Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

بقلم: سامي يعقوب

للمزيد من هذه السلسلة: 

أبي هل لديك وقت لي؟ ١              أبي هل لديك وقت لي؟ ٢               أبي هل لديك وقت لي؟ ٣

أبي هل لديك وقت لي؟ ٤              أبي هل لديك وقت لي؟ ٥


 تحكي أسطورة هندية عن خلق الرجل والمرأة أن الله بعد أن خلق الرجل وجد أنه استخدم كل العناصر الصلبة، ولم يتبق شيء صخري أو له قوة تحمل ليخلق منه المرأة! بعد قليل من التفكير، أخذ الخالق استدارة القمر، ومرونة ساق كرمة العنب.. ارتعاش العشب، ورشاقة الخيزران.. تفتح الورود، وخفة أوراق الشجر.. صفاء إشراقة الشمس، وندى السُحب.. تقلب الريح، ونسيم البحر.. رجفة الأرنب، وكبرياء الطاووس.. لمعان الماس وبريق الذهب.. حلاوة العسل، وشراسة النمر.. دفء النار، وبرودة الجليد.. ثرثرة الببغاء، وغناء العندليب.. وداعة الخراف، وإخلاص أم الأشبال.. وخلط الخالق هذه العناصر معًا، وخلق منها المرأة وأعطاها للرجل.

 

بعد مُضي أسبوع جاء الرجل إلى الخالق، وقال: «يارب.. المخلوقة التي أعطيتها لي جعلت حياتي تعيسة. إنها تتكلم بلا توقف، وتلاحقني باستمرار دون أن تترك لي فرصة أن أستريح.. تُصر على جذب انتباهي طوال الوقت، فتمر ساعات نهاري بلا فائدة.. تبكي لأتفه الأسباب وتفرح بأبسط المفاجآت.

 

في الليل تنام بسرعة البرق، وينما أظل أنا ساهرًا وحدي أفكر فيما يحدث في حياتي! ها أنا قد جئت بها لأردها لك؛ لأني لا أستطيع أن أعيش معها!» أجاب الخالق: «حسنًا!» وأخذ المرأة منه.

لم يمض أسبوع آخر قبل أن يعود الرجل إلى الخالق متوسلاً: «يارب.. حياتي أصبحت فارغة منذ أرجعت تلك المخلوقة العجيبة إليك. أعترف أنني لم أتوقف عن التفكير فيها للحظة: كيف كانت ترقص وتغني، وكيف كانت تنظر إليّ من طرف عينيها! كيف كانت تحكي معي وتؤنس وحدتي، ثم تقوم فجأة لترتمي في حضني وتعانقني! لقد كنت أستمتع بالتأمل في جمالها، وتسحرني ابتسامتها.. من فضلك أعطها لي مرة أخرى!» وافق الخالق على الطلب وأعادها إليه.

 

بعد ثلاثة أيام رجع الرجل بالمرأة إلى الخالق، وابتدأ يشرح وهو يشعر بالحرج الشديد: «يا سيدي.. لا أعرف ما يحدث معي، ولا أستطيع أن أعلله.. ففي الأيام القليلة الماضية أدركت أن هذه المخلوقة تسبب لي المشاكل أكثر مما تسعدني. أرجوك خذها مني هذه المرة أيضًا؛ فأنا لا أستطيع أن أعيش معها!» نظر الخالق إلى الرجل متعجبًا، وقال له: «أنت لا تستطيع أن تعيش بدونها أيضًا!» ثم استدار وتركه حيث كان يقف مع امرأته يتمتم بصوت خفيض: «ما باليد حيلة! أنا لا أستطيع أن أعيش معها، ولا أستطيع أن أعيش بدونها!»

