Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

 اصطادوا الثعالب ٢ inside

 

بقلم: سامي يعقوب

المزيد من هذه السلسلة:

"اصطادوا الثعالب" ١         "اصطادوا الثعالب" ٢        "اصطادوا الثعالب" ٣       "اصطادوا الثعالب" ٤       

"اصطادوا الثعالب" ٥         "اصطاوا الثعالب" ٦          "اصطاوا الثعالب" ٧

 

نستكمل حديثنا في المرة السابقة عن الثعالب التي قد تتسلل إلى زواجك. لا أعرف إن كان ثعلبًا صغيرًا أو كبيرًا، ربما دخل إلى حياتك صغيرًا وأصبح الآن كبيرًا.. في كل الأحوال أعلم أنه من أمكر الثعالب التي تفسد كرم الزواج! إنه ثعلب «الميديا الإباحية» أو «البورنو» الذي يدمر حياة الكثيرين.

أعترف مقدمًا أن الحديث في هذا الموضوع شائك ومحرج؛ لذلك يتجنب الكثيرون الحديث عنه.. ربما يسهل مناقشته إذا جاء تحت عنوان ”الشهوات الشبابية“؛ أما إذا كان الحديث عنه مع متزوجين عبروا مرحلة صراع الشهوة الجنسية للمراهقين، وتخطوا فترة الاشتياق إلى الارتباط مع حبيب من الجنس الآخر بالزواج، فهذا ما يدخلنا في الحرج! لذلك لا يمكن أن يكون الحديث عن تأثير »الميديا الإباحية« على الحياة الزوجية رقيقًا أو ودودًا.. فالأمر يتطلب قدرًا كبيرًا من الصراحة والشجاعة اللتين تُمكنان الواحد منا أن يقف في مواجهة صادقة مع نفسه ليجيب على السؤال: "هل أفسد ثعلب البورنو زواجي، فأصبح في خطر؟" وإذا كانت إجابتك ”نعم“.. فالسؤال الأهم كيف تطرده من كرمك، وترمم كل فتحة -ولو كانت صغيرة- في جدار بيتك، لتبدأ من جديد في اختبار حلاوة الحياة النقية مع مَنْ اخترت أن يكون شريك حياتك بالزواج؟

هل لدى المؤمن مناعة تلقائية ضد «الميديا الإباحية»؟ الإجابة واضحة.. بالطبع "لا". «مَنْ يظن أنه قائم، فلينظر (فليحذر) أن لا يسقط» (١كورنثوس ١٠ :١٢).. ولا استثناء من هذا التحذير الرسولي سواء لعمر الشخص، نوع جنسه، أو حتى موقعه في الخدمة بالكنيسة. ما نقرأه عن انتشار إدمان البورنو بين المتزوجين في الغرب مخجل ومؤسف للغاية.. ولعل الحال في بلادنا أسوأ؛ نظرًا لطبيعة المجتمع الذي يتعامل مع كل ما يتعلق بالجنس بمعزل عن الواقع، ويسوده الاعتقاد بأن الجنس غريزة حيوانية لا تشبع، مع أنه عطية إلهية رائعة قُصد بها السمو بإنسانية آدم وحواء إلى أقصى درجات الرُقي في التوحد مع الآخر، والإحساس به، وليس استخدامه لإزالة اضطراب عضوي.

الميديا الإباحية «خطية».. هذا ليس تزمتًا دينيًا، بل تسمية الأشياء بحقيقتها. كتب أحد الآباء في وصفه لنتائج الخطية يقول: ”في كل مرة نختار أن نُخطىء يموت شيء داخلنا!“ والذي يموت تدريجيًا مع البورنو هو الإحساس بقذارة ما يقدمه، وتأثيره المدمر على العلاقة الزوجية. ومن العجيب أن نجد من ينكر هذا التأثير بتعليلات غير منطقية أو علمية! إن نسبة ليست بقليلة من حالات الطلاق لها علاقة مباشرة بإدمان البورنو، أو بتواصل أحد الزوجين مع طرف غريب يقدم وهمًا بإشباع عاطفي أو جنسي من خلال الإنترنت.

