Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

اضطراب ما بعد الصدمة

 

في العشرين من أبريل عام ١٩٩٩، بدأ طالبان يرتدي كل منهما معطفًا طويلاً في إطلاق النار على زملائهم في الفصل بمدرسة ثانوية في كلورادو. ولم يستغرق الأمر أكثر من بضع دقائق حتى قتلا ١٣ شخصًا، وبعد ٢٥ دقيقة قتلا أنفسهما.

كانت ﭼوني ديبرتو، الإخصائية الاجتماعية والمعالجة النفسية في مجال الزواج والأسرة، من أوائل مَن تعاملوا في ذلك اليوم مع الفوضى في أعقاب هذا الحادث المؤلم كأحد أعضاء فريق الصليب الأحمر للصحة النفسية والكوارث. كانت ديبرتو في موقع في مدرسة ابتدائية قريبة لمساعدة الطلاب الذين تم إنقاذهم من مذبحة المدرسة الثانوية. وبمجرد وصولهم كانوا يجيبون على أسئلة تختص بإطلاق النار، ثم يُسلَّمون إلى ذويهم.

تتذكر ديبرتو الآتي: "كان عدد كبير من الأطفال في حالة واضحة من الهزة العنيفة، لكنهم بدوا في حالة طبيعية من الصدمة التي استراحت بدرجة كبيرة بمجرد ما أن وقعت أعينهم على أفراد عائلاتهم. لكن إحدى الفتيات كانت في حالة هستيرية، وكنا متحيرين حول رد فعلها؛ لأنه كان مختلفًا تمامًا عن الآخرين."

جلست ديبرتو ومتخصص آخر في الصحة النفسية مع الفتاة المراهقة، وأمسكا بيدها، وبهدوء سألاها؛ لأن الشرطة كانت قد طلبت منهما جمع أكبر قدر من المعلومات عما رآه الطلبة و سمعوه. وبينما تحدثا مع الطالبة، عرفا أنها في الشهور الستىة الماضية قد سقط والد هذه الفتاة في الكنيسة بسبب أزمة قلبية، وقد أصيبت والدتها إصابة شديدة في البيت، وقد أُطلق النار على أخيها في عمله. وبينما كانت تتحدث، أومأ بعض زملائها برؤوسهم كما لو كانوا يؤكدون مصداقية ما تقوله.

قالت الفتاة وهي تتنفس بصعوبة وفي حالة بكاء هستيري: "لا أمان في أي مكان. لا أستطيع الذهاب إلى أي مكان وأجد الأمان فيه. الكنيسة غير آمنة، البيت غير آمن، العمل غير آمن، والآن المدرسة غير آمنة. أين أذهب لأجد الأمان؟"

ومنذ حدوث هذه الأمور، والفتاة تجد صعوبة في النوم، وتتعرض للكوابيس، وتقضي معظم وقتها في غرفتها بحيث تتجنّب أي شيء قد يهدد حياتها. أدركت ديبرتو والمتخصصون الآخرون أن هذه السلوكيات هي أعراض ما يُسمى باضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).

في كل يوم تحدث أمور على النطاق المحلي والعالمي تهدد صحة وسلامة البشر. الكوارث الطبيعية، حوادث السيارات، الإيذاء الجنسي والبدني، وجرائم العنف، كلها أمثلة لما نصفه بالأحداث الصادمة. لكن ليس كل حدث صادم يسبب اضطرابًا نفسيًا. معظم الناس بوسعهم اجتياز الظروف التي تهدد حياتهم وأمانهم، أو تهدد حياة شخص آخر وأمانه، حتى وإن تركتهم هذه الخبرات وهم يشعرون بالضعف أو الخوف.. هذا ما يسميه المتخصصون في الكوارث بالمتانة النفسية (resiliency): وهي القدرة على استعادة استقرارك النفسي والعاطفي بعد أن يهتز اتزانك بسبب حدث عصيب.

 

 

For Titlesما هو اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD

ببساطة اضطراب ما بعد الصدمة هو:

اضطراب: يكون الضغط أو التوتر شديدًا بدرجة كافية لإحداث اضطراب أو عدم انتظام في الروتين اليومي وحياة الشخص.

ما بعد: يحدث بعد الحدث أو انتهاء الموقف.

الصدمة: الحادثة المهددة للحياة تسبب صدمة، وهذه الصدمة تسبب الضغط أو التوتر الذي يُحدث الاضطراب.