 

قرأت هذه الأسطورة من سنين، وتذكرتها بينما كنت أُعد لما أريد أن أكتبه عن أهمية وقوة تأثير علاقة الأب بابنته الصبية منذ صغرها حتى زواجها.. ووجدت فيها ما ذكرني بما لم أكن أفهمه في شخصية أمي، وبكثير مما اختبرته أثناء نشأتي بين ست من الأخوات، وما أعايشه اليوم مع زوجتي! ولعل كل أب أسعدته نعمة الله بولادة ابنة أو أكثر له يتفق معي بعد قراءتها أن الصبية ليست النسخة المؤنثة من الصبي، لكنها مخلوقة فريدة في حد ذاتها، خلقها الله وقصد أن تكون مختلفة.. لقد أرادها إضافة لا تكرارًا. بالمناسبة الاختلاف بين الطريقتين اللتين خلق الله بهما الرجل والمرأة معلن في الكلمة المقدسة. فالفعل  «جَبَلَ» المستخدم في سفر التكوين أصحاح ٢: ٧ ليصف خلق آدم هو نفس الكلمة التي تُستخدم في اللغة الأصلية للنص لوصف عمل الفخاري عندما «يُشكل» وعاءً قويًا من الفخار.. أما الفعل «أصنع» المستخدم في عدد ١٨ ليصف خلق حواء فهو نفس الكلمة في اللغة العبرية التي تصف ما يعمله المعماري الفنان عندما «يبني» بعناية ما صممه، فيُخرجه متناسقًا وجميلاً.. ما معنى هذا الكلام؟ يعني أن البنات قد خُلقن بطريقة مختلفة، ويحتجن لأن نعاملهن بطريقة تختلف عن تلك التي نتعامل بها مع أبنائنا الصبيان. على سبيل المثال قد يقضي الأب ساعتين أو أكثر مع ابنه يتابعان مباراة لكرة القدم، ويستمتع الاثنان بوقتهما معًا بدون أن يتبادلا أي حديث له معنى! أما الابنة، فبطبيعتها لا يُسعدها مثل هذا السلوك الذي يبدو غريبًا لها؛ فهي عندما تجلس مع أبيها تريده أن ينظر مباشرة إلى عينيها، ويبادلها الحديث، وهذا ما يعنيه قضاء وقت مع «بابا» بالنسبة لها.

 

الابنة سرها مع أمها، لكنها حبيبة أبيها! بالطبع هناك ما تحكيه الصبية مع «ماما» فتفهما كامرأة، أكثر مما يستطيع أي رجل أن يستوعب أو يشعر به. لكن ما يمكن أن يُعطيه الأب لابنته –مادام موجودًا- فمختلف جدًا، والكثير منه لا تستطيع الأم وحدها أن تُعطيه. ولعل من أكثر الآثار السلبية على حياة ونوعية شخصيات بناتنا في مجتمع يُعطي الأفضلية للأبناء الذكور هو عدم إدراك الأب أن لعلاقته مع ابنته تأثيرًا غير عادي يمتد عبر جميع مراحل عمرها.. من الوقت الذي يحملها رضيعة بين ذراعيه حتى يأتي اليوم الذي فيه تتأبط ذراعه كعروسٍ عند باب الكنيسة.

 

لكن هذه الرحلة الممتعة للعلاقة مع الابنة تتخطى حدود مسؤولية وكيل وزارة التموين الذي يوفر لها ما تحتاجه من أشياء وماديات بقدر المستطاع، وبالتأكيد لا يقتصر على القيام بمهمة «الشاويش عطية» الذي، ولو بدافع الحب، يحبسها في قفص قضبانه من ذهب ليحميها مما يمكن أن يمسها بسوء! لا؛ المسؤولية الأبوية أبعد جدًا من مجرد توفير التموين أو الحفاظ على العفة بإرهاب «عطية».. إنها مهمة لا تكتمل بدون علاقة فعالة ومستمرة تنبض بالحب المتبادل.. علاقة لا يمكن أن يُطفئ دفئها، أو يقلل من صدقها أي شيء في الدنيا.. إنها علاقة حب مع ابنة أبوها هو «الحب الأول» في حياتها!

 

يا مَنْ أسعدتك النعمة الإلهية بعطية صبية ، إذا سمعتها تناديك برقة: «أبي هل لديك وقت لي؟» لا تنتظر لحظة لتعطيها من وقتك واهتمامك، فهي العطية التي وهبها الله لك لتشرق في أيام عمرك ببهجة وسعادة لم تكن تتخيل يوم ولادتها أن تكون هذه «المفعوصة» هي نبعهما الذي لا ينضب.  وإلى بقية الحديث في المرة القادمة،


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٣ أغسطس/ آب ٢٠١٣) 

Copyright © 2013 Focus on the Family Middle East. All rights reserved

 

 

 

 

 

 

 

قصة الرب يسوع في كل الكتاب المقدس بالطول