Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

 

بقلم: سامي يعقوب

         بماذا نصلي من أجل داعش؟ سؤال صعب، إذا كنا نصارع معه فهذا أمر طبيعي؛ فإجابته تحتاج لتفكير عميق في ضوء ما تعلمه لنا الكلمة المقدسة عن محبة الأعداء والصلاة من أجل مضطهدينا. وهل الصلاة: «اغفر لنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا» تعني ألا نصلي طالبين أن يحقق الله عدله بمجازاة الشر، وأن يفشل خطط الإرهاب، الذي يقتل الأبرياء، ويدمر كل ما هو جميل؟ لا أعتقد هذا!

         في البداية لابد أن نميز بين القيم الأخلاقية للمؤمنين والكنيسة، التي وضع مقاييسها السيد المسيح في الموعظة على الجبل، معلمًا إيانا أن نحب أعداءنا ونصلي لأجل الذين يضطهدوننا؛ وبين التزام الدولة الأخلاقي أن تحمي العباد من فوضى الشر، وتدافع عن البلاد في مواجهة ما يهدد أمنها وكيانها: «… لأن السلطة لا تحمل السيف باطلاً. فإذا عاقبت؛ فلأنها في خدمة الله لتُنزل غضبه على الذين يعملون الشر» (رومية ١٣ : ٤ الترجمة العربية المشتركة). الكنيسة تستخدم سيف الروح، أي الكلمة المقدسة، لتقاوم الخطية والشر، وتعلن محبة الله.. والوصية أن نحب العدو، ونطعمه إذا جاع، ونسقيه إذا عطش، تتعلق بالسلوك الشخصي للمؤمنين. وهذا ما فعله رهبان الدومنيكان مع أحد مقاتلي داعش الذين ظنت عصابته أنه أُصيب ومات، فتركوه خلفهم في شمال سوريا، ولما وجده الرهبان بين حي وميت أخذوه واعتنوا به حتى عادت إليه قوته، وغيرت المحبة حياته! أما الدولة فلابد أن تستخدم القوة والسلاح لتتعامل مع مَنْ يريدون تدمير بلادها، وقتل أبنائها.. وليس هناك أي تناقض أخلاقي بين الالتزامين.

         صلاة المؤمن طلبًا أن يجازي الله الأشرار، ويتدخل لكي ينتقم لدماء الضحايا الأبرياء، لا تتناقض مع الوصية أن نحب الأعداء ونغفر لهم! قد تبدو هذه القناعة للوهلة الأولى أنها لا تتفق مع وصية محبة الأعداء؛ لكن المسيحي بقدر إيمانه برحمة الله الواسعة حتى مع أعتى الخطاة لابد أن يكون أول مَنْ يعنيه تحقيق البر، وأن يأخذ العدل مجراه. فرحمة الله لم تكن تعني في أي وقت ألا ينال المذنب عقابه.. «الرحمة والحق تلاقيا، والعدل والسلام تعانقا» (مزمور ٨٥ : ١١). فلا محبة بدون حق، ولا سلام بدون عدل. وقمة هذه المعادلة الصعبة نجدها في الصليب، فلم يكن غفران الله للبشر الخطاة بلا ثمن أو عقاب.. والرحمة أصبحت متاحة لنا عندما أخذ المسيح عقاب ذنوبنا وآثامنا على نفسه، وهو الذي لم يعرف أي خطية.

