بقلم: سامي يعقوب

للمزيد من هذه اللسلسة:

  أبناؤنا والتحول عن الدين ١

  أبناؤنا والتحول عن الدين ٢


ما أصعب الحديث عن مسؤولية الوالدين في تثبيت أبنائهم في الإيمان المسيحي حتى لا نفاجأ بهم يكبرون والدين قد أصبح بالنسبة لهم مجرد بيان في خانة ببطاقة الرقم القومى، أو بالأسوأ من ذلك أن يعبروا بدون سابق إنذار إلى جانب آخر تاركين الحظيرة التي كنا واثقين أن بابها مغلق جيدًا .

لا أحد يستطيع أن ينكر أهمية أن نثبت أبناءنا بالمعرفة حتى يستطيعوا الدفاع عن الإيمان ضد ما يواجهونه من أكاذيب ممتزجة بضغوط عقائدية، أو مادية.. عاطفية أو اجتماعية، إلا أن معرفتهم لحقائق وأساسيات الإيمان المسيحي لها نفس أهمية شعورهم بالسلام والقناعة الداخلية تجاه ما يؤمنون به. عندما يختبرالأبناء فرح وتميز عمل النعمة الإلهية من خلال المعايشة اليومية للإيمان الذي يدافعون عنه، سيستطيعون مواجهة الضغوط والأكاذيب التي تحيط بهم .

على سبيل المثال، يحتاج أبناؤنا لمعرفة أن معنى الوحي في الإيمان المسيحي يختلف تمامًا عن مفهوم الإنزال للنصوص الدينية، لكنهم لا يستطيعون الإجابة على السؤال الذي يسمعونه مرارًا: "لماذا يوجد أربعة أناجيل وليس إنجيلاً واحدًا؟" ما لم يختبروا حلاوة وروعة اللقاء الشخصي واليومي مع المسيح بينما يقرأون في الأناجيل. وحتى إذا استطاع الابن أن يجيب بأن المسيح لم يكتب الإنجيل بنفسه، وأن ما كتبه البشيرون الأربعة هو سرد عن حياته وتعاليمه وأعماله، فإن هذه الإجابة تكون باهتة وغير مقنعة كمن يصف لآخر روعة طعم فاكهة لم يسبق له أن تذوقها أو حتى رآها من قبل! الإنجيل يعني البشارة السارة بأن المسيح قد جاء إلى العالم ليخلص الخطاة، ولا يماثل نصوصًا دينية أخرى.. من يريد أن يدافع عن صحة الإنجيل لابد أن يختبر أولاً عظمة عمل الإنجيل في حياته .

ربما يرجع الأمر إلى مهنتي كناشر، أو لطبيعة البيت الذي نشأت فيه زوجتي، فقد كبر ابنانا على محبة خاصة للقراءة. وخلال الأعوام القليلة الماضية قرأ كل منهما قدرًا هائلا من كتب الدفاعيات المسيحية لكثير من المؤلفين العالميين المتخصصين، وأعترف أن هذا قد ساعدهما كثيرًا أن يعرفا كيف يفكران فيما يؤمنان به، وطور مقدرتهما على الحوار وتعليل أسباب إيمانهما بالمسيح للآخرين. ومع أننا نشعر بالامتنان كالوالدين لوجود هذه المعرفة لديهما، كان التحدي أمامنا هو كيفية مساعدتهما ألا يستخدماها فقط في مواجهة هجوم الآخر أو الكرازة له، بل أن تكون مصدرًا متجددًا يملأهما ببهجة العلاقة الحية مع مخلصهم الرب يسوع، وامتياز أبوة الله لهما.. هذه الأبوة التي يؤكدها الإيمان المسيحي دون غيره. والحوار المتواصل يملأنا كأسرة ببهجة الحق الكتابي أن يسوع المسيح هو الطريق الوحيد إلى الآب، وأنه هو خبز الحياة الذي نحيا به، ونبع الماء الحي الذي يروي عطش النفوس .