أعراض اضطراب ما بعد الصدمة:

  • معاودة الشعور بالحدث الصادم من خلال الأفكار الدخيلة، واسترجاع الملابسات، والكوابيس.
  • تجنب الأفكار والمشاعر والأشياء التي تُذكر بالحدث الصادم.
  • يصبح تفكيرك سلبيًا أكثر فأكثر تجاه الحدث الصادم مع مرور الوقت.
  • ارتفاع مستوى التوتر، أو العدوانية، أو التدمير الذاتي، أو السلوك المتهور، أو ضعف التركيز، أو اضطراب النوم.

 

 

For Titlesما هو التأثير؟

الطفل الذي يعاني من الصدمة ينتكس من جهة المهارات التي كان قد تعلمها بالفعل. على سبيل المثال، الطفل الذي حقق نجاحًا في التدريب على استعمال التواليت قد ينتكس ويبلل فراشه ليلاً. أمّا التأثير على المراهقين فقد يظهر في سلوكياتهم: فقد يتصرفون كفوضويين، وهدامين، وغير محترمين. هذه السلوكيات قد توتر العلاقة بينك وبين طفلك.

ولكن لأننا قد لا نعي كل الأحداث الصادمة التي قد يتعرض لها أطفالنا، قد لا ندرك أن هذه التغيرات السلوكية مرتبطة بأزمة ما في حياتهم. على سبيل المثال، قد لا يتحدث الأطفال عن حادثة اعتداء جنسي أو تنمر، خوفًا من احتمالية أن تتجاوب معهم بغضب أو بطريقة محرجة بالنسبة لهم. وبالتالي إذا أظهر طفلك بعض السلوكيات غير اللائقة، اقضِ وقتًا لتسأل بعض الأسئلة. كوالدين، عادة ما نتفاعل بوضع حدود للسلوك غير اللائق، الأمر الذي سيؤدي على الأرجح إلى أن يصبح أبناؤنا المراهقون أكثر عزلة في وقت يحتاجون فيه إلى التواصل مع الآخرين احتياجًا ماسًا.

قد يرتبك الأطفال بسبب التغيرات في سلوكهم. وما لا يعرفونه هو أن التعرض للحدث الصادم يغيّر بالفعل التركيب التشريحي والفسيولوﭼـي لأدمغتهم بطريقة غير طبيعية بالنسبة لأعمارهم. عندما يختل التركيب التشريحي والكيميائي للمخ ويتغيّر نتيجة الصدمة، فإن ذاكرة طفلك وقدرته على التأقلم مع التوتر يختلان أيضًا؛ وبسبب هذا يكتسب الطفل طرقًا جديدة وغير نافعة للتأقلم مع آثار الصدمة.

هكذا يُترك طفلك مع تغيرات خطيرة في المخ بسبب الصدمة. فإذا شعر بالعزلة، قد يقوده هذا إلى الشعور بالخوف والارتباك والوحدة. في هذه المرحلة، قد يبدو الإيذاء الذاتي أو التفكير في الانتحار اختيارًا مقبولاً ومعقولاً بالنسبة له، لأنهما يمثلان طريقة للتأقلم والهروب من ألم الموقف.

 

 

For Titlesإجراءات يمكنك اتخاذها

الأطفال والآباء والأمهات الذين تعرضوا لاضطراب ما بعد الصدمة يمكن أن يبدأوا في معالجة بعض المشكلات باتباع هذه الخطوات:

  • اتصل بإخصائي نفسي معتمد لديه دراية وخبرة في معالجة الأشخاص الذين تعرضوا لصدمات، ويعرف كيف يدير ويتعامل مع أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، ويساعدك على اكتساب مهارات سوية للتأقلم.
  • إذا لم تستطع تحمل نفقات مساعدة أحد المعالجين، ابحث عن مجموعة مساندة في مدرسة طفلك، أو في الكنيسة، أو أحد المراكز الحكومية.
  • كُن داعمًا، ومتعاطفًا، ومراعيًا. دَع طفلك يعبّر بصراحة عن أفكاره ومشاعره وعواطفه المتصلة بالأحداث الصادمة. كما يمكن للمقربين جدًا لطفلك أن يقدموا أمانًا وتأكيدًا لعلاقة طويلة المدى؛ وهذا يوفر إمكانية للتعافي بطرق يعجز عنها الطب وعلم النفس الحديث.
  • احرص على أن توصل رسالة مفادها أن التعافي يرتبط أيضًا بالصحة الروحية. حاول أن تساعد طفلك على التواصل مع أحد الخدام الداعمين، أو قادة الشباب، أو أصدقائه المسيحيين الذين يصغون إليه ويصلون معه، ويطلبون إرشادًا من الكتاب المقدس عندما يستدعي الأمر ذلك.

