Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

بقلم: سامي يعقوب

للمزيد من هذه السلسلة: 

أبي هل لديك وقت لي؟ ١              أبي هل لديك وقت لي؟ ٢               أبي هل لديك وقت لي؟ ٣

أبي هل لديك وقت لي؟ ٤              أبي هل لديك وقت لي؟ ٥


 العلاقة بين الأب والأبناء تبدأ مبكرًا أكثر مما نظن! يقول د. جيمس دوبسون، السيكولوجي المعروف: «إن الأطفال الرُضع يستطيعون التمييز بين صوت الأم والأب عند عمر ستة أسابيع، وبعد ذلك بأسبوعين يميزون بين طريقتيهما في العناية بهم!» ومَنْ يراقب أطفاله الصغار سيكتشف أنهم مولودون بدافع تلقائي للتواصل مع آبائهم.. ولأسباب غير معروفة، فإن كلمة «بابا» عادة ما تكون من بين أول ما ينطق به الطفل!

 

في السنوات التالية يرتبط الأطفال بآبائهم بشكل عفوي، يحرك المشاعر ويُدخل البهجة إلى القلب، وأثناء وجوده خارج البيت لا يتوقفون عن السؤال: «فين بابا؟» وتعلو الدهشة وجوههم عندما يحادثهم بالتليفون. ومَنْ منا لم يختبر إصرارهم على الجلوس على رجليه، إن لم يكن فوق كتفيه.. المعانقات أحيانًا لا تكفي، وتحسس الوجه يستمر بقدر ما يسمح به طول البال

 أما المراهقون فيُعبرون عن احتياجهم لتواجد الأب بالقرب منهم بطريقة أكثر تعقيدًا..  فأحيانًا يشعرون بالمنافسة مع بابا، ويناقشون معه دائمًا كل المفاهيم التي يحاول أن يغرسها في حياتهم .. ناهيك عن مقاومتهم لقواعد النظام والحدود السلوكية التي يُطلب منهم اتباعها.

 

 أبناؤنا، صبيانًا وصبايا، في مراحل العمر المختلفة، لديهم احتياج فطري للتواصل مع والديهم، لكن الصبيان يعانون أكثر من غياب الأب عن البيت، أو عزوفه عن مشاركة أمهم في تنشئتهم .. وسواء كان هذا الموقف عن عمد أو بدون قصد، فإنه يؤثر بشكل كبير على سلوكيات الابن، وتوازنه العاطفي، وتحصيله الدراسي. ومن خبرة الحياة نعرف أن تأثير غياب الأب بالوفاة، مع صعوبته على الأبناء، يختلف تمامًا عن تأثير ابتعاده عنهم وتنكره لهم بسبب الطلاق. فكم من أم فقدت زوجها استطاعت أن تملأ ببراعة، وببطولة منقطعة النظير، الفراغ الناتج عن رحيل الأب، بالإضافة إلى القيام بمسؤوليتها كأم على أكمل وجه.. فحققت نتائج مذهلة، وخرج من تحت يديها رجال عظماء ربتهم بمفردها. المصيبة أن يكون الأب موجودًا في البيت لكنه منفصل معنويًا عن أبنائه بسبب انشغاله أكثر من اللازم بأعماله، أو لأنه لم يستطع أن يعطي لأسرته الصغيرة الأولوية في قائمة اهتماماته، واستمر يعيش حياته مثلما كان يفعل قبل أن يصبح زوجًا أو أبًا! كذلك هناك بعض الأشخاص تتسم شخصياتهم بالاعتمادية على الآخرين في تسيير أمور الحياة، وهذا يجعلهم لا يُبدون اهتمامًا بالتواصل مع أبنائهم، ويتركون مهمة التربية بالكامل للأمهات دون أن يحاولوا بذل أي جهد للمشاركة في تحمل أعباء الأسرة.. المشكلة أن الأم كامرأة لم تختبر بالطبع ما تعنيه الذكورة لابنها، وغياب نموذج الرجولة والتوجيه التربوي الذي يحتاجه الصبي ليعرف ما معنى أن يكون رجلاً يزيد الأمر تعقيدًا. الأب هو من يشكل ملامح شخصية الابن، فالصبي في رحلة بحثه عن هُويته، واستكشافه لما يريد أن يكون عليه في المستقبل، لا يجد سوى أبيه ليبحث فيه عن نفسه!

