Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

 

بقلمسامي يعقوب

            كتبت جريدة أمريكية معروفة في مجال الأعمال الحرة والاستثمارات عن بحث أجرته بين بعض أشهر قادة الصناعة، ورجال الأعمال الناجحين، ومديري المؤسسات الكبرى الخلاقين.. كان الغرض الرئيسي من البحث تحديد الأسباب التي ساهمت بشكل أو آخر في نجاح هؤلاء الأشخاص. ومن أكثر أسئلة البحث التي أثارت اهتمامي ثلاثة هي: «ما الذي يقود للنجاح: الذكاء الفطري أم العمل الجاد؟ ما مقدار ما يتطلبه النجاح من القدرة على التعامل مع النتائج غير المتوقعة؟ وما علاقة النجاح بالتأثر بآراء الآخرين، ومقاييس المجتمع لقيمة الأشخاص؟» وبمناسبة موسم نتيجة الثانوية العامة، وسطوة مهرجان المظالم الشهير باسم ”مكتب التتنسيق“ فكرت أن أشارك اليوم بملخص لبعض مما جاء في قائمة أسرار النجاح التي أوردتها الجريدة كنتيجة لهذا البحث؛ لعلها ترشد الآباء والأمهات لما يمكن أن يفعلوه ليدعموا أبناءهم في هذا الموسم، وكل موسم، ليربحوا معركة النجاح في الحياة.         

            النجاح يعتمد بشكل أساسي على كيفية تفكير الشخص في نفسه.. فما يظنه الأبناء في أنفسهم يحدد توجهاتهم في الحياة، وبالتالي نوعية المستقبل الذي ينتظرهم. ما رأيكم في نموذج نجاح "مريم فتح الباب"، أحد أوائل الثانوية العامة؟ لقد توقفت كثيرًا أمام كلماتها التي عبرت بها بكل ثقة عن سر تفوقها: ”أعيش مع أسرتي في غرفة واحدة، لكن كأننا عايشين فى قصر… والدي بواب وأفتخر به وسط زملائي… أسرتى شجعتنى. بابا وماما غير متعلمين، لكن تفكيرهم متحضر جدًا. إحنا فلاحين الأصل، وأفتخر بده!“ الشخصية هي المكون الأول للنجاح، وليس فقط المقدرة على التحصيل العلمي.

            الإرادة وتحدي عدم الاستسلام لا يعنيان العناد ورفض المتاح من الفرص التي قد لا تتفق مع ما نتمناه. لكن الإصرار والمثابرة لتحقيق النجاح في الحياة، بالرغم من الاضطرار لتغيير الاتجاه، هو ما يضع الأقدام على أول الطريق إلى النجاح. المثابرة قرين للنجاح، لكنها تعني ساعات طويلة من العمل والكفاح اليومي. ما الذي سنشجع أبناءنا على عمله اليوم كخطوة أولى نحو تحقيق أحلامهم للمستقبل؟ وما الذي سننصحهم بالامتناع عن عمله حتى لا يعطلهم عن الوصول لما يريدونه لحياتهم؟ الإجابة على هذين السؤالين لن تعني شيئًا لأبنائنا إذا جاءتهم في حصة إملاء منزلية.. أما الحوار الهادىء هو الذي يولد داخلهم الحافز والشجاعة ليُقبلوا بحماس على دراسة لم تكن من اختيارهم، ويعدهم لإنجاز ربما لم يظنوا في أنفسهم إمكانية تحقيقه.

التربية المقدسة ٢

            ما يؤهل الشخص لكسب معركة النجاح في الحياة هو تطويره واستخدامه للقدرات والمواهب الشخصية المتعددة التي أودعها الخالق فيه. التحصيل الدراسي، وإحراز الدرجات العلمية يتأثران بعدة عوامل، أغلبها لا علاقة له بالذكاء الفطري، أو قدرة الشخص على التفكير المنطقي الذي يعبر الفجوة بين المعلومات النظرية والواقع العملي للحياة اليومية. الدراسة، أيًا كان نوعيتها، تؤهل الأبناء ذهنيًا ليبدأوا في تعلم ما يمكن أن يصنع النجاح في الحياة. في الواقع، ما يتعلمه الشخص بعد انتهاء سنوات الدراسة الرسمية، وخارج الالتزام بالحصول على الشهادة، هو ما يصنع فرقًا في حياته، ويحدد مقدار ما ينجزه من نجاح.

            ليس نهاية الدنيا أن نفشل مرة ومرات.. الفشل الحقيقي أن نسقط ولا نحاول أن نقوم.. أن نسمح لما حدث بالأمس أن يعوقنا من أن نحاول من جديد اليوم. مَنْ لم يختبر الفشل يعني أنه لم يحاول بعد! الفاشلون فقط هم مَنْ يعتقدون أن النجاح مبني على الحظ، وهم الذين يلومون الظروف ولا يعرفون كيف يصنعون شرابًا حلوًا من ليمونة لاذعة الطعم. الناجحون يعرفون أنه لا سبيل للخروج من أي نفق مظلم قد ندخل فيه بأنفسنا، أو قد تقودنا إليه الظروف، إلا بالتقدم للأمام.. وهم الذين يؤمنون بأن الحياة لا يوجد بها حدود سوى تلك التي نضعها لأنفسنا.. ”الناجح في الحياة هو مَنْ يسعى للبحث عن الظروف التي يريدها، وإن لم يجدها يصنعها بنفسه.“ (جورج برنارد شو- المؤلف الأيرلندي الشهير).

            ابنك أو ابنتك لم يحقق النتيجة التي كنت تتمناها له أو لها؟! مبروك، هذه فرصة ذهبية لكي تأخذ بيده وتدعمه ليستكشف طرقًا جديدة للنجاح في الحياة خارج نظام التعليم العقيم، الذي يخرط العقول بلا تمييز بقالب واحد على مقاس شباك مكتب التنسيق! لقد أثبتت الأيام أن الفشل في الدراسة يمكن أن يكون خطوة أولى نحو النجاح في المستقبل.. الكثيرون ممَنْ هم في قمة النجاح اليوم، أو الذين يحكي التاريخ عن نجاحاتهم، قد حققوا ذلك من خلال تطوير مقدرتهم على التعامل مع العقبات في كل مرة أخفقوا فيها. وبالرغم من رأي الناس فيهم، وتعرضهم للظلم مرات، إلا أن أحد أسرار صمودهم كان في وجود شخص أو أكثر حولهم أعاد بالقبول والتشجيع تأهيلهم للجولة الثانية؛ فعبروا النفق المظلم للإخفاق، وحققوا نجاحًا أعظم من المتوقع.

            ما أعجب حكمة الله في أن يستخدم ما نراه نحن فشلاً لكي يصنع شخصيات أبنائنا، ويصيغ مستقبلهم بحسب حكمة مقاصده الإلهية المُحبة.. «أنا أعرف ما نويت لكم من خير لا من شر، فيكون لكم الغد الذي ترجون. فتدعونني وتجيئون وتُصلون إليَّ فأستمع لكم، وتطلبونني فتجدونني إذا طلبتموني بكل قلوبكم.» (إرميا ٢٩ : ١١ - ١٣ الترجمة العربية المشتركة).


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٣٠ يوليو/ تموز ٢٠١٧)

Copyright © 2017 Focus on the Family Middle East. All rights reserved.

 

 

 

 

 

 

 

 التربية المقدسة بالطول