Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

بقلم: سامي يعقوب

للمزيد من هذه السلسلة:

في مدرسة الزواج ١            في مدرسة الزواج ٢         في مدرسة الزواج ٣      في مدرسة الزواج ٤

في مدرسة الزواج ٥         في مدرسة الزواج ٦         في مدرسة الزواج ٧


      الأمم يمكن أن تنهض بثبات الزواج واستقرار الأسر، أو تنهار بالطلاق والانفصال.. من هذا المنطلق الحضاري طالب الرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة إصدار تشريع يحد من الطلاق الشفوي. وقد جاءت هذه المطالبة الاستراتيجية بعد زيادة حالات الطلاق في مصر في السنوات الأخيرة بشكل غير مسبوق لترتفع من ٧٪ إلى ٤٠٪ في الخمسين عامًا الأخيرة؛ مما جعل مصر تحتل المرتبة الأولى عالميًا في معدلات الطلاق، بحسب تقرير حديث لمركز معلومات مجلس الوزراء!

 

      لا يمكن لمهتم بأمور الأسرة في ضوء هذا الحراك الوطني لحمايتها إلا أن يتساءل عن معدلات الطلاق بين المسيحيين، بالرغم من أن كلمة الله وتعاليم الكنيسة توصي بدوام الزواج حتى يفصل الموت بين الزوجين. تمنيت أن تكون الإجابة على هذا التساؤل هي أن النسبة أقل من المعدلات السائدة، لكني أظن مع الأسف أن هذا غير صحيح! فالطلاق بالالتفاف حول القوانين الكنسيّة والمدنية أصبح متاحًا؛ مما جعله الاختيار الأسهل عند البعض للخروج من وضع متأزم في زواجهم! والملفت للنظر بحسب شهادة العاملين في المشورة الأسرية هو تزايد نسبة الطلاق خلال السنين الأولى من العلاقة، والأغرب من ذلك أن الكثير من هذه الحالات ينتج عن خلافات بسيطة بين الزوجين (أو قل العروسين)! فكيف يمكننا أن نحافظ على زواجنا، وندعم أبناءنا ليدوم زواجهم؟

 

      بالطبع لا يُقبل أحد على الزواج وفي ذهنه الطلاق أو الانفصال. لكن نتيجة لغياب التحضير الواعي، العملي، والكتابي للمخطوبين قبل الزواج؛ يدخل الكثيرون إلى هذه العلاقة بدون معرفة لما تتطلبه من كل منهما.. وبينما يفتقدون مهارات الحياة المشتركة تصبح الاختلافات الصغيرة فجأة كبيرة! ويستنفذ صراع عدم القبول والتوقعات غير المنطقية طاقة الزوجين، فيحرمان أنفسهما من فرصة البناء التدريجي لحياتهما كأسرة، واستمرار علاقتهما حتى آخر العمر.

      التخلي عن الأنانية في مقدمة الأشياء التي تعلمتها في مدرسة الزواج؛ فهو الذي أعطى لبقائنا معًا بعدًا أعمق وأروع من مجرد السُكنى تحت سقف واحد. أتقابل من وقت لآخر مع أشخاص يقولون إنهم اكتشفوا بعد زواجهم أنهم لا يحصلون منه بقدر ما يشعرون أنهم يضعون فيه! وعلى مثال إمساك دفاتر القيود اليومية في حساب الشركات، يحسبون بتدقيق ماذا يعطي شريك الحياة، وكيف يعطي، وبأي مقدار يعطي.. ولا يتحدثون عما يعطونه هم!

 

      الورطة أن أغلب الناس يعتقدون في أسطورة «صندوق عجائب الزواج».. فيتوقعون أنه مملوء بكل الأشياء التي كانوا يشتاقون للحصول عليها في أيام العزوبية: الرفقة الجميلة دائمًا، العلاقة الحميمة المشبعة، التفاهم والانسجام بلا حدود، التمتع بالراحة بأقل مجهود، وما إلى ذلك من الأمنيات الأخرى للحالمين بالسعادة بدون منغصات في الزواج! لكن على العكس من هذا الاعتقاد، ثبت أن الزواج، كل زواج، يبدأ عادة بصندوق فارغ، ولابد لكلا الزوجين أن يضعا فيه شيئًا قبل أن يمكن للواحد منهما أن يأخذ منه أي شيء! فالحب ليس في عقد الزواج، لكنه في الزوجين، وهما اللذان يضعان الحب في الصندوق. المشاعر الرومانسية لا توجد في ورقة مكتوبة، بل على شريكي الحياة أن يضخا هذه المشاعر يوميا في زواجهما.. العطاء بحب، والخدمة بتواضع، والمديح بصدق هي الأشياء التي تجعل صندوق الزواج ممتلئًا. أما إذا أخذت من الصندوق أكثر مما تضع فيه، ستكتشف بعد قليل أن صندوق زواجك فارغ!