الزواج يُبنى على الثقة المتبادلة بين الزوجين، والبورنو يحطم هذه الثقة.. كيف؟ ما عليك إلا أن تسأل زوجة عما تشعر به إذا اكتشفت أن رجلها يداوم على مشاهدته. ستسمعها تقول: ”إنه يأتي بنساء غريبات إلى فراش الزوجية!“ وسواء أقر الزوج بصحة هذا الكلام أم لا فهي على حق، وما يفعله هو خيانة. البورنو يُظهر أجسام مَنْ يؤدونه من نساء ورجال في قمة الكمال والجمال، مع أن هذا لا يعبر عن الحقيقة في شيء.. إنه تأثير الأضواء، والمكياج، وزوايا التصوير، بالإضافة إلى استخدام برامج الكمبيوتر لتحسين الأشكال إلكترونيًا. المشكلة هنا هي المقارنة بين ما يُرى على الشاشة والصفات الجسدية لشريك الحياة.. والنتيجة أن يشعر الشخص دائمًا بأنه يفتقد شيئًا ما في علاقته مع الآخر، بدلاً من أن يشعر بالامتنان لأجل شخصه وشخصيته، محبته وولائه.. وهذا أيضًا نوع من الخيانة يهز الثقة بالنفس، ويُولد الإحساس بالدونية.

«البورنو» يخلق توقعات غير مقبولة أو واقعية بين الزوجين. لعله ليس خافيًا أن كل ما يعرض في الأفلام الجنسية غير حقيقي.. فهي مجرد أفلام لها مُخرج ومنتج يسعيان لتحقيق مكاسب مادية هائلة من خلال التجارة بأجساد ممثلين يؤدون أدوارهم مقابل أجر. والمعروف أن أغلب نساء البورنو أُجبرن في سن صغيرة ضد رغبتهن على دخول هذه الصناعة المهينة.. كما لا يوجد من بينهن واحدة لا تتعاطى المخدرات، في محاولة يائسة للتغلب على الآلام الجسدية والعاطفية لتصويرها كسلعة دون أي اعتبار لإنسانيتها.. وهذا ما يفسر ارتفاع نسبة الانتحار بين ممثلي وممثلات البورنو.

متابعة الميديا الإباحية تُمارَس عادةً في سرية؛ فالطرف الذي يجد متعة في مشاهدتها لا يريد أن يعرف شريك حياته شيئًا عن عادته هذه؛ مما يؤدي إلى برود الحميمية بين الزوجين تدريجيًا.. والأسوأ من هذا هو الشعور بالخزي بعد كل مشاهدة. فالشيطان يغرينا لنلجأ إلى البورنو كمخرج من شعورنا بالإحباط أو الخوف، ثم يعود ليعايرنا بضعفنا وهزيمتنا. عندئذ نعود فنشعر بعدم الرضا عن حياتنا، فنهرب من مشاعر الإحباط إلى البورنو، وعندما نرى أن الحياة بلا قيمة نعود من جديد لنشرب من نفس البئر المُرة. البورنو لا يُشبع أبدًا، فهو صناعة تزدهر على حساب زبائن لا يعرفون الاكتفاء.

البورنو له قوة إدمان المخدرات؛ فهو يستثير مركز المتعة في المخ مثلما يفعل الهيروين. إن قوة البورنو تكمن في الشهوة، والشهوة لا ترتبط بالجمال أو الجاذبية بل بالتعطش "للمختلف". والخدعة هنا هو الظن بأن "المختلف" سيطفئ الظمأ ويشبع جوع الشهوة، لكن بالطبع ما أن يجرب الشخص هذا "المختلف" سيعطش إلى "مختلف" آخر، ويستمر الأمر هكذا بلا نهاية.

تُرى كيف ننجو من هذا المستنقع الزلق؟ الإجابة ليست سهلة؛ فلا سبيل للنجاة سوى بطرد هذا الثعلب من حياتك.. كيف؟ هذا ما سأشارك عنه في المرات القادمة. وحتى نلتقي اسمح لكلمات الروح القدس على فم القديس بطرس أن تلمس قلبك، وتجدد عزيمتك للنجاة: «تواضعوا تحت يد الله القوية لكي يرفعكم في حينه. ملقين كل همكم عليه؛ لأنه هو يعتني بكم. اصحوا واسهروا (تيقظوا)، لأن إبليس خصمكم كأسد زائر، يجول ملتمسا من يبتلعه هو. فقاوموه، راسخين في الإيمان، عالمين أن نفس هذه الآلام تُجرى على إخوتكم الذين في العالم. وإله كل نعمة الذي دعانا إلى مجده الأبدي في المسيح يسوع، بعدما تألمتم يسيرا، هو يكملكم، ويثبتكم، ويقويكم، ويمكنكم.. له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين. آمين.» (١ بطرس ٥: ٦ - ١١).


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ١٧ يونيو/ حزيران ٢٠١٨)

Copyright © 2018 Focus on the Family Middle East. All rights reserved.