 

 

For Titlesكيف نتصرف وقت الأزمة كوالدين؟

يمكن استخدام حروف كلمة LOVESAFE كتذكرة لما يجب أن تقدمه كأب أو أم في حالة التعامل مع اضطراب ما بعد الصدمة.

أصغِ Listen: من النافع لك أن تصغي لخبرات طفلك عن الحدث الصادم بدون محاولة تصحيح المفاهيم المشوهة أو تقديم كلمات مواساة. الإصغاء يُشعر طفلك بأنك مهتم بمشاركته وتفهُّم ما يختبره.

لاحظ Observe: حتى تحدد هل تحتاج لمساعدة متخصصة أم لا، اقضِ بعض الوقت في محاولة رصد وتسجيل أية تغيرات في الأنماط الجسدية، أو العاطفية، أو الاجتماعية التي تراها في ابنك/ ابنتك المراهق بعد وقوع الحدث الصادم. الكلمة الهامة هنا هي الأنماط؛ لأن النمط، وليس التصرف لمرة واحدة في حادثة غير اعتيادية، هو الذي يشير إلى وجود مشكلة.

تفهَّم Validate: عندما تخبر طفلك بأن أفكاره ومشاعره بعد الصدمة هي أفكار ومشاعر حقيقية ومبررة، ربما يساعده هذا على تجنُّب الشعور بأنه مجنون، وهي استجابة شائعة بعد اختبار الحدث الصادم. ليس بالضرورة أن تتفق مع أفكاره ومشاعره، فقط تفهَّم وجودها. يحتاج طفلك أن يعرف أنه من المقبول أن يشعر ويفكر ببعض الأفكار والمشاعر الغريبة، حتى وإن كان من غير المبرر أن يتصرف وفقًا لهذه المشاعر أو الأفكار.

شارك Engage: التواصل الاجتماعي مع أصدقاء وأفراد العائلة أمر لا غنى عنه بعد التعرض للحادث الصادم. ساعد طفلك على اختيار الأشخاص الذين يريد أن يتواجدوا من حوله، الذين على الأرجح سيوفرون المواساة، ويشجعون التفاعل الإيجابي معه. من الهام أيضًا ألا تزيد بإفراط كمية الوقت التي يقضيها طفلك مع الآخرين. احرص على ألا تخطط لاحتفالات بهدف مساعدته على نسيان الحدث؛ فقد يشعر بأن هذا يضره.

علِّم الاعتناء بالذات Self-care: شجِّع طفلك أن يشرب كميات كافية من الماء، ويأكل وجبات صغيرة متعددة خلال اليوم، ويشارك في بعض التمارين الرياضية، ويحصل على قدر كبير من النوم. هذه الخطوات نحو الاعتناء بالذات تساعد على تقليل الإجهاد، وتسهل عملية التعافي. ذكّره بأن الله يعتني به أيضًا.

اسمح بوقت للاختلاء Alone time: نحن نميل إلى التحليق فوق طفلنا الذي تعرض لحدث صادم؛ لكن الاهتمام المفرط قد يجعله يستغرق في التفكير في الحدث الصادم أكثر من اللازم. إنه يحتاج لفترات قصيرة من الوقت ليقضيها بمفرده في أنشطة آمنة وهادئة يستمتع بها. أيضًا لأن تركيزه يختل على الأرجح بعد الأزمة، فإنه يحتاج لوقت حتى يستجمع أفكاره.

ابحث عن دعم Find support: التعافي من اضطراب ما بعد الصدمة عادة يتطلب المساعدة والدعم من الأصدقاء، وأفراد العائلة، والمعلمين، والخدام، والأطباء، والمتخصصين في الصحة النفسية. ساعد طفلك على التعافي بالبحث عن هذه الإمكانيات في مجتمعك. حدد الأشخاص الذين سيصغون له وسيصبرون على صراعات طفلك، وليس الذين قد يريدون تقديم النصائح غير المطلوبة، أو الذين يقدمون حلولاً جاهزة. كذلك من الضروري أن تشجّع التواجد والألفة مع مؤمنين آخرين بمقدورهم تقديم الدعم الروحي له.

