن (الله) محبته (لهما) لنا، لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا" (رومية ٥: ٢٨). كذلك على مثال الله الآب، عندما رأى الأب ابنه من بعيد ركض ليستقبله، ولم يتردد لحظة أن يتجاوب مع بادرة الأمل أن عودته هذه تعبِّر عن تراجعه عما اختاره لنفسه في عناد عندما ترك البيت.. فركض للقائه في منتصف الطريق ليؤكد أنه لا يزال يحبه.

 

"المحبة تحتمل كل شيء، وتصدق كل شيء، وترجوه كل شيء.. المحبة لا تسقط أبدًا... أما الآن فيثبت الإيمان والرجاء والمحبة، هذه الثلاثة لكن أعظمهن المحبة." (كورنثوس الأولى ١٣: ٨أ، ١٣).. فليكن لنا إيمان يجدد فينا الرجاء لمستقبل نتمناه لأبنائنا، ولننتظر أن تثمر محبتنا في حياتهم فيثبتون في الحق.. إن الثمرة لا تسقط بعيدًا عن الشجرة!


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٣٠ سبتمبر/ أيلول ٢٠١٢)

Copyright © 2012 Focus on the Family Middle East. All rights reserved

 

 

 

 

 

 

 

 التربية المقدسة بالطول