 

الصبيان يولدون وبداخلهم احتياج للانتماء، وليس مثل الأب الذي بإمكانه أن يُشبع هذا الاحتياج، وغيابه كقائد للقبيلة الصغيرة يدفع الأبناء الصبيان للبحث عن القبول الاجتماعي خارج البيت؛ فيتعرضون لإغراءات الوقوع في فخ السلوكيات الخطرة، ثمنًا لحصولهم على تقدير وقبول الآخرين لهم.

شئنا أم أبينا، نحن الآباء، لسنا سوى رسائل مكتوبة على لحم ودم، يقرأها أبناؤنا يوميًا.. ففينا يرون مثال النزاهة، والأمانة.. الشجاعة وضبط النفس.. العدل والبصيرة .. قبول الآخر والمواطنة. أما إذا غاب النموذج فلا يوجد سبيل أمام الابن إلا أن يبحث عنه خارج البيت، فيجده ليس بالضرورة في أشخاص ممن نتمنى أن يكبر على شاكلتهم.

 

الأب هو الذي يعلم ابنه معنى الاحترام وآداب التعامل مع الآخرين.. متي يجب أن يستمع ومتى يمكنه أن يتكلم، متى يضحك وكيف يكون جادًا في المواقف التي تتطلب ذلك.. بمن يمكن أن يثق، ومن أي شيء عليه أن يحذر. الأب هو الذي يدرب ابنه ليكبر محبًا للمعرفة، فيطور فيه حكمة التمييز بين الغث والثمين عند صنع اختياراته.

 

الفراغ الناتج عن انشغال الأب عن أبنائه الصبيان هو ما يدفعهم لمتابعة الميديا الإباحية، أو تجربة تعاطي المخدرات تحت تأثير ضغوط الأقران.. وربما الوقوع في براثن الممارسات الجنسية قبل الزواج، واستخدام العنف عند التعامل مع المشكلات. الصبيان الذين لا يجدون أبًا يجيب على أسئلتهم التي تتعلق بالجنس سيحصلون عليها من مصادر أخرى.. ليس مثل الأب الذي يمكن أن يملأ هذه الثغرة في التربية، خاصة في المجتمعات المحافظة التي تعتبر التربية الجنسية من المحظورات التي يُمنع الحديث عنها في البيوت. الصبي يحتاج إلى رجل ليناقش معه ما لا يستطيع أن يسأل أمه عنه.

 

 ما أعظم الحب الأبوي، ذلك الحب الذي يعني للابن الاكتفاء والثقة بالنفس.. القبول غير المشروط والدعم بلا حدود. ويبقى السؤال: "إذا كان لتأثير الأب مثل هذه الأهمية، فهل يستحق الأمر أن نعطيه وقتًا؟" يقول الحكيم: "بنو البنين إكليل جدودهم، وفخر الأبناء آباؤهم" (أمثال ١٧: ٦).. فإذا أردت أن تربي صبيانًا، وتكون فخرًا لهم، ما عليك إلا أن تصغي وسط زحمة الحياة للصوت الذي يناديك: «أبي هل لديك وقت لي؟"

ونواصل الحديث عن الآباء والصبايا في المرة القادمة..


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٢١ يوليو/تموز ٢٠١٣) 

Copyright © 2013 Focus on the Family Middle East. All rights reserved

 

 

 

 

 

 

 

قصة الرب يسوع في كل الكتاب المقدس بالطول