من بين علامات نهاية الزمان التي ذكرها الرب يسوع في إنجيل متى: «ولكثرة الإثم (الشر والفساد) تبرد محبة الكثيرين، ولكن الذي يصبر (أو يثبت) إلى المنتهى فهذا يخلص» (متى ٢٤: ١٢-١٣).. أليس هذا ما نسمع ونقرأ عنه في أيامنا هذه مع كل مرة يضل فيها ابن أو ابنة الطريق تاركًا إيمان الآباء والأجداد لأي سبب؟ إنني كأب أشعر بالخوف عندما يتردد صدى هذا التحذير الإلهي في داخلي؛ لاقتناعي بأنه ليس هناك من هو أكبر من أن يسقط.. فماذا نفعل إذن؟ وأين نجد الحل؟

أصعب ما في الحل أنه يرتبط بشكل أساسي بك وبي.. بكل أب وأم! فنموذج الحياة الذي نقدمه لأبنائنا هو الذي يشعل نار محبة الله في قلوبهم أو يخمدها، سواء أدركنا هذه الحقيقة أو اخترنا تجاهلها! فشكل علاقتنا مع الله، وأسلوب تعاملنا مع الكلمة المقدسة، وما يلمس حياتنا من خلال عبادتنا المنتظمة في كنيستنا، وكذلك العلاقة بين كلامنا وأفعالنا من أكثر العوامل التي تؤثر على النمو الروحي  للأبناء، ومسيرتهم مع الله .

ولعلنا ندرك أن ما نعيشه يوميًا داخل بيوتنا أو خارجها هو ما يعبّر لأبنائنا عن حقيقة إيماننا. ليس من الحكمة أن  نتوقع أن يتمسك أبناؤنا بالإيمان المسيحي بشكل يختلف عما نعيشه نحن كوالدين، مع الإقرار بأن قوة نعمة عمل الله لا يحدها ضعف إيماننا. كتب الرسول بولس إلى مساعده في الخدمة تيطس يقول: «علّم الأبناء ليكونوا متعقلين، وقدم لهم نفسك قدوة في كل شيء بالعمل الصالح، وكن محترمًا، وصادقًا في تعليمك، وليكن كلامك صحيحًا غير ملوم بأنه مجرد كلام.. عندئذ يخزى المقاوم لأنه لن يجد شيئًا رديئًا يقوله عنكم.» (تيطس ٢: ٦ -٨، بتصرف).

أعرف أن حديثي هذا ربما يصعب الأمر عليكم، خاصة لأنه لا يخفى على أحد مقدار الأعباء والمسئوليات التي تملأ ساعات النهار، فتجعل الواحد منا يشعر بأن اليوم قد مضى كلحظة دون إنجاز يذكر. لكن الأمر يتعلق بأعز وأغلى من هم لنا في الحياة؛ فإما أن نربحهم للملكوت، أونصاب بخيبة أمل تحولهم عن الإيمان. فإذا شعرنا بالعجز أمام هذه المسئولية، فالاختيار الأوحد أمامنا لكي نتممها هو أن تكون لنا علاقة اختبارية وحية مع إلهنا، وأن نضبط أنفسنا وأجندة التزاماتنا اليومية لنعطي أولوية مطلقة لحماية أبنائنا من شر آخر الأيام، ولا نبخل  عليهم بوقت أو جهد؛ لأن الأمر أخطر بكثير مما نظن !

بقي لي طلب شخصي من قراء هذا الركن الأعزاء.. إنني أجد صعوبة أن أكتب لكم دون أن أعرف عنكم، أو أسمع منكم؛ فهل من مساعدة بالتواصل مع جريدة "وطني" أو معي شخصيا بأي معلومة تفيد بأن ما يثار هنا من أفكار يخاطب احتياجًا حقيقيًا لديكم أم لا.


 (نُشر بجريدة وطني بتاريخ ١١ مارس/ أذار ٢٠١٢)

Copyright © 2012 Focus on the Family Middle East. All rights reserved.