         العالم الذي يُترك فيه لعصابات القتل أن يرتكبوا المذابح بدون عقاب عالم لا يفهم معنى الرحمة الإلهية؛ فالرحمة في مفهومها الأعمق تلزمنا أن نصلي «من أجل»، وأن نصلي «ضد».. أن نصلي لأجل أن يفتح الله أعين العميان الذين دبروا ونفذوا تفجير الطائرة الروسية في سيناء، وقتلوا بدم بارد الأبرياء في فرنسا ولبنان ونيجيريا، ظانين أنهم بذلك يخدمونه؛ فيرجعون عن ضلالهم وقساوة قلوبهم، وألا يستهينوا بعظيم رأفة الله وصبره واحتماله، بل يدركوا أن الله برأفته إنما يريد أن يقودهم إلى التوبة. وفي نفس الوقت لابد أن نصلي ضد الشر الذي يقتل، ويخطف، ويدمر.. نصلي ضد الكراهية التي تنهب الممتلكات، وتثير الفتن، وتدمر تاريخ وآثار الشعوب. عندما غزا ملوك عيلام، وجوييم، وشنعار، وألاسار سدوم وعمورة، واستولوا على ثروتها وأسروا أهلها، أسروا أيضًا لوطًا ابن أخي إبراهيم، وقد كان يعيش في سدوم. ولما وصل الخبر إلى إبراهيم، جمع كل رجاله وتبع أولئك الغزاة الأشرار، وأطبق عليهم في الليل هو ورجاله فهزمهم، واسترد جميع الثروة المنهوبة، ولوطًا والنساء وسائر القوم! وعند رجوع إبراهيم منتصرًا قابله ملكي صادق، ملك ساليم، وباركه (راجع تكوين ١٤ : ١- ٢٠).. ترى هل كان إبراهيم على حق فيما فعله لكي ينقذ أقاربه، ويضرب الأعداء قبل أن يشرق صباح اليوم التالي لسماعه خبر جريمتهم؟   

         في السماء لم يطلب القديسون الذين ذُبحوا من أجل أيمانهم في صلاتهم العجيبة أن يرحم الله مَنْ قتلوهم، لكنهم طالبوه بتحقيق عدله: «ولما فَض الحمل الختم الخامس، رأيت تحت المذبح نفوس المذبوحين في سبيل كلمة الله والشهادة التي شهدوها، فصرخوا بأعلى صوتهم: إلى متى، أيها السيد القدوس الحق، لا تدين سكان الأرض وتنتقم منهم لدمائنا؟ فنال كل واحد منهم ثوبًا أبيض، وقيل لهم أن ينتظروا قليلا إلى أن يكتمل عدد رفاقهم العبيد وإخوتهم الذين سيقتلون مثلهم» (رؤيا يوحنا ٦: ٩ ـ ١١ الترجمة العربية المشتركة). هذه الصلاة لا تؤكد لنا فقط أنه يمكننا الثقة في الله أن يحقق عدله بمجازاة الأشرار في الوقت وبالطريقة اللتين يعينهما.. «لي الانتقام، أنا أجازي، يقول الرب» (عبرانيين ١٠ : ٣٠)؛ بل وتعلن لنا أيضًا الحق الرائع أن الله يتمجد بتحقيق عدله بعقاب الأشرار، ويتمجد أيضًا في تمديد رحمته لتشملهم. الإرهابي الذي صلبه الرومان بجوار المسيح في الجلجثة لم يرفع عنه إيمانه العقاب العادل الذي أقر أنه يستحقه بسبب ما عمل، لكن عندما صرخ إلى يسوع ليرحمه دخل إلى الملكوت (لوقا ٢٣ : ٤٢). أن نطلب من الله أن يحقق عدله لا يتناقض مع طلبتنا أن يُظهر رحمته في نفس الوقت!

 

         عندما نراقب ما يحدث في عالمنا اليوم من اضطرابات، وقتل، واضطهاد الإنسان لأخيه الإنسان بسبب دينه أو عرقه، لنثق أن الله ضابط الكل يحقق مقاصده العليا لتقدم الإنجيل. والأمر لا يعود إلى إرادة الإنسان، عناده أو خططه، بل إلى رحمته الأبدية.. «ففي الكتاب قال الله لفرعون: رفعتك لأُظهر فيك قدرتي ويدعو الناس باسمي في الأرض كلها» (رومية ٩ : ١٧ الترجمة العربية المشتركة).

         والآن بماذا نصلي من أجل داعش؟ تُرى هل نطلب أن يغفر الرب لهم، أم أن يدمرهم؟ لقد شاركتكم برأيي فما هو رأيكم؟


       

  نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٢٢ نوفمبر/ تشرين الثاني ٢٠١٥

Copyright © 2015 Focus on theFamily Middle East. All rights reserved.