شجَّع Encourage: التشجيع المستمر والمتكرر بأن طفلك سيتعافى من اضطراب ما بعد الصدمة شيء ضروري لغرس روح الأمل فيه، ولك أنت أيضًا. هذا ينطبق على نحو خاص عندما يختبر طفلك أعراضًا تبدو لاإرادية ويصعب التحكم فيها. تشجيعه على الاشتراك في تدريبات منتظمة ومتحمسة وآمنة قد تساعده على التنفيس عن الاستجابات البدنية والعاطفية المضطربة بسبب الصدمة.

رغم أن المساعدة المتخصصة من الأطباء المتخصصين ضرورية لطفلك للتعافي من اضطراب ما بعد الصدمة، فلا غنى أيضًا بنفس المقدار لصحة طفلك عن علاقة الحب والمشاركة معك ومع الأصدقاء وأفراد العائلة.

إن علاج اضطراب ما بعد الصدمة قد يستغرق وقتًا طويلاً؛ لذا احرص أنت أيضًا على أن تحصل على بعض الدعم. ستحتاج إلى بعض الاسترخاء الذي يمكنك الحصول عليه من خلال أوقات مبهجة منتظمة تقضيها مع بعض أصدقائك، أو الاشتراك في مجموعة لدراسة الكتاب المقدس أو مجموعة للمشورة.

 

 

نشاط

تدريبات التحكم في التنفس

 

 

هناك طريقة بسيطة لكيفية التحكم في التنفس يمكنك أن تعلِّمها لكل أبنائك. هذه الطريقة ستكون نافعة حين يصبحون منفعلين أو متوترين قبل حدث رياضي أو اختبار مدرسي، أو عندما يتعرضون لحادث صادم.

عندما يشعر الشخص بالذعر، ربما يشعر بصعوبة في التنفس، وهذا يجعله يشعر بمزيد من الذعر؛ لذا من الهام أن يتحكم في تنفسه. ومع ذلك لا ينفع كثيرًا أن تكتفي بأن تطلب من شخص مذعور أن يتنفس. في المقابل بوسعك أن تعلم أبناءك تدريب التنفس الآتي الذي سيساعدهم على استعادة التنفس الطبيعي. جرّب هذا بنفسك أولاً، ثم علمه لأبنائك.

 

  • استنشق الهواء بينما تعد حتى ٤ (شهيق). اكتم هذا النفس حتى تعد رقم ٥، ثم أخرج الهواء من صدرك بينما تعد من ٦ حتى ١٠ (زفير).
  • بعد ذلك استنشق الهواء بينما تعد حتى ٤ (شهيق)، ثم اكتم هذا النفس حتى تعد ٥. ثم أخرج الهواء من خلال شفاه مضمومة (كأنك تنفخ شمعة) للأمام حتى تعد حتى رقم ١٠ (زفير).
  • أخيرًا، استنشق الهواء بينما تعد حتى ٤ (شهيق)، ثم اكتم هذا النفس حتى تعد ٥. ثم أخرج الهواء ببطء بقدر ما تستطيع من خلال شفاه مضمومة للأمام حتى رقم ١٠ (زفير).
  • كرر الخطوات من ١ – ٣ حسب الضرورة إلى أن يعود التنفس الطبيعي.

 

إذا كنت تقوم بهذا التدريب مع شخص في حالة ذعر، اجعل الشخص يركز على وجهك بينما تلقنه هذه الخطوات. قم بالعد بصوت مسموع له لأن هذا يساعده أكثر.

 

 


 

القسم الثالث: الصحة النفسية والانتحار

For Titlesالفصل الأول: ما هو النضوج الطبيعي وما هو النضوج غير الطبيعي

For Titlesالفصل الثاني: الاكتئاب

For Titlesالفصل الثالث: القلق

For Titlesالفصل الرابع: اضطراب الوسواس القهري

For Titlesالفصل الخامس: اضطراب ما بعد الصدمة

For Titlesالفصل السادس: ماذا عن العلاج بالأدوية؟

For Titlesالفصل السابع: البحث عن إخصائي نفسي معتمد وكفء

 

 

© 2020 Focus on the Family. All rights reserved. Used under license.