 

      ممارسة أخرى لها تأثير عظيم في حياتي تعلمتها في مدرسة الزواج، فخلقت تواصلاً فعالاً مع زوجتي، وقربتنا إلى الرب لنتمتع بحضوره في حياتنا.. ألا وهي الصلاة يوميًا معًا. بينما نصلي اعتدنا ألا نخجل من التضرع لأجل بعضنا البعض.. فكأبناء لله نتواضع أمامه، ونطلب أن يمنحنا الصحة، ويحفظنا من شرور الأيام، ويحمينا من أي اختيارات لا تتفق مع إرادته لحياتنا، أو تلك التي لا تمجد اسمه، وأن يرزقنا في أعمالنا ليسدد احتياجاتنا، ويعيننا أن نفي بالتزاماتنا. لقد بدأنا نصلي من أجل ابنينا منذ حملت بهما زوجتي.. صلينا، ولانزال، من أجل علاقتهما الاختبارية مع الله، ومستقبلهما، وزواجهما، وكل اختياراتهما. واليوم عندما ننظر للوراء لنراجع السنين التي مضت نرى رصيد بركة هذه الممارسة.. فنشكر الله على كل ما طلبناه منه فأعطاه لنا، ونشكره أيضًا على ما لم يُعطه، لإدراكنا أنه لوأعطانا كل ما طلبنا لكنا أتعس زوجين في الحياة. الأسر التي تصلي معًا، تبقى معًا! لكن حياة الصلاة هذه لم تعفنا من المسؤوليات الأخرى للعلاقة.. فهناك ممارسة أخرى بدونها ربما ما استطعنا أن نبقى معًا.

 

      لقد تعلمت أنه يسهل علي الاعتذار والاعتراف بالخطأ بمحبة لزوجتي ما دامت الشمس لم تغرب على اختلافنا! ولعلي مدين لها بتعلم هذه الممارسة، التي حفظت بلا شك زواجنا.. فهي بطبيعتها لا تخلط بين المواقف، كما لا تخزنها حتى تنفجر مرة واحدة. أضحك كثيرًا عندما أتذكر كيف كنت في السنين الأولى من زواجي أمتلىء بالغضب بعد كل مناقشة حامية نختلف فيها حول أمر ما.. وبينما كنت أجلس مقتضبًا في غرفة المعيشة، يقاطع استغراقي في أفكاري المشتعلة صوت ودود يأتي من المطبخ يقول: ”سامي.. تشرب شاي!“ ”أشرب شاي؟! الست دي بتفكر إزاي؟!“ لكن هذا التصرف التلقائي من زوجتي علمني كيف أطوي صفحة غضبي لأبدأ معها حوارًا خاليًا من هياج المشاعر حول ما اختلفنا فيه، بينما نشرب كوبًا من شاي «التموين»! لقد علمتني زوجتي أن الحب الحقيقي هو الالتزام غير المشروط لاستمرار العلاقة مع شريك حياة غير كامل!

 

      تذكرت جزءًا ملهمًا من أقوال سليمان الحكيم، وحاولت أن أقرأه في ضوء ما نسمعه هذه الأيام من تقارير مفزعة عن زيادة معدلات الطلاق: «الحماسة (الإسراع بالزواج) بلا معرفة لا خير فيها، ومن عجَّل في السير (أو في الانفصال عن شريك حياته) زلت قدماه.. حماقة الإنسان (عدم التزامه بعهد زواجه) تتقدمه في طريقه (تدمر بقية حياته)، وهو في قلبه يحنق على الرب (يلومه وكأنه السبب في تعاسته)» (أمثال ١٩ : ٢ و٣ الترجمة العربية المشتركة).. وإلى بقية الحديث في المرات القادمة.


 (نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٢٩ يناير/ كانون الثاني ٢٠١٧)

Copyright © 2017 Focus on the Family Middle East. All rights reserved.