Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

 

من عام الى اخر inside

بقلم: سامي يعقوب

       من التقاليد الأسرية التي نتمتع بممارستها في الأسبوع الأول من السنة الجديدة أن نجتمع كعائلة ونراجع كيف شكَّل الله حياتنا خلال الـسنة الماضية.. فنذكر مدى محبته لنا، وفعالية عمله في حياتنا؛ فيتجدد إيماننا وإدراكنا لواقع وجوده في حياتنا! ولعل هذا التقليد الأسري الذي توارثناه عن آبائنا نابع من الوصية: «انتبهوا، وانتبهوا جدًا لئلا تنسوا الأمور التي رأتها عيونُكُم، لا تدعوها تزول من قلوبِكُم كل أيام حياتكم، بل علِّموها لبنيكم وبني بنيكم.» (تثنية ٤: ٩ -الترجمة العربية المشتركة).

       أيًا كانت أعمارنا، أو حالتنا الروحية، نحن جميعًا في حاجة إلى وقفة للتفكير في مسيرة حياتنا. من السهل أن تنقضي أيامنا مزدحمة بالأعمال والمسؤوليات دون أن نتوقف مرة لنفكر إلى أين نحن ذاهبون، وإلى أين كان يجب أن نذهب.. أين كنا في بداية العام الذي غابت للتو شمسه، وأين أصبحنا اليوم. من هنا يمكن أن يقودنا الله لنعرف ما يريدنا أن نغيره في حياتنا خلال العام القادم!

       في أيام حجي النبي، عندما أصبحت حياة الشعب تتمحور حول ذواتهم، وقد انشغلوا فقط بتدبير أمور بيوتهم مهملين علاقتهم مع الله، جاءتهم الرسالة: «هذا ما يقول الرب القدير: تأملوا في قلوبكم أين أوصلتكم طُرقكم.. زرعتم كثيرًا وحصدتم قليلاً، تأكلون ولا تشبعون، تشربون ولا ترتوون، تكتسون ولا تدفأون، والذي يأخذ أجرة يُلقيها في كيس مثقوببهذه الكلمات حاول النبي أن يحث الشعب على التفكير في أولويات حياتهم، وتقييم علاقتهم مع الله في ضوء ما يقوله لهم.

       بداية عام جديد فرصة مثالية لنقف أمام السؤال: «أين أوصلتنا طُرقنا؟» لعلنا نكتشف ما يحتاج للتغيير في حياتنا قبل أن نفقد بركات الحصاد والشبع.. الارتواء والدفء.. قبل أن تضيع بركة الرب التي تُغني ولا يزيد معها تعب. نحن لا يمكننا العودة للماضي لتغيير الطريقة التي عشنا بها حياتنا، ولكن يمكننا البدء من حيث نحن الآن حتى نغير النهاية. إن أروع ما في الوقت هو أننا لا يمكن أن نفقده أو نهدره مُسبقًا.. العام المقبل، الأسبوع القادم، غدًا، والساعة التالية كلها لا تزال متاحة، ولم تَضِع بعد. اليوم أمامك فرصة مثالية لتفتح صفحة جديدة في علاقتك مع الله بتوبة من قلب صادق، وتصلح علاقة فسدت مع شريك حياتك، أبنائك، قريب أو صديق لك، بسبب الإهمال، قساوة القلب، أو الأنانية. تُرى هل تشتاق أن تعمل قوة الله في حياتك لتغيرك، قبل أن تمر الأيام سريعًا، وتفنى السنون كالسراب؟

