Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

بقلم: سامي يعقوب

في عام ٣٢٥ ميلادية، وأثناء انعقاد مجمع نيقية، أصدر الإمبراطور قسطنطين أمرًا بأن يكون الصليب الرمز الرسمي للمسيحية.. ومنذ ذلك الحين لم يعد الصليب يُشير فقط إلى الطريقة التي مات بها المسيح، بل أصبح رمزًا للإيمان المسيحي المؤسس على أن الصليب لم يكن نهاية قصة، بل نقطة انطلاق لعهد جديد وأبدي يسود فيه المسيح، رئيس الحياة، الذي قام منتصرًا على الموت ليعطي حياة لكل مَنْ يؤمن به.. حياة تبدأ هنا ولا تنتهي إلى الأبد.

 

تُرى ما الذي يخطر على بالك عندما تسمع كلمة «بصخة»؟ الكلمة في اللغة الأصلية تعني «العبور»، والخلفية التاريخية لها تعود إلى يوم خلاص العبرانيين من العبودية في أرض مصر.. ففي ليلة الخروج كان على كل عائلة عبرانية أن تذبح حملاً، وتضع من دمه على عتبة وقائمتي باب بيتها؛ حتى عندما يأتي الملاك المهلك لينفذ ضربة قتل الأبكار ويرى الدم «يعبر» عنهم دون أن يمس أبناءهم بسوء. وفي ذلك اليوم أوصى الله الشعب أن يحتفلوا في كل عام بذكرى هذا «العبور»، أي «الفصح»، حتى لا ينسوا ما فعله ليخلصهم من ذل العبودية. ويحكي التقليد عن كثير من الطقوس والأنشطة العائلية التي كانت تمارس في أسبوع الفصح، الذي يقابل «أسبوع الآلام» في عهد الكنيسة، والتي من خلالها ينقل الآباء ميراث الإيمان إلى الأبناء من جيل إلى جيل.

 

في الأيام التي تسبق الفصح كانت العائلات تتخلص من أي خمير يوجد في بيوتهم؛ فالخميرة كانت تشير إلى الشر. كان الأب يقود الأبناء وهم يمسكون بشموع مُضيئة ليفتشوا أركان البيت، ويقرّبوا النور من كل ركن مظلم فيه ليتخلصوا من أي أثر للخميرة التي لا تعمل إلا في الظلام، وتفقد فاعليتها بالنور.. في إشارة لرغبتهم أن يعيّدوا الفصح بقلب خالٍ من الشر. وكانت العادة أن تبدأ وليمة الفصح بسؤال من أصغر الأبناء: "لماذا نحتفل بهذا العيد؟" فيحكي الأب كيف افتدى الله شعبه وحررهم من العبودية، ويستمر الحوار بين الأب والأبناء حول أحداث الماضي والتطلع للمستقبل.. كان خروف الفصح يؤكل مشويًا مع أعشاب مرة ليعايش الأبناء بعضًا من مرارة وذل عبودية الأجداد في الماضي. كما كانوا يتركون مكانًا خاليًا على المائدة في إشارة لانتظارهم لمجيء المسيّا المخلص، الذي لم يكن قد جاء بعد.. لم تكن تلك الممارسات مجرد طقس ديني يتممونه بشكل ميكانيكي من عام لآخر، كما لم تكن إعادة سرد لقصة الخلاص للتذكير ببركة إلهية أصبحت ذكرى تاريخية يعيّدون معها بالولائم، والملابس الجديدة، أو الاشتراك مع الجماعة في عبادة طقسية.. لقد كانت تلك التقاليد تهدف إلى معايشة تفاصيل حدث تاريخي يُتيح من خلالها الإنسان نفسه للقوة الإلهية التي صنعت الحدث قديمًا لتعمل داخله في الحاضر، وتأخذ عينيه للمستقبل فيتشجع بالرجاء عند مواجهته تحديات اليوم.

 

لم تغب عن ذهني ممارسات الشعب في القديم وأنا أحاول أن أجيب على السؤال: ماذا تعني «البصخة» بالنسبة لي؟ في هذا الأسبوع أتطلع إلى تقليد أمارسه مع عائلتي يملأ بيتي عادة بدفء روحي من نوع خاص، بينما نلتف معًا حول كلمة الله الغنية في الأناجيل الأربعة، فنقترب من شخص المسيح الحي في رحلة آلامه من دخوله أورشليم حتى الجلحثة.. حوارات أسبوع الآلام تأخذنا بعيدًا عن كل أنشطتنا المعتادة؛ فنركز فقط على ابن الله الذي مات من أجلنا، وقام من أجل تبريرنا. وتنقلنا أحاديثنا إلى «سبت النور» حيث نتذكر بروح من التعزية أحباءنا الذين سبقونا للقاء الرب المقام، فنمتلئ بالامتنان من أجل أن المسيح قد قام. وفي صباح يوم القيامة اعتدنا أن نصلي معًا طالبين من «الذي أقام المسيح من الأموات» أن يعود ويبعث في حياتنا «بروحه الذي يسكن» فينا تغييرًا به تستنير بالإيمان عيون أذهاننا لنعلم «ما هو رجاء دعوته، وما هو غنى مجد ميراثه في القديسين، وما هي عظمة قدرته الفائقة نحونا (التي تعمل لأجلنا) نحن المؤمنين، حسب عمل شدة قوته الذي عمله في المسيح؛ إذ أقامه من الأموات، وأجلسه عن يمينه في السموات.» (رومية ٨: ١١؛ أفسس ١: ١٧ـ ٢٣؛ كولوسي ٢: ١٢).

 

هناك سر خاص يصاحب ليتورجية صلوات وقراءات أسبوع الآلام.. سر يفتح القلوب وليس الآذان فقط لكلمة الله، فتفجر فينا من جديد فيض حب لشخص المسيح الحي. هذه الصلوات تقودنا لنختبر بعمق شعورًا صادقًا بالتوحد معه في شركة آلامه حتى نختبر قوة قيامته.. عندئذ فقط نستطيع أن نقبل حقيقة موته الكفاري من أجل أن يُدخلنا إلى الحياة المنتصرة معه. إن موت وقيامة المسيح ليسا مجرد حلقة في تاريخ الخلاص، لكنهما محور الارتكاز والمرساة التي تدور حولها حياتنا بأسرها.. إنهما خلاصنا ومجدنا، وجوهر ما يجمعنا معًا كمؤمنين في توحد فريد يعبّر بشكل ملموس عن حقيقة أن الكنيسة هي جسد المسيح. فصلوات هذا الأسبوع تجعل الواحد منا يكتشف أنه عضو في جسد أعظم وأكبر من حدوده الشخصية.. الكنيسة في أبهى وأمجد صورها. كما تجعلنا منفتحين لاستمرار الإحياء والتجديد الروحي في حياتنا؛ إذ نرى في طريق الآلام تجسيدًا لدعوة المسيح لنا: «إن أراد أحد أن يأتي ورائي، فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم، ويتبعني.» (لوقا ٩: ٢٣).. بهذا فقط يمكن لقوة القيامة أن تعمل فينا فتغيرنا. وكل عام وأنتم بخير.


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٢٨ إبريل/ نيسان ٢٠١٣) 

Copyright © 2013 Focus on the Family Middle East. All rights reserved  . 

 

 

 

 

 

 

 

 التربية المقدسة بالطول