       عبارة «قوة الله» جاءت حوالي مائة مرة في العهد الجديد لتصف أقوى مصدر للقوة في الكون. قوة الله هي التي جعلت الأعمى يبصر، والأعرج يمشي.. هي التي طهرت البُرص وحررت المأسورين من عبودية إبليس.. قوة الله هي التي أقامت يسوع المسيح من الموت. إنها القوة التي يمكن أن تغيرنا اليوم، وتحولنا إلى الأشخاص الذين يريدنا الله أن نكون. كلمة «قوة» في اللغة اليونانية للعهد الجديد تأتي منها كلمة "ديناميت".. القوة المفجرة، التي عندما اختبرها الرسول بولس كتب يقول: «لأعرفه، وقوة قيامته، وشركة آلامه» (فيلبي ٣: ١٠).. أي أن كل ما أريده هو أن أعرف المسيح، وأختبر القوة التي أقامته للحياة. إن نفس القوة التي أقامت ربنا من الموت منذ ألفي عام متاحة لنا الآن لتغيرنا إذا سمحنا لها أن تعمل فينا، والوعد بالتغيير لا يزال متاحًا: «إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة: الأشياء العتيقة قد مضت؛ هوذا الكل قد صار جديدًا» (٢ كورنثوس ٥: ١٧). إن قيمة هذه الكلمات ليس في عمق معناها وقوة تأثيرها فقط، بل وفي حقيقة أن يكون التغيير للأفضل هدف حياتك في الأيام المقبلة.

       تحكي أسطورة أن الخالق عندما خلق الناس أعطاهم قدرة على التواصل والتفكير، وأسكنهم في وادي خصيب عند سفح بعض الجبال، كما وعدهم بطول العمر، ثم بدأ يراقب كيف سيطورون أنفسهم. ومضى الوقت ولم يتطور الناس كما أراد هو لهم.. لم يحاولوا الذهاب إلى أبعد من حدود قريتهم، لم يتسلقوا الجبال، كما لم يفكروا أن يرفعوا أعينهم إلى السماء من فوقهم. وتَقدَّم بهم العمر وهم على حالهم بدون أي تغيير!

       نظر الخالق إلى حال الناس وقرر أن يتدخل ويفعل شيئًا ليغيرهم. فتَنازل من عُلاه، وأخذ صورة رجل، وجاءهم كمسافر! وقبل غروب الشمس، تجمَّع الناس في ميدان قريتهم حول المسافر ليتحدثوا معه. أما هو فراح يصف لهم الحياة فيما وراء الأفق، وسألهم: "تحبوا تيجوا معايا نروح نشوف الحياة هناك؟" فأجابوه بنبرة من اليأس: "لقد تأخر الوقت، وكبرنا.." فقال لهم: "تعالوا نطلع فوق الجبال نشوف العالم من فوق!" أُعجبوا بدعوته، ولكنهم اعتذروا: "يا خسارة راحت علينا.. ما فيناش قوة نطلع معاك!"

       لم ييأس المسافر، واقترح عليهم أن ينظروا إلى أعلى، فيحكي لهم عن الحياة في مملكة السماء! لكنهم اعتذروا مرة أخرى، وقالوا: "ما ينفعش؛ لأننا مش هانفهم إللي هاتقوله.." حَزن المسافر، لكنه قرر أن يُفرحهم، وقال لهم: "ياللا بينا نرنم!" لكن الناس لاحظوا أن الشمس بدأت تغيب؛ فردُّوا عليه: "الوقت اتأخر، وإحنا لازم نروح ننام"، وتركوه واقفًا وحده في الميدان، ورجعوا إلى أكواخهم!

       نادى المسافر بأعلى صوته: "يا ناس.. مادامت الحياة مستمرة عمر ما الوقت يكون اتأخر أو فات عشان تتغيروا!" لكن لم يتجاوب أحد مع صوته! في ذلك الوقت، قرر الخالق أن ينزع من القاموس الكلمات التي تحد من قدرة البشر على التغيير: ”ما ينفعش، صعب، مستحيل، متأخر، مش أوانه، بعيد، عالي، مش مفهومووضع الأبدية في قلب الإنسان لكي يعرف أن عمل الله في الحياة له بداية لكنه بلا نهاية. تُرى هل سيكون لدى الناس بعد ذلك استعداد للتغيير؟ هل سيتحمَّسون لصعود الجبال معه في اليوم الجديد؟


 

(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٣ يناير ٢٠٢١)

 

Copyright © 2021 Focus on the Family Middle East. All rights reserved

 

 

 

 

 

 

 

 

 التربية المقدسة بالطول